وجهان متناقضان في أربعينية الفنان حسن الدهماني

يسرى الشيخاوي-
 
قد يغلب الموت جسد الفنان  ويأخذه إلى عالم آخر ولكنّه لن يفنيه، فهو باق ما بقي أثره من اغان او رسوم أو كتابات، وأغاني الفنان حسين الدهماني الذي وافته المنية في طريقه إلى الغناء على مسرح كسرى، ستخلّد ذكراه.
 
ولأن الدهماني عشق الموسيقى والغناء وتفانى في اختيار كلمات أغانيه وظل وفيا لذائقة معجبيه الموسيقية، فلا ابلغ من إحياء اربعينيته بحفل موسيقي تتردد فيه أغانيه على عزف الفرقة الوطنية الموسيقى بقيادة المايسترو محمد الأسود.
 
هي بادرة طيبة من وزارة الشؤون الثقافية، ولكن الاربعينية كانت بوجهين متناقضين، أحدهما ظهر فيه حسن الدهماني حيا في النغم والحلم والآخر لاحت في تفاصيله بعض أنانية و مغالاة في مدح وزير الثقافة.
 
الفرقة الوطنية للموسيقى.. عزف على أوتار الذكرى 
 
مرة أخرى تكون الفرقة الوطنية للموسيقى في مستوى الحدث، عازفون متناغمون، ونغمات متناسقة راودها المايسترو محمد الأسود بعصاه فكانت عنوانا للذكرى، ذكرى حسن الدهماني الذي كان حاضرا في ثنايا كل نغم.
 
نوتات الكمان العاشق، احتفت بصور الدهماني في الشاشة خلف الركح، والتشيلو، لم تكن النغمات مغرقة في الحزن ولا مغالية في الفرح، هي نغمات جمعت الحنين والنشوة والشجن، تلك هي اغاني الدهماني عميقة المعنى واللحن.
 
وأنين الناي سرى في مسرح الجهات بمدينة الثقافة، بكى الدهماني وحكى ألم الفراق، لحظات من العزف كانت كفيلة بأن تبث لوعة الفقد في انفس الحاضرين، وابتسامة الدهماني لا تختفي من الشاشة.
 
وآلات القرع ما انفكت تكسر حاجز الشجن وتتماهى مع روح الدهماني النابضة بحب الموسيقى والإيقاعات، وأنغام البيانو حملت في ثناياها صوته مغنيا للحب، والدرامز في أقصى يمين الفرقة يعلن أن الفن الحق خالد، تدرك بدايته لكنك لا تملك ان تتكهن بنهايته.
 
الفن برزخ بين الموت والحياة 
 
صور حسين الدهماني لا تنقطع عن الشاشة، مقاطع من اغان اداها بصوته "ما اضناك" و"انا عاشق يا مولاتي"، وفي مقطع فيديو  أعدته يسرى المجدوب زوجة المؤلف والملحن حبيب محنوش، كانت لحظة تشييع جثمان الفنان حسين الدهماني على إيقاع الآذان بصوته عميقة جدا، لحظة تجعل من الفن برزخا بين الحياة والموت.
 
حسن الدهماني كان حاضرا في كلمات أغانيه وفي الألحان وفي اصوات زملائه، فنانون من أجيال مختلفة رددوا أغانيه، لا أحد يشبهه صوته وحضوره متفردين ولكن روحه خيمت على المكان.
 
جولة بين أغانيه التي احتفت بالحب والوطن "صمت الوتر"، "حتى لو سكت"، "أبتي"، "أم الحسن"، "حبيبي"، "طير بيها"، "من العينين عليك خايف"، "أم وبنون"، "عادي"، "تايهين" و"حكمة الاقدار"..
 
الاغاني اداها عدد من الفنانين على غرار محمد بن سالح، ماهر الهمامي، رؤوف ماهر ومحمد الجبالي وألفة بن رمضان وروضة عبد الله، وعمر البوزيدي، وفيصل رجيبة، وأيمن لصيق وأيمن العلجي، وأحمد الرباعي وكانت توليفة من الأصوات والأحاسيس.
 
إلى البشير اللقاني وحبيب محنوش ما هكذا تورد الإبل
 
وجه الاربعينية الاول كان فنيا وحسيا امتزجت فيه الالحان والأصوات لإحياء  ذكرى الدهماني بالكلمة والنغم، لكن الوجه الثاني كان مناقضا للأوّل طَبَعه تجاهل الشاعرين الغنائيين البشير اللقاني وحبيب محنوش بقية الشعراء الذين ألفوا اغنيات لحسن الدهماني، وإن مروا على أسمائهم في الأربعينية.
 
وحسن الدهماني لم يغن من اشعار اللقاني ومحنوش فقط، بلا تعامل أيضا  مع شعراء وملحّنين آخرين على غرار حاتم القيزاني وسمير شعير ولطفي بوشناق وعبد الرحمان العيادي وسمير العقربي والجليدي العويني ويوسف الرياحي وحسن شلبي.
 
وتنظيميا صولات الشاعرين على المسرح كانت مبالغ فيها إذ كان من الممكن ان يكتفيا بكلمة في تقديم العرض وأخرى في ختامه لكنهما كان يطلان بين الأغنية والآخرة ليقولا انها من كلمات احدهما، كان من الممكن الاستعانة بغرافيك لتقديم الاغاني والفنانين.
 
"ربي يطول في عمرك سيدي الوزير، ربي بفضلك لينا، الفنانين يحبوا يصافحوك سيدي الوزير"، بعض من المفردات التي توجّه بها حبيب محنوش إلى وزير الشؤون الثقافية محمد زين العابدين، ليس من السيء ان نشكر الاشخاص على صنيع جيد، ولكن لما نشكر وزير الثقافة  على واجب ملزم به اخلاقيا تجاه الفن والفنانين، من حق الدهماني ان يكرم، وأطال الله عمر الجميع ولكن أربعينية الدهماني ليست المجال المناسب للدعاء بطول العمر لزيد أو عمر، ثم ماذا يعني قول محنوش "الفنانين يحبوا يصافحوك سيدي الوزير"، سيدي الكريم ألا تعلم ان الفن فوق السلطة، سيدي الكريم مصافحة الوزير ليست طقسا مقدّسا.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.