حاوره يسري اللواتي –
مساء الخميس 23 ديسمبر 2011، أعلن القيادي في حركة النهضة ورئيس الحكومة السابق حمادي الجبالي عن التشكيلة الحكومية الجديدة بعد شهرين من اجراء الانتخابات. في ذلك الوقت شهدت الحكومة المكونة من 30 وزيرا و11 كاتب دولة، احداث وزارة جديدة تُعنى بالحوكمة ومكافحة الفساد يترأسها القيادي في حزب التكتل عبد الرحمان الأدغم.
"اقترحت شخصيا احداث هذه الوزارة بهدف ترسيخ ثقافة مكافحة الفساد"، هكذا تحدث عبد الرحمان الأدغم وهو نجل المناضل ورئيس الوزراء السابق الباهي الأدغم، عن إحداث الوزارة، في ظرف تترقب فيه الأوساط السياسية والشعبية خطط الحكومة الجديدة في مقاومة هذه الظاهرة التي كانت سببا رئيسيا في اندلاع الثورة.
عبد الرحمان الادغم (72 سنة) قيادي سابق في حزب التكتل، تحصل على شهادة الباكالوريا في جوان 1964 ثم واصل تعليمه العالي في الطب بتونس ثم باريس ليصبح دكتورا مختصا في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، بعد ذلك شغل خطة أستاذ محاضر مبرز بكلية الطب بتونس في ديسمبر 1983 ورئيس قسم جراحة أمراض الأذن والأنف والحنجرة بمعهد صالح عزيز من جوان 1989 إلى أكتوبر 2007 كما أشرف على اللجنة الطبية لهذا المعهد طيلة سنوات عديدة.
إنضم الأدغم رسميا لصفوف حزب التكتل إثر الثورة فشارك داخل اللجنة السياسية كأحد المقررين في صياغة البرنامج السياسي ثم في أواخر شهر جويلية 2011 أصبح عضوا في اللجنة الوطنية التوجيهية لانتخابات الحزب ليتم ترشيحه أخيرا رأس قائمة على دائرة منوبة.
وفي الحوار الذي أدلى به لــحقائق أون لاين، أفصح الأدغم عن الظروف التي حفت بالاعلان عن الوزارة وأهم الملفات التي دققت فيها طيلة 3 سنوات، هذا الى جانب عرضه لتقييم شخصي لآداء حكومة الترويكا و"حملة مكافحة الفساد" التي أطلقها رئيس الحكومة يوسف الشاهد في ماي 2016.
في البداية، ما سر غيابك عن المشهد السياسي في البلاد منذ اعلانك الاستقالة عن حزب التكتل في أكتوبر 2013؟
مبدئيا لم أكن اعتبر ممارسة السياسية كشغل مهم وأوّلي في حياتي، أنا أهوى السياسة وخدمة الوطن لأني عشت في وسط سياسي ووطني لذلك كنت متحمسا منذ وقت بورقيبة وكانت أفكاري وتوجهاتي غير مساندة دائما له وفي فترة بن علي كنت أكثر معارضة لكني لم أمارس السياسة وكنت أشتغل كطبيب في الصحة العمومية واعتبر أن ما كنت أفعله فائدة للوطن.
وكانت لي قبل الثورة وبعدها اتصالات عديدة مع مصطفى بن جعفر بحكم علاقتي القديمة معه منذ دراستي في فرنسا ونشاطنا الطلابي سوية، وتواصلت هذه العلاقة صلب حركة الاشتركيين الديمقراطيين في وقت من الأوقات، وخضت مع بعض الناشطين صلب حزب التكتل سنة 2011 الانتخابات التشريعية لأنتخب نائبا عن دائرة منوبة، ثم في فترة تكوين الحكومة وقع اختياري لتمثيل الحزب وعندما عرض عليّ منصب وزاري أصريت على أن أتولى وزارة تتماشى مع توجهاتي خاصة في مكافحة الفساد.
بعد ذلك كانت استقالتي في سبتمبر 2013 من حزب التكتل لأسباب داخلية بحتة من بينها حوكمة الحزب. وخيرت إثر ذلك الابتعاد منذ أواخر 2014، لنيل قسط من الراحة وتقييم مشاركتنا في الحكم والنتائج السيئة التي حققها الحزب في الانتخابات الأخيرة والتي لم أشارك فيها.
هل تلقيت في تلك الفترة طلبات للالتحاق بأحزاب؟
نعم ومن بعض الأحزاب الوسطية الديمقراطية، وأردت خلال الانتخابات الأخيرة طرح مبادرة مع بعض الاخوة لتجميع العائلة الوطنية الديمقراطية مع عدد من السياسيين لكن فشل المقترح بحكم أنانية البعض.
وبعد سنة 2015 تلقيت كذلك اقتراحات أخرى لم أتفاعل معها لالتزامي بانهاء كتاب مذكرات والدي الباهي الأدغم، وأنا أعتقد أن تكرار التجارب السياسية دون تقييم سيؤدي حتما الى الفشل أو نكسة.
قلت انك رفضت مناصب وزارية عند تشكيل حكومة حمادي الجبالي وأصريت على إحداث وزارة لمكافحة الفساد، هل يعني الاقتراح كان شخصيا وليس من الترويكا؟
نعم كان شخصيا، وأنا لم أشأ منذ فترة الخوض في هذه الحقيقة، لكن أؤكد لك أن الاقتراح كان شخصيا رغم أنه تم ترشيحي لتولي خطط وزارية أخرى ورفضت ذلك ليس تكبرا وإنما لإيماني بقدرتي على ترسيخ فكرة مقاومة الفساد وبعدها تم قبول الفكرة.
هل رفضت أحزاب من الترويكا فكرة إحداث الوزارة؟
(مصرا) لا أبدا، لكن بعد تسمية محمد عبو وزيرا للوظيفة العمومية والإصلاح بدا وكأن الأمر فيه تداخل في صلاحيات الوزارتين لكن وضحنا مجال عمل كل طرف دون أي إشكال.
طيب بعد تشكيل الوزارة، هل تخوفت من إمكانية فشلك خاصة وأن الوزارة حديثة العهد والانتظارات كبيرة في مكافحة الفساد المستشري في البلاد في تلك الفترة؟
لا لم أتخوف وأعلم أن مكافحة الفساد كان مطلب أغلبية شعبية وكنت مستعدا لكل شيء، لكن أصريت على مواجهة كل التحديات حتى يصبح مفهوم مكافحة هذه الظاهرة سياسة عامة للحكومة.
هل تعتبرها مغامرة؟
لا ليست مغامرة بل تحدي.
إذن انطلقت في الاشتغال على مقاومة الفساد، هل طرحتَ خطة أو مسارا لذلك؟
ليكن في علمك أن الوزارة بدأت كفكرة ثم انطلقنا في تكوين فريق بصعوبة جدا، إضافة الى ذلك واجهنا تعطيلات أخرى من الادارة العميقة التي كانت في تلك الوقت رافضة لمقاومة الفساد أو خوفا من التحول السياسي، عموما كنت أشتغل بفريق بسيط جدا من الموظفين الشبان لا يتجاوز 16 شخصا باحتساب الوزير والسائق و"الشاوش" والكاتبة وكنا غير مجمّعين في مقر واحد ولكني عملت مع فريق ممتاز من "المناضلين"، يعمل ليلا نهارا.
ماهي أولى الخطوات التي انطلقتم في تطبيقها لمكافحة الفساد؟
سعينا منذ البداية في تفعيل المرسوم عدد 120 المتعلق بإحداث هيئة مكافحة الفساد وتسمية رئيسها، وفي نفس الوقت التقيت بممثلين عن المجتمع المدني وانطلقنا في تفعيل الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد بالتعاون مع منظمات دولية.
ويوم 9 ديسمبر 2012 أعلنت رفقة الرؤساء الثلاث في خطاب بالبرلمان عن الاستراتيجية الوطنية لمقاومة الفساد وكان ذلك بمثابة الالتزام أمام النواب والشعب بضرورة مقاومة هذه الظاهرة.
بعد ذلك ماهي أبرز الملفات التي دققت فيها الوزارة؟
حقيقة لم نتفاجأ بحجم الفساد في الملفات لأني اطلعت على تقرير لجنة تقصي الحقائق في ذلك الوقت للمرحوم عبد الفتاح عمر، لكن المفاجأة بالنسبة لي كانت في تفاعل الدولة التونسية وحرصها لاسترجاع الأموال المهربة للخارج وتفاعلها مع لجنة المصادرة وخاصة لجنة التصرف التابعة لوزارة المالية.
أعتقد أن لجنة المصادرة تقاعست في البداية، وأقصد هنا التقاعس في التسميات والتصرف في الأملاك المصادرة وتعيين المؤتمنين العدليين، إضافة إلي عدم حلها لبعض الملفات بصفة دقيقة ومكتملة خاصة وأنها مكنت بعض رجال الأعمال الذين صودرت أملاكهم من أسهم في بعض الشركات.
هذا الاخلال مكّن بعض رجال الأعمال المقربين من النظام السابق من الاحتفاظ بمناصب عليا في بعض الشركات المصادرة، بعد ذلك تحسنت الأمور عندما سمي وزير أملاك الدولة رئيسا جديدا للجنة سنة 2012.
في تلك الفترة هل توصلتم لتحديد قيمة الأموال المهربة؟
لا لم يكن يوجد أي قيمة مضبوطة، الكل يتحدث عن أرقام من قبيل 5 أو 7 ألاف مليار من المليمات، إضافة لذلك فإن جل الدول لم ترد التعامل معنا لاسترجاع تلك الأموال.
إذن هل استرجعتم بعض الأموال أو الممتلكات من دول أجنبية؟
نعم 3 دول فقط تعاونت معنا وهي لبنان أعادت مبلغا يناهز 42 مليون دينار وإسبانيا وإيطاليا أعادتا يختين قديمين، وهنا لا بد من الإشارة إلي أن الأمم المتحدة ساعدت تونس لاسترجاع الأموال من لبنان عبر تسميتها لوكيل دولة قطر كمحام لدى المحاكم اللبنانية، مكننا من استرجاع هذا المبلغ.
هل حاول بعض المقربين من عائلة بن علي في تلك الفترة التوصل لتسويات مع الحكومة؟
نعم هناك من حاول ولكن ليس معي، وكنت قد سمعت في الكواليس أن مقربين من عائلة بن علي أرادوا التوصل لتسويات عبر إعادة مبالغ مالية لخزينة الدولة.
من هؤلاء؟
أعتذر لا يمكنني البوح بأسماء ولكن أؤكد لك أني كنت من أشد الرافضين لهذا التمشي.
هل قبل البعض من المسؤولين بحكومة الترويكا باقتراح التسوية؟
لا أغلبهم لم يقبلوا باستثناء القليل الذين برروا التسوية والاتفاق بحاجة الدولة إلي موارد مالية في ذلك الوقت.