وداعا يسري.. لقد نجحت في الامتحان مبكرا

 في رثاء الزميل الصحفي يسري اللواتي بقلم وسام حمدي –

هذا الصباح مُر في فمي، تتدحرج الذكرى بين زوايا العتمة، وخواطر البوح، وتباريح السفر.. لا الدمع يكفكف ألم رحيل يسري، ولا وجع النفس يخفف لوعة الفقد.

لو كان باستطاعتنا أن نخدع إله الموت ثانتوتس، لما تركنا يسري ولما فرّطنا فيه، لو كان باستطاعتنا يسري أن نتمرّد على "الميتافزيقا" لما جعلنا موتا لم نخض تجربته أو نروي تفاصيله لك أن يأخذك منا وأنت آخر ما تبقى من هواء الأرض المقدسة.

علمت بمرضك فلم يفارقني السؤال: لماذا يختار الموت أفضل من فينا؟ بعد رحيل أحمد ونجيبة ومية ولينا، وجدت الإجابة بفقدك يسري، لقد نجحتم في الامتحان مبكرا، فلا داعي لوجودكم في حياة أنتم أروع منها.

أحدثك الآن يسري وأنا أعلم أن الموت لم يأت بعد، لكن الحياة لم تعد موجودة. للموت جلال أيها الراحل، ولنا من بعدك انتظار في محطات قد تطول وقد تقصر، وقد ترهق وقد تصفو، وقد تُضحك وقد تبكي.. حتى يقدم بلا هيبة أو تردد، يختارنا واحدا اثر آخر "لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون".

رحلت حبيبي يسري فتأكدت أني مازلت أؤمن أن الإنسان لا يموت دفعة واحدة وإنما يموت بطريقة الأجزاء، كلما رحل صديق مات جزء، وكلما مات حلم من أحلامنا مات جزء يأتي الموت الأكبر، ليجد كل الأجزاء ميتة فيأخذها ويرحل…

هذا الصباح مر في فمي، كل ما حولي يوحي بالذبول، حتى الكلمات تتحشرج فأستعيدها من قاع التردد لتبقي على خيط الحياة المدود.

للموت جلال أيها الراحل. كما له مرارة وألم بالغ بالفقد، نحن وحدنا نبكيك، ونذرف الدمع في وداعك، ونشيعك لمثواك الأخير، ونحن لا نكاد نصدق أننا لن نراك أو لن نقرأ لك بعد اليوم.

لا نبكيك يسري لأنك رحلت، بل نبكي أنفسنا لأنك تركتنا وحدنا.. كل آلامنا ودموعنا وقلقنا لأننا لن نراك بعد اليوم، إننا نبكي من أجلنا نحن، لأننا فقدنا زميلا يتّقد شعلة وطموحا، صديقا كبيرا كان يستعد ليكون أكبر، زميل طموح له القدرة على إركاع كل شيء حتى صاحبة الجلالة بذاتها أمام روعة قلمه.

تذكّرت شيئا قرأته يوما ليسري اللواتي " قيس "السعيد": "كيف اقترب أستاذ القانون الدستوري من الرئاسة دون عناء؟"، وجدته رائعا.. مازلت أتلذذ طعم ريشته، لكنه رحل تاركا فينا اللوعة، تاركا أثرا جميلا مازلت أستعيده ما وجدت إلى ذلك سبيلا.

حين قرأت لك أكثر من مرة، كنت أقول إنه مختلف، ريشته ذكية وبصمته ذاهبة إلى عمق الأشياء، كان يحدثني حين يقرأ لي: دامت ريشتك، فكنت أقول له ريشتك ستكون أطول وأجمل وأعمق، وأن الحبل المربوط بعنقي لن يكون مربوطا بعنقك..

إني أنتظر مجددا ما ستكتب…

وداعا يسري وداعا حبيبي وصغيري الصادق والهادىء والدافىء، سأخبرك آخر شيء: كل شيء في الدنيا تعب، إلا الموت فهو نهاية كل تعب…

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.