“ڨول تره صاوند سيستام”: عن موسيقى تعري واقع “السيستام” وتشكل “سيستام” الواقع

  يسرى الشيخاوي- 

 
مواطن متمرّد قبل ان يكون فنّانا يغرّد خارج السرب، فنّان يطوّع الكلمات ليعبر عن هواجسه السياسية والاجتماعية منها، يحيا بتصوّره الموسيقي الذي أراد له أن يكون متفرّدا ويحيا من اجلها، الأمر الذي جعل من حليم اليوسفي محاطا بمعجبين هبّوا ليقاسموه لحظات من الجموح رسمت مجموعة "قول تره صاوند سيستام" ملامحها.
 
هو العرض الأولّ للمجموعة الموسيقية، بعد انقطاع دام خمس سنوات سلك فيها كل عازف طريقه الخاص به، ليلتئم الشمل في عرض ضمن المسابقة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية، عرض حضره شباب تختلف هيئاتهم وتوجهاتهم ويلتقون عند موسيقى ترفض الواقع.
 
وانت ترقب حركات العازفين ومناجاتهم لآلاتهم الموسيقية وحواراتهم الصامتة في صخب مع بعضهم البعض، لن يتبادر إلى ذهنك أنّهم لم يجتمعوا منذ زمن ولكنّك قطعا ستتفكّر في تلك الكيمياء التي خلقوها على ركح مسرح الجهات، كيمياء سرت في صفوف الجمهور.
 
وإعلان عودة المجموعة إلى سالف فنّها، كان بمثابة البعث، ولم يكن انفصال أعضائها في وقت لاحق سوى توليد معان جديدة للفرقة الموسيقية التي رأت حلّتها الاولى النور في الهامش، فمن منطقة جبل الجلود التي تعدّ عالم قائما الذات بأزقته المفعمة بالحكايا والاسرار.
 
حاملا نبض التمرّد بين ضلوعه، تمرّد جُبل عليه في سنوات الطفولة التي قضّاها في مدينة قفصة، وفي اسمه يحمل بعضا من الحلم وبعضا من الموسيقى فوالداه سمّياه أسوة بالمغنّي المصري عبد الحليم حافظ، فكان حليم موسيقيا حالما وإن رام موسيقى الاندرغراوند.
 
معان كثيرة يمكن استخلاصها من عرض "قولتره نظام صوتي "ّ، أوّلها  تلك الفرح المرتسم في عيون الجمهور الحاضر في قاعة العرض، جمهور يشبه الفسيفساء في اختلافه، جمهور يردد كلمات أغاني حليم اليوسفي ويتماهى مع الموسيقى التي ترافقها، ليكون رفض الشباب للسيستام القائم ثان الرسائل إذ أن أغلب الأغاني تنقد النظام سواء منه السياسي أو الاجتماعي.
 
مؤمن هو بالتوجه الذي اختاره، زاده كلمات بسيطة يستلهمها من واقعه ويمز بموسيقى يحلم بأن يصدّرها إلى الخارج، وحلم اليوم بدأ يشكّل حوله هالة من الحقيقة، ولجمهور المجموعة المتفرّدة موعد مع البومين اثنين سترافقهما جولات عدّة.
 
"بلاد آخر زمان"، "قولولي"، "لي تشالو"، "دادة عيشة"، "جندي"، "خوروطو"، "شكون كان يقول"، أغان ردّدها حليم اليوسفي على نسق موسيقى تماهت فيها انماط موسيقية مختلفة تستمد ثراءها من تجارب عازفين لكل قصته الخاصة مع الآلة الموسيقية التي ترافقه على الركح فيروي من خلالها هواجسه وآماله.
 
ترومبون محمود عجابي، يشبه الأنين حينا والصرخات أحيانا ويحاكي أنفاس الثورة كل حين، وباص قيس الفني يترجم زخم الاحتجاج وصدى الهتافات، وغيتار حليم اليوسفي يروي قصص حب لم تكتمل ونبض ثورة مازالت حبلى بالأمل، وكمنجة وسيم الزيادي تزيّن الركح بشاعرية ورومانسية تقطع مع سواد قد يكتنف الواقع، وساكسفون جوهانس يحاكي آهات المظلومين والمهمّشين، مشاعر كثيرة وتعبيرات مختلفة خطّها أيضا شكري الداعي ومحمد أمين خالدي وطه نوري ومالك بن حليم وخليل هرماسي حينما توحدوا مع الكلافيي والدرامز والإيقاعات.
 
موسيقى تحاكي كل تلك التقلبات التي شهدتها تونس في السنوات الاخيرة وتلك الهوة بين المركز والهامش وبين الفرد والمجتمع وبين الحاكم والمحكوم وبين المرتمين في حضن "السيستام" والمارقين عنه، وكلمات بسيطة جدّا تجد طريقها إلى الآذان وتخاطب العقل قبل العاطفة.
 
فيما الجمهور يتمايل منتشيا بإنتاجات مجموعة موسيقية نجحت في أن تصنع لنفسها قاعدة جماهيرية ذات تلوينات مختلفة، كان حليم اليوسفي يعانق غيتارته وينتفض رقصا، ينتفض ضد الواقع وآلامه وهمومه وضد الفراق في كل تمظهراته.
 
ولعل ما يعلق بالذهن في عرض"ڨول تره صاوند سيستام"، صورة قائد الفرقة باكيا بعد أن ضج الركح بضحكته وحماسته، تلك العبرات لا يعرف سرّها إلا هو، ربّما تذكّر عزيزا أو حادثة أو حكاية لم تكتمل أو ذكرى لم تمت، هي أغنية " وين" راودت عاطفته فلم يكبح جماح دمعه وبكى وصفق الجمهور وجفّ الدمع، وتزاحمت الإقاعات والألحان.
 
إيقاعات وألحان صاخبة، تتمثل فيها دواخلك والروابط التي تصلك بالعالم الخارجي، تدفعك ّإلى الرقص على إيقاع تفكيرك في صورة المستقبل وأنت تتأمّل الحاضر وتستحضر الماضي، أنت لست في مواكبة عرض موسيقي فحسب بل أنت امام محاولة جادة لتعرية واقع " السيستام" وتشكيل " سيستام" الواقع، سيستام ينطلق من الموسيقى لينتهي إلى الشارع وربّما يعود من حيث ولد.
 
 
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.