مروى الدريدي-
“غريب أمر الموت ما أبخس ثمنه، دينار ونصف الدينار ثمن الحبل وبعض السجائر”، هكذا اختار نضال الغريبي طريقة موته، أن يدخن آخر سجارة له ثم ينهي حياته شنقا.
لكن الغريب ليس أمر الموت بحدّ ذاته بل اختيار “نضال” إنهاء حياته، فما الذي يدفع شابا ذا “الأسبوعين وأربعة أشهر واثنين وثلاثين سنة”، فنانا مثقفا محبّا لعمله وللحياة، أن يضع حدّا لحياته؟
الاجابة نجدها في نصّ الرسالة التي تركها “نضال” قبل موته، لقد أوصى بأن نحب أطفالنا وأن نختار لهم “من الاسماء أعظمها وأرقاها” وأن نكون شديدي الحرص في ذلك، أن نعلمهم أن “الحب ليس بحرام وأن الفن ليس بميوعة.. وأن نستثمر فيهم وأن نعلمهم حب الموسيقى والكتب..”.
لم يكن “نضال” ليوصي بذلك لولا عيشه طفولة مقيدة بأنانية العائلة، التي أرادته أن يكون كما تريد وليس كما تهوى نفسه التائقة للحب والفن والموسيقى والحياة، طفولة مكبلة ربما بمعتقدات متوارثة تزعم أنّ الحب حرام والفن ميوعة. “نضال” لمح الى أنه لم يعش طفولة سعيدة وأنه عانى من سلطة الأبوين اللذين سطّرا حياته كما شاءا وأرادا، سلطة جعلته يعيش بين “نضال وضلالة وغربة”..
هو طفل عندما قرر وضع حدّ لحياته وطفل عندما لفّ الحبل حول رقبته وشنق نفسه، ولم يكن ذاك الشاب ابن الاثنين والثلاثين سنة. فتعمّده أن يوصي بالأطفال خيرا لم يكن اعتباطيا أو عن غير وعي منه. هنا يكمن سبب اتّخاذ ذلك القرار “الأحمق” بالانتحار، فربما خلّفت له طفولته عقدة نفسية لم يتخلص منها حتى بعد اكتمال نضجه واختيار الطريق الذي هوته نفسه، طريق الحب والفن والحياة.
لست متحاملة على عائلته وأنزههم، وقد ألقى أعذارا لأنانية والديه تجاهه، كما لا أدّعي معرفة علم النفس أو الفلسفة، لكن نضالا كان طفلا عندما أنهى حياته، وكان مخطئا ألف مرة عندما اختار هذا الطريق وكان الأجدى به أن يُناضل من أجل حبيبته “هيرا” وفنّه وعشقه للسينما والاخراج..
الرسالة التي تركها نضال الغريبي قبل انتحاره: