باتت مشاركة حركة النهضة في الحكومة القادمة أمراً محسوماً، وإن كانت هذه المشاركة ستكون بطريقة "غير مباشرة"، وذلك من خلال كفاءات وطنية تدعمها الحركة.
وقد أثار هذا الأمر جدلاً كبيراً في أوساط المهتمين والمتابعين للساحة السياسية، وبشكل خاص أولئك الذين اختاروا حركة نداء تونس من أجل "إبعاد" النهضة عن الحكم، علاوة عن ان النداء، في جزء كبير من حملته الانتخابية، اعتمد على مبدأ التصويت النافع "vote utileّ" مما منحه أصواتاً إضافية، إلى جانب أنصاره، كان من الممكن ان تذهب إلى أحزاب أخرى وتغيّر المعادلة.
وتنقسم آراء المتابعين للشأن السياسي بين مؤيد لفكرة تشريك النهضة في الحكم، تحت شعار المصلحة الوطنية والأوضاع المتأزمة التي تحتاج إلى توافق واسع، وبين رافض لهذه الفكرة من منطلق انه صوّت لنداء تونس لإخراج النهضة من الحكم بعد ما يعتبره بفشلها في تسيير البلاد خلال الثلاث سنوات الماضية.
الثورة قامت ضدّ الإقصاء بجميع أنواعه…
وفي هذا السياق، قال عضو المكتب التنفيذي لنداء تونس مهدي عبد الجواد ، في تصريح لحقائق أون لاين اليوم الثلاثاء، ان التساؤل حول تقبل ناخبي النداء لمشاركة النهضة في الحكومة من عدمه خاطئ، وان هناك سؤالين مركزيين ينبغي طرحهما وهما: "هل ستكون الحكومة المقبلة قادرة على تلبية تطلعات المواطنين وتحقيق أهداف الثورة وتجاوز الصعوبات التي تواجهها؟ وهل سنتمكن من بناء دولة ديمقراطية دون أي نوع من الإقصاء أم إننا سنعيد بناء نظام الإقصاء خصوصاً وان الثورة قامت ضدّ كلَ أنواع الإقصاء؟"، حسب تعبيره.
وأضاف عبد الجواد ان النهضة هي ثاني أكبر قوة في البرلمان ولا يمكن تشكيل حكومة مع إقصاء 69 نائباً مبيناً ان نداء تونس يريد، إلى جانب الديمقراطية الانتخابية، إنشاء انتخابية تشاركية لا بد ان تقوم على توافق وطني واسع.
وتابع قائلاً ان الإصلاحات الكبرى تحتاج إلى مناقشات كبرى وإلى توافق وطني مشيراً في الوقت نفسه إلى ان النهضة لن تكون مشاركة في الحكومة بقياداتها ورموزها.
وأكد انه كما تتمّ استشارة مختلف الأحزاب ومكونات المجتمع المدني حول الحكومة فإن استشارة النهضة أمر طبيعي وعادي.
تملّص من التزام انتخابي وأخلاقي…
من جانبه، بيّن المفكر وأستاذ العلوم السياسية حمادي الرديسي ان ما يقال إلى الآن حول مشاركة النهضة في الحكومة ما يزال في إطار التخمينات قائلاً انه إذا صحّ ذلك وتمّ "انتداب" النهضة في الحكومة في التشكيلة الحكومية فهذا الأمر يعدّ عدم التزام بتعهد انتخابي.
واعتبر الرديسي في تصريح لحقائق أون لاين ان مشاركة النهضة في الحكومة هو تملّص من التزام انتخابي وأخلاقي من طرف نداء تونس لافتاً النظر إلى ان هذا الأمر لا علاقة له بما تستوجبه الأوضاع ومصلحة البلاد.
وأكد ضرورة إجراء استفتاء داخل النداء وللرأي العام في هذه المسألة مبيناً ان هذا التملّص يعطي صورة سيئة للأحزاب السياسية ويجعل المواطنين يعتقدون بأن جميع الأحزاب متشابهة ولا تلتزم بوعودها.
وأشار إلى ان النقاشات مازالت دائرة معرباً عن اعتقاده بأن نداء تونس يجب ان لا يقوم بهذه الخطوة.
السياسة البراغماتية تستوجب ذلك…
وفي الإطار نفسه، أوضح المحلل السياسي والمؤرخ عبد اللطيف الحناشي ان حملة نداء تونس كانت مبنية على جزأين، الأول كان فيه الخطاب حاداً ويتبنى إبعاد النهضة عن الحكم، وفي الجزء الثاني تغيرت المسألة وأصبح الخطاب أكثر مرونة.
وأبرز الحناشي لحقائق أون لاين انه في الممارسة السياسية وفي السياسة قد لا تتحقق الوعود التي يعطيها السياسي بنسبة 100 %، مضيفاً انه يعتبر ان مشاركة النهضة في الحكومة لا تعني خيانة النداء لناخبيه أو تراجعه عن وعوده.
وتابع موضحاً ان علاقة النداء بالنهضة ليست جديدة وإنما هي قائمة منذ لقاء باريس، وإن شهدت بعض الهزات، رغم وجود شقين داخل نداء تونس، الأول مع وجود حركة النهضة والثاني يحترز على وجودها أو وجودها "الفاضح" ويرغب في إيجاد كفاءات مدعومة من النهضة.
وأردف حديثه بالقول ان نداء تونس عندما يمارس السياسة لا يمكن أن يقصي طرفاً سياسياً كبيراً مثل حركة النهضة التي تمثل ثاني قوة برلمانية وتستطيع ان تعطّل عمل الحكومة مؤكداً انه من مصلحة النداء ان يشرك القوة البرلمانية الثانية في حكومته.
وأضاف محدثنا ان السياسة البراغماتية تفترض التشبث بالنهضة في المرحلة القادمة.
مع حكومة وحدة وطنية…
أما الناطق الرسمي باسم حركة النهضة زياد العذاري، فرفض التعليق على المسألة مكتفياً بالقول ان نداء تونس حرّ في اتخاذ قرار تشريك النهضة من عدمه وفي علاقته مع ناخبيه.
وفي ما يتعلق بموقف أنصار النهضة من التحالف مع نداء تونس، بيّن العذاري في تصريح لحقائق أون لاين ان حزبه كان قد دعا في حملته الانتخابية إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية بعد الانتخابات تضمّ جميع الأطراف التي ستوصلها أصوات الناخبين وتحترم إرادة الصندوق.
وأكد ان هذا الموقف مبدئي بالنسبة للنهضة مشيراً إلى ان هذه الأخيرة أبدت استعدادها للعمل مع أناس عملت مع النظام السابق إذا أوصلتها صناديق الاقتراع إلى السلطة.