“نور الشمس في عيونك”.. عمل فنيّ يتأرجح بين الجماليّ والحسّي

يسرى الشيخاوي- 
 
 "الموسيقى تعطي روحاً للكون، أجنحةً للعقل، طيراناً للمخيلة وحياةً لكل شيء"، كلمات لأفلاطون تستحضرها وأنت تتأمّل تفاصيل فيديو كليب "نور الشمس في عيونك" للفنانة الحالمة أماني الرياحي. 
 
و"نور الشمس في عيونك" هو الإصدار الثاني لأماني الرياحي بعد "كيما الريح" الأغنية التي كانت فاتحة أغنيات ألبومها الأوّل ذو السبعة أغان، أغان تأرجح فيها صوتها بين أنماط موسيقية مختلفة تسافر بك بين تفاصيل السرق الساحر والغرب المبهر.
 
كما الريح تداعب الوجوه وتتسلل إلى الدواخل عبر المسامّ بحنو أحيانا وبحماسة أحيانا أخرى، تدغدغ الأغنية الثانية للفنانة التي تغرّد خارج السرب القلوب عبر بساطة الكلمة وانسيابية اللحن الذي يغويك بملاحقة نوتاته المتحرّرة من كل قيد.
 
واللحن في أغنية "نور الشمس في عيونك يستمدّ انسيابيته من الكلمات التي أوجدتها قريحة الشاعرة زينب الهدّاحي، كلمات نابعة من اللهجة التونسية بسيطة ومغرقة في الشاعرية ومشحونة بالمعاني والدلالات. 
 
"عن الماضي تخلّيت.. كي عشقت وحبيّت.. أنا للدنيا جيت.. نور الشمس في عيونك.. الروح ضايعة من دونك.. ليالي ساهرةعشت.. رعود غاضبة شفت.. اليوم في لغزك ضعت.. في نور الورد تلونت.. ضي لعيوني صرت.. بين كلماتك ضايعة.. على اوراقك سلت.."، كلمات متحرّرة من قيود اللهجة المخلّية تلامس شغاف القيود.
 
وأنت تصغي إلى بداية بوح زينب الهدّاجي يردّده صوت أماني الرياحي الموشّح بالرقّة والنعومة، تخال لوهلة أنّ الأمر يتعلّق بقصّة حبّ كلاسيكية خاصة وأن إصدار الفيديو كليب تزامن مع عيد الحبّ ولكن تفاصيل الإخراج تقوّض ظنّك فأنت أمام رومانسية متمرّدة مارقة عن السائد والمألوف.
 
فالأغنية تطلق العنان لمفردات العشق والحب وتحرّرهما من بوتقة العلاقة بين آدم وحواء ليمتدّا في الإنسانية، وغياب "آدم" في الفيديو كليب لا يخلو من رسائل ومن بعضها أنّ الحب يحاوطنا من كل الاتجهات وأن تنعم به رهين التفاتة صغيرة منك إلى بعض الزوايا المتروكة فيك ومن حولك.
 
والمرء لن يحب من حوله إذ هو لم يحبّ نفسه فهي أولى بعشقه من الآخرين، هي خاطرة قد تقفز إلى ذهنك وأنت تجول بناظريك بين تفاصيل الفيديو كليب وتوزّع نظراتك بالقسطاس بين كتاب وورود وألوان ونسيج تقليدي يعود بك إلى سنوات الطفولة وحكايا الجدات.
 
ومن بدايته إلى نهايته يبدو الفيديو كليب صادقا عفويا خاليا من أي تكلّف، والامر وليد رؤية إخراجية عميقة لأنيس بوخريص أفلح من خلالها في إبراز مكامن الجمال الروحي لفنّانة تشق طريقها بثبات نحو صناعة هوية موسيقية متفرّدة.
 
 ولعلّ العفوية تستمدّ حضورها الصارخ، أيضا، من خلال مكان التصوير وهو إحدى ضيعات مدينة المحمدية التي نشأت فيها أماني الرياحي وصقلت فيها موهبتها الفنّية بعيدا عن المسار الأكاديمي، فهي لم تدرس بمعهد للموسيقى ولكنّها نهلت من مدرسة الحياة الكثير وبحثت كثيرا عن الفن وخصائصها وهاهي اليوم تعبّد طريقها برؤية فنّية تراوح فيها بين الالتزام والتمرّد.
 
و"نور الشمس في عيونك" ليست إلا تعبيرة عن تمثلات كاتبة كلماتها للحياة وعن رؤية الصادحة بهذه الكلمات للكون من حولها، وهو ما يجعلها خالدة في ذاكرتك العاطفية بعد أن تغازل كل حواسك.
 
ففي الفيديو كليب، تداعب الألوان التي تناجيها أماني الرياحي بريشة الرسم عينيك وتغازل النوتات أذنيك، وتتسرّب رائحة الطبيعة الساحرة إلى أنفك فتغزو رئتيك وتتحسّس النسيم الذي يلاعب شعرها على وجنتيك.
 
والعمل الفني الذي يتأرجح بين الحسيّ والجمالي، ليس إلا عالم أماني الرياحي الفنانة التي تجمع بين الغناء والرسم والتصوير الفوتوغرافي، عالم صاغته زينب الهدّاجي بحروف صادقة وصوّره أمين بوخريص بمشاهد عفوية.
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.