تمرّ اليوم 77 عاما على ذكرى شهداء 9 أفريل 1938، بالتمام والكمال. يومها سقط العشرات من الذين شاركوا في مظاهرتين خرجتا في العاصمة للمناداة بالحرية وإقامة برلمان تونسي، برصاص الاحتلال الفرنسي، ليعتبر ذلك التاريخ فيما بعد عيدا للشهداء.
ذكرى شهداء 9 أفريل ذكرى يعتز بها جميع التونسيين باعتبارها شكلت منعرجا حاسما في مسيرة الكفاح الوطني ومرحلة هامة لها من الفضل الكثير في الإعداد لمحطات سياسية لاحقة أدت في النهاية إلى نيل الاستقلال في 20 مارس 1956، ثم إعلان النظام الجمهوري يوم 25 جويلية 1957، إلا ان سقوط العديد من الشهداء ما بعد هذا التاريخ يحيل على التساؤل، كم من ذكرى شهداء سنحيي في هذا الوطن؟
شهداء ثورة 2011
شهدت ثورة 14 جانفي 2011 سقوط العديد من الضحايا، أو من لٌقبوا بشهداء الثورة، حيث لقي هؤلاء حتفهم نتيجة الاجراءات وردات الفعل القمعية لبوليس بن علي على إثر التحركات الاحتجاجية التي شهدتها الشوارع التونسية في كل الجهات دون استثناء، تلك الثورة الشعبية العفوية التي وحدت يوما صفوف التونسيين المنتمين منهم لليمين واليسار، الصغار والكبار، النساء والرجال.
وبلغ عدد شهداء الثورة، وفق ما اعلنته الهيئة العليا لحقوق الإنسان في فيفري 2014، 321 شهيدا في الفترة الممتدة بين 17 ديسمبر 2010 و و22 فيفري 2014، مع الإشارة إلى ان رئيس الهيئة وقتها أكد على ان القائمة ليست نهائية، ولا نزال ننتظر اليوم ان تعلن كاتبة الدولة المكلفة بملف شهداء وجرحى الثورة ماجدولين الشارني عن القائمة النهائية لهؤلاء الشهداء بعد مرور اكثر من 4 سنوات حملت في رحمها من الوعود الكثير من قبل الحكومات المتعاقبة.
شهداء الحرب على الارهاب
لم تتوقف الدماء المهدورة في تونس عند هذا الحد، حيث شهدت السنوات الأربع الاخيرة ظهور ما يعرف بالتيارات الدينية المتطرفة التي لا تملك أو تعرف لغة سوى "الدم". وانطلق سيناريو الارهاب المقيت عند وقوع أول عملية ارهابية في تونس بعد الثورة في منطقة الروحية من ولاية سليانة اثر تبادل لاطلاق النار بين قوات الجيش الوطني وعناصر منتمية لتنظيم القاعدة بالمغرب الاسلامي قتل فيها اثنان من المسلحين واستشهد عسكريان.
ولعلنا نذكر جميعا التصريحات التي صدرت عن بعض القادة السياسيين خاصة تلك التي جاءت على لسان كل من علي العريض عندما كان وزيرا للداخلية وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، عندما اعتبروا ان وجود عناصر مشبوهة تقيم معسكرات تدريب على السلاح في الجبال "ظاهرة صحية" و"ممارسة للرياضة" وكأن ليس في الامر ما يريب رغم التغلغل الواضح للمجموعات المتطرفة في المنطقة في تلك الفترة.
الارهاب الذي لم تسلم منه أقوى واعتى الدول في العالم، والذي لم يطأ قدمه موطنا إلا ونشر فيه الرعب والدمار، لم يبدأ سياسيونا بالإيمان بوجوده حقيقة في تونس، سوى إثر سقوط الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013، قتيلا امام مبنى بيته، رميا بالرصاص على يد إحدى المجموعات الارهابية، والتي أصبحنا نعرف جميعا عناصرها، إلا أن ذلك لم يكن كافيا لإيجاد حلول جذرية توقف الأمر، وإلاّ لما سقط الشهيد محمد البراهمي يوم 25 جويلية 2013 بنفس الطريقة وعلى يد نفس المجموعة.
وفي تاريخ لا يبعد عن ذلك الذي طالت فيه أيادي الغدر الشهيد البراهمي سوى 4 أيام، 29 جويلية 2013، كان يوما رمضانيا من الأيام التي لا تمحى من الذاكرة البتة، عندما أفطر الشعب التونسي على فاجعة ذبح الجنود الثمانية في جبل الشعانبي، وكان اتهم فيها عدد من عناصر المجموعة المذكورة على غرار كمال القضقاضي.
الامنيون والعسكريون الذين استشهدوا بعد ذلك، في إطار "الحرب على الارهاب" يعدون بالعشرات، آخرهم اعوان الحرس الوطني الذين استشهدوا في أحد الكمائن الارهابية التي استهدفت دورية لهم في منطقة بولعابة من ولاية القصرين، قبل أن يتم يوم الثلاثاء الفارط 07 افريل الجاري نصب كمين ثان لعناصر من الجيش الوطني عندما كانوا بصدد تمشيط منطقة جبل المغيلة الرابط بين ولايتي القصرين وسيدي بوزيدن سقط على إثره 5 من خيرة الجنود البواسل لهذا الوطن.
ان يتوفى الله المرء شهيدا شرف ومراد لكل مؤمن، لكن المؤسف ان الحديث عن الشهداء في هذا البلد لن يتوقف عند هذا الحد مادامت آفة الارهاب مازالت متغلغلة في أعماق جبالنا وعدد من مناطقنا الداخلية بل وفي مدننا واحيائنا وربما بيوتنا.
فكم من ذكرى شهداء علينا ان نحيي في هذا الوطن؟