وإذا نابل سُئلت بأي ذنب أُغرقت…

 أمل الصامت –

 
5 قتلى ومفقود وتضرر أكثر من 2500 مسكن ومحل تجاري ونفوق ماشية وخسائر مادية يطول حصرها، هي حصيلة 5 ساعات فقط من تهاطل كميات من الأمطار على ولاية نابل يوم السبت الفارط تسببت في فيضان عديد الأودية وارتفاع منسوب المياه بالطرقات، لتكون الكارثة.
 
كميات أمطار وصفت بـ"غير مسبوقة" بلغت بين 200 و300 ملم شرّدت عائلات من منازلها ولوّعت أمهات وآباء على فلذات أكبادهم وكبّدت العديدين خسائر مادية ربما تعوضهم الدولة عنها، جعلت السلطة والاحزاب والمجتمع المدني والمواطنين في مختلف الجهات يتعاطفون مع "المنكوبين" في نابل، مقابل تساؤل شرعي يطرح: هل يرتقي ما حصل في نابل إلى معنى الكارثة الطبيعية حقا أم أن هناك تقصيرا بشريا عمّق مجرّد تقلبات جوية قد تطرأ على أي بلد ولا "تفعل" فيه ما "فعلته" بنابل؟
 
التصريحات التي صدرت عن المسؤولين من معتمدين ووالية ووزراء وصولا إلى رئيس الحكومة، في انتظار ما سيدلي به رئيس الجمهورية في لقائه الاعلامي المرتقب اليوم، كلها عزت الأضرار إلى الكميات غير المسبوقة للأمطار المفاجئة التي طرات على الجهة حتى أن مكلفة بالاعلام في إحدى الشركات الوطنية المعنية بالتدخل في الأزمة، سبقت في إجابتها عن سؤال لحقائق أون لاين بالقول "هاذي حاجة تعود للذات الإلهية".
 
والية الجهة سلوى الخياري، اعتبرت بدورها أن كميات الأمطار التي تهاطلت على مختلف معتمديات الجهة تُسجّل لأول مرة في تاريخها حتى أنها تعادل مخزون سدّ كامل، فليتك يا نابل كنت سدّا إذن لأرحت كل البلاد من شبح الجفاف الذي طاردها طيلة السنوات الأربع الأخيرة!
 
رئيس الحكومة صرّح هو الآخر بأن ما شهدته معتمديات ولاية نابل من تهاطل لكميات كبيرة من الأمطار يعد غير مسبوق في تونس ولا يمكن مقارنته بفيضانات سنتي 1986 و1995 بولاية نابل حيث بلغ تساقط الأمطار بها على التوالي 65 ملم و80 ملم في حين بلغت في الأربع والعشرين ساعة الماضية 295 ملم في بني خلاد و200 ملم في نابل المدينة وعدد من المعتمديات المجاورة وهو ما أدى إلى حدوث أضرار كبيرة بالبنية التحتية وبمنازل متساكني الجهة.
 
ولعل في إشارة الشاهد إلى البنية التحتية شهادة بأن البنية التحتية لتونس مدنا وأريافا على حد السواء لا تشوبها شائبة، فطوبى لكم سكان الخضراء بطرقاتكم وجسوركم ووديانكم وقنوات تصريف مياه أمطاركم.
 
وهذا غيض من فيض تصريحات المسؤولين العباقرة في جمهورية تونس 2018، إذ لا يريد ذائق مصيبة الأخذ بعين الاعتبار تصريح وزير الفلاحة سمير الطيب الذي قال فيه "إن ما حصل في نابل له فائدة كبيرة على القطاع الفلاحي، ورغم الإشكاليات المسجلة فإنّ الموارد المائية تدعمت كثيرا والسدود امتلأت دون أضرار.. والخسائر بسيطة رغم حصولها، ويمكن معالجتها".
 
وإن كان الطيب يتحدث عن مجال تدخّله كوزير فلاحة، فهو تغاضى عن مسؤوليته كمسؤول دولة، فلن يتضرر منصبه في شيء إذا راعى في كلامه عن "اللاّأضرار" و"الخسائر البسيطة"مشاعر أم ثكلى وعائلات فُجعت لفقدان أحبائها الذين جرفتهم السيول، سيول غمرت حتى الحب الذي كان يكنه متساكنو نابل لها، في صورة مجازية تناقلتها صفحات التواصل الاجتماعي وعبارة "أحب نابل" تغرق.
 
بالعودة إلى التفسير العلمي لما حصل في نابل يوم السبت، هناك تصريح ملفت للانتباه لمهندس الرصد الجوي هشام الصكوحي الذي نفى فيه سمات الإعصار عن الحدث حتى أنه وصف كميات الأمطار التي تهاطلت على الجهة لحوالي 5 ساعات متتالية بالأمطار الغزيرة التي جدّت نتيجة سحب رعدية شديدة النشاط، وشدّد في المقابل على أن المعهد الوطني للرصد الجوي أطلق بالامكانيات المتاحة تحذيرات يومية ودورية في الأيام الأخيرة بتطور الوضع الجوي في حالات استثنائية.
 
تصريح قد يجعل هو الآخر معهد الرصد الجوي كمؤسسة وطنية في معزل عن مسؤولية الكارثة التي حلت بنابل ومعتمدياتها وإن بدرجات متفاوتة، مثله مثل البنية التحتية مثل السلطات المحلية والجهوية والوطنية، والنتيجة أن لا أحد يتحمل المسؤولية عما حصل في نابل غير "الذات الإلهية".. الذات نفسها التي ستسأل يوما نابل بأي ذنب أُغرقت.. فهل يعقل أن يكون القاضي نفسه الجلاّد؟.. نعم هنا البلد الذي قُلبت فيه كل المفاهيم.. هنا يصبح غير المنطقي منطقيا.. هنا تونس التي لا ذنب لما حصل في "نابلها" غير الذات الإلهية"!

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.