10
بقلم: نبيل الأحمدي
دخل الحبيب الجملي التاريخ من أوسع أبوابه كأول رئيس حكومة مكلف يفشل في الحصول على ثقة البرلمان، ليمنح رئيس الجمهورية قيس سعيد فرصة تاريخية لقلب الطاولة على النخبة السياسية والبدء في تنفيذ مشروعه السياسي .
فشل الجملي في الحصول على ثقة البرلمان، حول الأنظار إلى قصر قرطاج الذي لن يكون له دور محوري وحاسم في تحديد هوية خليفة الشاهد في القصبة فقط، بل وفي تشكيل مشهد سياسي جديد كان محور الحملة الانتخابية لأستاذ القانون الدستوري .
تكليف رئيس الجمهورية بإدارة المشاورات دستوريا، وإن كان سيمنح حركة النهضة المجال لتنفس الصعداء و الخروج من دائرة الضغط والتنصل من مسؤولية الحكم دون أغلبية برلمانية ودفع فاتورة سياسية باهضة للفشل المتوقع للحكومة المقبلة وهو ما أراده الغنوشي ، فإنه يضع "الرئيس المنظر" أمام فرصة لتنفيذ مشروعه السياسي الذي يرتكز أساسا على تعديل وتنقيح القانون الانتخابي دون اللجوء لاستفتاء شعبي.
ولعله القدر أو الصدفة، إن لم تكن قراءة جيدة للأحداث والتنبؤ بالصدمة هو ما دفع رئيس الجمهورية لاستغلال زيارته لولاية القصرين التي سبقت جلسة منح الثقة لحكومة الجملي بثلاثة أيام، ليشعل حماس أنصاره المفقرين والغاضبين من جديد، ويحمل الدستور (صلاحيات رئيس الجمهورية المحدودة) ومكونات المشهد السياسي، مسؤولية العجز والفشل في إيجاد حلول لأزمات البلاد المتفاقمة، والدعوة مجددا لتنقيح القانون الانتخابي.
الآن وبعد أن أصبحت الكرة في ملعبه، بإمكان رئيس الجمهورية قيس سعيد التحكم في مسار تشكيل الحكومة وحتى إطالته زمنيا قدر الإمكان للوصول إلى محطة حل البرلمان.
ولبلوغ هذا الهدف بإمكان رئيس الجمهورية تأزيم المشاورات عبر إختيار رئيس حكومة لا يمكن أن يحضى بإجماع الأحزاب والكتل المتشاورة، للوصول إلى نقطة اللاعودة حيث الأبواب موصدة، ولا تفتح إلا على انتخابات تشريعية مبكرة يمكن أن يدخلها أستاذ القانون الدستوري بقائمات مستقلة أو حزب قد يكون ذلك الذي يعمل رفيقه رضا لينين على تأسيسه، وإحياء الزخم الشعبي المتراجع الذي أوصله لقرطاج، لطرح ولما لا فرض التنقيحات التي يروج لها من تحت قبة البرلمان.
تبدو الفرصة مواتية اذا أمام رئيس الجمهورية لاستغلال فشل النخبة السياسية ونظام الحكم لتنفيذ المشروع الذي أقنع به جزء كبيرا من مريديه وأعلنه كمشروع سياسي بديل، لكن بلوغ هذه النقطة، يبقى رهين تمسك سعيد بمشروعه وجرأة وبرغماتية الرئيس في إستثمار الظرف لصالحه وهو ما سيظهر بالتأكيد في مسار المشاورات وهوية رئيس الحكومة المكلف، وخاصة ردة فعل نواب البرلمان الذين لن يخاطر أغلبهم بإمتيازات 5 سنوات من العمل النيابي لأجل إسقاط حكومة أخرى كما أسقطوا حكومة الجملي مهما حملت التشكيلة الحكومية القادمة من عيوب وشبهات .