“ميعاد” في راس انجلة.. الموسيقى في حضن الطبيعة

يسرى الشيخاوي-
"وأنا استمع إلى الموسيقى، تنفتح حولي حدائق، فتصيرُ النغمةُ زهرةَ أسمعها بعينيّ. للصوت صورة، وللصورة صوت متدرِّج متموِّج … أبعد من مجاز أدبي"، كلمات للشاعر محمود درويش تستحضرها ما إن تلتقط أذنيك الموسيقى التي تخلقها "ميعاد باند" في حضن الطبيعة.
في راس انجلة، يعانق سحر الطبيعة عمق الألحان، وتتهادى أمواج البحر على إيقاع موسيقى مطرّزة بالحب، فسيفساء من الروعة التحم فيها الفن والطبيعة فصار للمكان روح لا تتوقف عن ترديد ترانيم الحياة.
هنا، الخيام مبعثرة عند جذوع أشجار تكاد تعانق السماء، يسكن إليها عشاق الطبيعة والموسيقى ممن ولوا وجوههم شطر الغاب الجميل ليزيّن حضورهم فعاليات اختتام مهرجان راست انجلة للموسيقى البديلة.
يعزف البحر ألحان الحياة وترسم الأشجار بأوراقها المتساقطة على الأرض أحلاما واحلاما، وتتناغم موسيقى الطبيعة مع موسيقى " ميعاد باند" فتتغلغل في تجاويف المكان وتملأها سحرا وتخترق الأجساد المبتلة بماء البحر وتسري بها إلى عالم من النشوة.
هم شباب قادمون من ولاية القصرين، زادهم كثير من الحلم والأمل، الفن دينهم وديدنهم وسلاحهم لمقاومة رتابة الواقع وكسر حاجز المركزية الثقافية وخلق أفق يتطلعون من خلاله إلى رسم درب راسخ في المشهد الموسيقي.
 "ميعاد باند"، ليست مجموعة موسيقية فقط بل هي لقاء أرواح ترنو إلى الحرية وتزرع الحب والفرح حيثما حلت، هي أيضا حلم لا يعترف بالانهزام والانكسار، حلم صامد كجبال القصرين في وجه الإرهاب.
فيما الشمس تطلّ بخجل بين الأغصان المتشابكة، تنبعث نغمات كمان يلامس أوتاره حمزة العجلاني  فتملأ المكان رقّة وعشقا، هو يستوحي جمال المكان من حوله ويحوّله إلى نوتات خلابة تتقاطع مع الماء والضوء.
حتّى الظل والسكون، وسما الألحان في تلك اللحظات الخاطفة التي تصمت فيها الآلات الموسيقية لينساب إثرها النسق أكثر حماسة، نسق يلامس شغاف القلوب ويغري الأجساد بالرقص على ألحان راوحت بين الموسيقى الغربية والموسيقى التونسية.
أسلوب موسيقي يراوح بين التقليدي والعصري وبين المحلي والعالمي، التقت فيه المقامات التونسية عند الفلامينكو والايقاعات الغربية، وجعل من "ميعاد باند" مشروعا موسيقيا مختلفا رغم أنّه يلتقي في الظاهر مع مشاريع أخرى.
أغنيات تونسية بعضها نابع من عمق التراث وأخرى أجنبية يغلب عليها إيقاع الفلامينكو، غنّتها آمنة النجلاوي بصوتها ذو الخامة المتفرّدة، هي لم تكن تغنّي هي كانت تروي بكل تقاسيم وجهها حكايات الأغاني دون أن تنزع عنه مسحة الخجل التي تكسوه.
آمنة النجلاوي، فنانة ترسم بصوتها ملامح الحب والفرح، وتعتق صرخات الحرية من كل القيود وتكسر بآهاتها كل الحواجز، يضادد صوتها حمرة الخجل المرتسمة على وجنتيها ويحلّق نحو البحر حينا ونحو السماء أحيانا.
صوت أنثوي ساحر، شاركه الغناء صوت يحمل في تفاصيله قوة ساكني سفوح الجبال وصبرهم، صوت ببحة تختزن برودة الطقس في القصرين، هو نزيه بن عبد الله الذي راوح بين الغناء والعزف على غيثارته التي تدرّ نغمات بنكهة الحماس والفرح.
نغمات الباص، تزيّن هي الأخرى الفضاء في راس انجلة متى لامس بهاء هرماسي أوتارها، وتؤنسها نوتات الأورغ متى ضرب ريان العلوي بأناميله على مفاتيحه، وترافقها الإيقاعات التي يوجدها عز الدين العلوي فيتحوّل المكان إلى "حلبة" رقص اهتزّت فيها الخصور.
هو ليس العرض الأول الذي تقدّمه "ميعاد باند" التي لم يمض على ميلادها سوى أشهر معدودات، ولكن لهذا العرض المبرمج في فعاليات مهرجان راست انجلة للموسيقى البديلة خصوصية استمدّها من التناغم بين الموسيقى التي انبعثت من حضن الطبيعة.
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.