يسرى الشيخاوي-
من رحم الثقافة الشعبية التونسية، ومن الخطوات المحملة بحكايات تمتد من الشمال إلى الجنوب وتنهل من كل الأزمنة خط كل من عماد عمارة ووائل مرغني تفاصيل العرضين الكوريغرافيين "ودوني" و"ربوخ" ليقدما رواية أخرى للرقص الشعبي تمتد جذورها في الموروث التونسي وتعانق فروعها التجديد.
معان جديدة للرقص الشعبي خُلقت على الركح ضمن أيام قرطاج الكوريغرافية التي تحتفي بالجسد الراقص والرافض لكل الأطر التي تهدد حريته وأنشأت تأويلات مغايرة للواقع في تعبيرات فنية مارقة عن المألوف تستمد تناغمها من الاختلاف.
وأما فيما يخص عرض "ودوني" فهو عرض تلتقي فيه الفرقة الوطنية للفنون الشعبية بقيادة عماد عمارة مع الاوركستر السمفوني التونسي بقيادة راسم دمق للمرة الأولى في سعي للبحث عن سبل أخرى للتجديد دون تشويه الهوية أو طمسها.
وعن التقاطع بين الأصالة والمعاصرة في هذا العرض، يقول مدير الفرقة الفنون الشعبية عماد عمارة إنّ الكوريغرافي الحقيقي هو من يتمتع بخلفية فنية محترمة ويمتلك ثقافة عميقة عن الإيقاعات والخطوات والموروث الغنائي".
ومن هذا المنطلق كان عرض "ودوني" ضاربا في عمق الهوية التونسية ينهل من حكايا الرعاة وقصص الحصاد ومواسم جني الزيتون وروايات الجدات، من كل ركن وزاوية في تونس وممتدا إلى ما وراء حدودها ليعانق التعبيرات الجديدة للرقص.
وفيما يتعلق باسم العرض فهو مستلهم من أغنية "ودوني" بتوزيع جديد لزياد الزواري الذي كان مشاركا في رسم ملامح هذا المشروع الفني وهو الذي خبر التموينات الموسيقية المختلفة وصنع منها أسلوبه الموسيقي الذي يرواح بين الأصالة والتجديد.
والأغنية من تراث جزيرة قرقنة أعاد الزواري الذي ما ينفك يبحث في الموروث التونسي في الجهات توزيعها في فترة كورونا وهي تروي قصة فراق وهجر، وإن كانت محملة بالوجع فإن إيقاعها يغوي بالرقص ولعل ذلك من أسباب إعجاب الكوريغراف عماد عمارة بها للولد عرض "ودوني".
وهذا العرض يجمع بين الشعر والموسيقى والكوريغرافيا ويلتقي فيه المزود والكمنجة في توليفة بين الموروث التونسي والتعبيرات الفنية المعاصرة، تماما، كما عرض "ربوخ" لوائل مرغني الذي نهل من معين الرقص الشعبي ونبش في الذاكرة الجماعية ليرسم مشهدية لافتة.
وفي "ربوخ" يقتبس الكوريغراف التفاصيل من التراث اللامادي، من الرقصات التي تختزن بعضا من تاريخ تونس ومن الموسيقى التي تحتفظ بحكايات مختلفة ويعانق التلوينات الجديدة للحلق بالموروث التونسي بعيدا ويتجاوز به حدود الوطن.
وعن الالتقاء بين الرقص الشعبي والرقص المعاصر يقول وائل مرغني إن الراقصين التونسيين كثيرا ما يتابعون إنتاجات الغرب في الرقص المعاصر، الأمر الذي جعله يتساءل "لماذا لا يكون الرقص الشعبي التونسي مصدر إلهام للرقص المعاصر ؟ ولماذا لا تكون خطوات الرقص التونسي محل اقتباس لدى الغرب في المستقبل؟".
في الإجابة عن هذه الأسئلة تولّد عرض "ربوخ" الذي ينبع من بحث متواصل في الموروث التونسي والذي يحاول أن يقدم تصورا عن شكل حفل "الحنّة" في تونس في استشراف لأسلوب الحياة عام 2030 مع المحافظة على الروح التونسية في تقنيات الرقص ومزجها بلمسة معاصرة، وفق حديث المرغني.