مهرجان الحمّامات الدولي: طيف زياد الرحباني مرّ من هنا

 يسرى الشيخاوي- 

"انا مش كافر.. بس الجوع كافر.. انا مش كافر.. بس المرض كافر.. انا مش كافر.. بس الفقر كافر.. أنا مش كافر بس الزل كافر.. أنا مش كافر لكن شو بعملك إذا اجتمعوا في كل الاشياء الكافرين"، كلمات للفنان المغرّد خارج السرب زياد الرحباني الذي يبدو انّه لم يأت إلى تونس الخضراء عاشقا.

وزياد الرحباني "مش كافر" لكنّ البرود الذي خيّم على تفاعله مع جمهور مهرجان الحمّامات الدولي كافر، هو " مش كافر" لكنّ إحجامه عن الحديث مع جمهور باستثناء نبسه بكلمات معدودة كافر، هو " مش كافر" لكنّ غياب روحه المشاكسة كافر، هو "مش كافر" لكن اجتمعت فيه أشياء كافرة في مصافحته الأولى مع الجمهور التونسي.

وفي المدارج، كان جمهور الرحباني متعطّشا للقاء الرحباني، والغوص في فلسفته المتمرّدة التي تترجمها موسيقاه ولهجته وأغانيه ونصوصه التي تشبه كثيرا، وهي الساخرة الموغلة في النقد، ولكن اللقاء لم يكن بحلاوة اللقاءات الاولى رغم أنّ الموسيقى كانت حلوة.

وإذا ما قارنت عرض زياد الرحباني في مهرجان الحمامات الدولي بعروضه الأخيرة، لن يسترعي أي جديد انتباهك، فالأجواء على الركح ساكنة إلا من المعزوفات الموسيقية التي تلتقطها الاذن سريعا وتجد طريقها إلى الذاكرة.

ولئن تفاعل الجمهور مع موسيقى مسكرة لا تخلو من جنون وتمرّد، فإن تلك الحماسة والجاهزية الجامحة لاحتضان صوت زياد الرحباني على الركح لم تخبُ طيلة العرض، وترجمتها تعليقاتهم التي تدعوه إلى اداء بعض الأغنيات.

ومن المعلوم أنّ زياد الرحباني موسيقي بالأساس وهو ليس بمغنّ وإنّما يؤدي بعض النصوص الغنائية بطريقة أحبّها جمهوره، وأنّه أيضا لم يعد يؤدّي في السنوات الأخيرة إلا لماما، ولكن أين عفوية الرحباني وروح المشاكسة وكلماته غير المتوقّعة؟

وعلى الركح، تتماهى أنغام البيانو والغيثار والباص والعود والبزق والساكسفون والترومبيت والترومبون مع الإيقاعات ويبرع الموسيقيون الذين يشكلون مزيجا من ثقافات موسيقية مختلفة في خلق ألحان مصبوغة بروح زياد الرحبان، وهذه الألحان على عمق أسلوبها الموسيقي وقدرتها على استدرار تفاعل الجمهور، لم تسكت رغبة محبّي زياد في البحث عن مكامن التفرّد فيه، ولكنّهم لا يدركونها وهو الذي أبى إلا أن يتجاهل هتافاتهم.

وفي المدارج، خرج بعض الحضور عن صمتهم ودعوا الرحباني إلى الغناء وهم المتعطشين إلى أدائه الذي لا يحاكيه فيه أحد، وإن كان قد اعتزل الأداء في حفلاته الأخيرة أليستأهل الجمهور التونسي أن يخاطبه ببعض الكلمات وهو الذي يصافحه للمرة الاولى؟

"بونسوار تونس"، كلمتين اثنتين لا ثالثة لهما لفظهما الرحباني أمام جمهور جاء لملاقاته، جمهور يحب زياد وروحه وفلسفته، ولكن العرض امتلأ بالموسيقى ولم يكتمل بزياد الذي لاوم البيانو على يمين المسرح  وفي كل مرة يؤذن بانطلاق وصلات موسيقية يعرفها الجمهور ويتفاعل معها.

وزهاء الساعة من العزف، ورغم إلحاح البعض على أدائه بعض الأغاني، ينساب صوت الرحباني مرتين اثنتين الاولى حينما قال " أغنية يؤدّيها حازم شاهين" والثانية حينما ردّ على أحد الحضور "جايي جايي" وهو يغادر الركح  لاستراحة دامت 10 دقائق، استراحة علا معها منسوب الأمل في أن يخاطب محبيّه وإن عزف عن أداء نصوصه.

وفي النصف الثاني من السهرة، ظلّ زياد الرحباني وفيا للبداية، وظلت الموسيقى ساحرة فيما لازم باعثها الصمت وهو الشخصية الجدلية التي  يسكن فنها في تلك التعاليق الساخرة، وغنّى حازم شاهين على إيقاع عوده أغان  راسخة في البال ردّدها معه الجمهور على غرار " شوه الايام" و"أنا مش كافر" و"تلفن عياش".

وفيما الجمهور ينشد المزيد، أعلن الرحباني نهاية الحفل وآذن لإمرأة بالعصعود على المسرح لتتلو أسماء العازفين والتقنيين قبل أن يغادر الركح الذي سيصعد عليه مجدّدا اليوم في عرض ثان، على أمل ان يتفاعل مع جمهوره خاصة وهو الذي يجيد العزف على اوتار الكلمات.

وإن كان الحفل ناجحا موسيقيا، إذ راوح فيه الرحباني بين انتاجات جديدة واخرى قديمة إلا أنّ الحفل سرت فيه الرتابة في بعض المواضع وغابت عنه روح الرحباني فكأنّ طيفه فقط مرّ من هنا.

*صورة: زياد الجزيري

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.