وجه آخر للثقافة.. أو حينما يتحول المركز الثقافي بسمامة إلى مركز تلقيح

 يسرى الشيخاوي-

هناك على سفح جبل سمامة، لا تعلم متى تصافح الموت في تجلياته المختلفة وألوانه المتدرّجة في السواد، فأنت إمّا دائس على موت في هيئة لغم، أو في مواجهة إرهاب سكن تجاويف الجبال، أوحرائق تمتد على أميال من الذكريات، تهميش يحملك نحو العدم.

هناك، حيث تواسي الوجوه المتعبة والعيون المرهقة نفسها بابتسامات تماهى فيها اليأس بالأمل فصارت خارج سياق الواقع، وُلد المشروع الثقافي الجبلي سمامة لصاحبه عدنان الهلالي على خطّ النار، لامس ألسنتها ولم يحترق بل جعلها دليله في ظلمة المكان الذي يفتقر إلى نور الثقافة.

وصار لسكان السفح، ثقافتهم التي تشبههم، ثقافة تنهل من عمق الرعاة، من بساطتهم وعمقهم الذي لا يفهمه إلا من خبر ثنايا الجبال وحفظ أغانيهم وبثّ شكواه للنعاج والخرفان ذات صباح، ثقافة بوجوه كثيرة لا تلتفت إلا صوب الحياة، ثقافة تحارب تجليات الموت من الإرهاب إلى التهميش وصولا إلى الوباء. 

وفي ظرف استثنائي خبا فيه ألق الثقافة والفنون وركنت فيه المراكز الثقافية إلى السكون، يتحوّل المركز الثقافي الجبلي بسمامة إلى مركز للتلقيح أمّه عشرات المواطنين من "الدواوير" المحاذية له. 

بعيدا عن العروض الموسيقية والمسرحية والسيرك والمعارض الفنية وتظاهرات "سوق سمامة"، يخط القائمون على المركز فصلا آخر في المقاومة والصمود في وجه الآفات والأوبئة.

ولأن أهالي سمامة محبون للحياة متشبثون بالأمل رغم الواقع فإنهم أقبلوا على التلاقيح في المركز الثقافي حيث كان التنظيم واحترام البروتوكول الصحي علامات لافتة، رهان كسبه القائمون على التنظيم ليتواصل اعتماد الفضاء مركزا للتلقيح.

وقبل موعد التلقيح، أمس السبت، أطلق القائمون على المركز حملة للتشجيع على التلقيح والتسجيل في منظومة ايفاكس بل إنهم تنقلوا لإحضار من تعذر عليهم الالتحاق بالمركز.

ورغم الوضعية المالية القاتلة التي يعيشها المركز، لم يدخر أي جهد لإنجاح حملة التلقيح كما عاضده الإطار الطبي وشبه الطبي في القصرين إذ تنقلوا إلى منازل الأشخاص غير القادرين على التنقل لأسباب صحية ومكنوهم من الجرعة الأولى من التلقيح.

ولأن الأفعال النابعة من القلب والمعمدة بالمحبة والصدق تتعتق وتثمر، فإن هذه الحملة أفضت إلى إقبال مفاجئ للمواطنين لتلقي التلقيح في سعي للتصدي إلى الوباء اللعين الذي يتربص بالحياة. 

وفي انتظار تنظيم حملة أخرى لتلقي الجرعة الثاتية من اللقاح، تبقى هذه الخطوة مضيئة مشعة في تاريخ المركز الثقافي الجبلي بسمامة وبرهانا على أن الثقافة في معناها العميق رديفة للحياة.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.