هل تتدخّل السلطات المعنية قبل أن يضحّي صاحب ارسطوفانيس بجسده؟

يسرى الشيخاوي-

"بعين دامعة وأخرى مستبشرة وبفرح يشبه الحزن كثيرا أتجه للتضحية بما أملك من جسد في سبيل الحلم. خيالي لم يعد يكفي لأكمل رحلتي. وإني اضع كل نفس مثقفة وكل من يدعي المدنية والدفاع عن الحريات وكل سياسي متملص أمام مأزق ومساءلة أخلاقية لن تنمحي . وأعلن الدخول في إضراب جوع يوم الإربعاء 7 اكتوبر ولن إتكلم بعدها فاما حياة وإما خلود."، كلمات خطّها خبيب العياري صاحب الفضاء الثقافي أسرطوفانيس بوادي الزرقاء من ولاية باجة، كلمات تختزل وجع المستثمر في قطاع الثقافة في تونس.

وعبر كلماته التي ترشح وجعا ويأسا وحنقا، يدقّ خبيب العياري آخر مسمار في نعش البيروقراطية المقيتة والشعارات الفضفاضة التي يزيّن بها المسؤولون خطاباتهم، ويعلن دخوله في إضراب جوع بعد أن استبدت به لوعة تأمل حلمه وهو يحتضر.

حلمه في مركز ثقافي يقطع مع المركزية الثقافية ويقرّب الثقافة من المحرومين منها يقاوم واقعا طغى عليه القول دون فعل، يشارف على الموت وسط استرجاع صاحب المحل الذي يؤوي أنشطة الفضاء لعقاره.

الموجع في الأمر، أن اكسير الحياة الذي سيبعث الروح في الفضاء من جديد بعد بقائه عاريا بلا جدران وسقف متوفر، ويتمثل في مستوصف تخلّت وزارة الصحّة عن مقرّه منذ عشر سنوات وهو اليوم شاغر توشّحه الفضلات وبقايا الجلسات الخمرية.

رغم توفّر البديل، لا تحرّك السلطات المعنية ساكنا رغم ما يقدمه الفضاء من إنتاجات وعروض وأنشطة تشمل الأطفال والشباب والكهول والشيب وتمتد إلى القرى المجاورة لوادي الزرڨاء حيث لا ينفذ المواطنون هناك إلى الثقافة.

وربّما ذنب الفنان المسرحي خبيب العياري أنه آمن بحق هؤلاء المواطنين في الثقافة وباللامركزية الثقافية وبشعارات الثورة التي تنادي بالمساواة واختار أن يستثمر في الثقافة، خيار كلّفه تضحيات كثيرة لكنّه لم يتراجع وبعث فضاء أرسطوفانيس في مقر تسوّغوه للكراء بعد أن صمت الولاية آذانها عن مدّ يد العون.

ومنذ انطلاقته احتضن الفضاء عديد المواطنين مجانا وعكف على تمويل نشاطاته من خلال انتاجاته دون أن تكون استمراريته رهينة دعم من أية جهة ولكنه اليوم يعجز عن استكمال المسار دون مقرّ.

ومرة أخرى يعاود خبيب العياري التواصل مع الولاية بتاريخ الرابع عشر من شهر أوت الماضي من أجل تمكينهم من النشاط في المستوصف الذي تخلّت عنه وزارة الصحة وظل شاغرا يرتع فيه المعربدون وهو المتاخم للمدرسة الابتدائية وادي الزرڨاء1.

وإن راسل خبيب العياري الجهات المعنية قدّم ملفا متكاملا إلا أنه لم يحظ إلى حد الآنة بإجابة لا بالرفض ولا القبول الامر الذي جعل أمله في أن يتغيّر الوضع يهتز ويلجأ إلى قرار الإعلان عن خوضه إضراب وسكوته حينها عن الكلام المباح.

والملف يتضمّن، وفق حديث خبيب العياري في فيديو بثه على صفحته بالفايسبوك، شهادة في الصبغة الثقافية والأوراق القانونية لبعث الفضاء وبيانا في الطاقة التشغيلية وبيانا للتحسينات المقترحة في مقر المستوصف وكيفية تحويله إلى منارة ثقافية وصورا لنشاط الفضاء وتقريرا أدبيا عن عمله.

وفي الفيديو الذي توجّه به رئيس الدولة ورئيس الحكومة ووزير الشؤون الثقافية ووزيرة أملاك الدولة والشؤون العقارية ووزير الصحة، يستجير من البيروقراطية المقيتة وينقل لهم بعضا من إحساس الضيم والتهميش الذي يعتريه كلّما تواصل مع السلط المحلية أو الجهوية وليخبرهم أنه إلى آخر نفس مؤمن بالمواطنة ودور المثقفين في دفع الحياة الاجتماعية والثقافية.

وبحق العرق الذي سال منه وكل الفنانين الذين يقاسمونه حلم أرسطوفانيس، يعوّل على الجهات إلى توجه إليها بالحديث لترشدهم إلى سبيل تتضح معه معالم مسيرة الفضاء، وفي انتظار تفاعلهم، هب عديد المسرحيين والفاعلين في الشأن الثقافي لمساندة الحلم ومن المنتظر أن تلتئم تظاهرة فنية غدا الأحد امام المستوصف القيدم بوادي الزرڨاء.

وفي الأثناء هل تتدخّل السلطات المعنية قبل أن يضحّي صاحب ارسطوفانيس بجسده وينفذه وعيده؟

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.