من بينهم”متحمّسون” و “تجمعيون”: 4 أصناف للمحامين فترة حكم بن علي

 يسري اللواتي-

لم تكن سيطرة بن علي على دواليب ومؤسسات الحكم في تونس لأكثر من عشرين سنة نتاجا لأسلوب “رخو” وليّن، بل كانت نتيجة طبيعية لعين رقيبة تتابع كل مفاصل المنشآت العمومية وحتى ما له ارتباط بالحياة العامة من إعلام وقضاء وغيره.

لم يتسن لغالبية التونسيين أيام فترة حكم بن علي انطلاقا من نوفمبر  1987 الى جانفي 2011، تاريخ “سقوط النظام”، التعرف على “الوصفة” التي أحكم بها الرئيس السابق قبضته على الدولة، وبقيت تلك الحقبة مجهولة إلى حين انطلقت بعض اللجان في البحث عن الحقائق التي كانت مغيبة بخصوص الفساد الذي كان مستشريا في “العائلة الحاكمة”.

وكانت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة التي بُعثت في 18 فيفري 2011 بموجب المرسوم عدد 7 لسنة 2011، أول “نواة بحثية” استأنفت أعمال الاستقصاء حول الفساد خلال فترة حكم بن علي، وقد خلصت اللجنة التي ترأسها العميد عبد الفتاح عمر الى كشف ملفات فساد تخص عدة مجالات، على غرار العقارات والأراضي الفلاحية وأملاك الهياكل العمومية والصفقات العمومية والاتصالات والقطاع السمعي البصري والقطاع المالي والبنكي والرخص الادارية والديوانة والجباية والادارة والانتدابات والبحث العلمي والتوجيه الجامعي والقضاء والمحاماة.

ومن جملة هذه المجالات قد يمثل القضاء أحد أهم الركائز “الحيوية” والمهمة التي استغلها بن علي لتعزيز نفوذه وسلطته على المؤسسات وحتى الأفراد، لذلك “طوّع” لفائدته ولفائدة “حاشيته” عددا من المحامين، وهيأ أرضية ملائمة لتصنيفهم وفقا لمدى ولائهم للنظام.

وفي تفاصيل تقرير اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الفساد والرشوة الذي ورد في أكثر من 500 صفحة، تعرض القائمون عليه الى مراقبة مؤسسة الرئاسة في ذلك الوقت لقطاع المحاماة، لتعثر اللجنة بالقصر الرئاسي بقرطاج على جملة من الوثائق مفادها أن الرئيس بن علي كوّن لجنة كلفها بدراسة ملفات المحامين المتعاملين مع المؤسسات العمومية والادارة.

وفي العموم كان عمل هذه اللجنة في نطاق السرية، اذ اطلعت لجنة تقصي الحقائق على محضر جلسة لاجتماع عقد بتاريخ 8 جويلية من سنة 2000، تضمن تقديم اقتراح الى بن علي لتكليف الكاتب العام للحكومة آنذاك بالاتصال سرا برؤساء المنشآت العمومية لوضع حد مستقبلا للتعامل مع بعض المحامين المعروفين بمناهضتهم للنظام أو بسلوكهم السيء الواردة أسماؤهم ضمن قائمة تحت مسمى “المحامون السيؤون”.

وخلال أعمال التقصي التي قامت بها لجنة عبد الفتاح عمر عثرت على جملة من الوثائق التي تبين أن سلطة بن علي كانت تقوم بتصنيف المحامين الى أصناف عدة منها “المحامون التجمعيون” و”المحامون المتحمسون” و “المحامون العاديون”و “المحامون السيؤون”، وذلك لاختيار المحامين الذي ينوبون المؤسسات والمنشآت العمومية.

تباعا لهذا التصنيف الذي اعتمد مبدأ الموالات لنظام الرئيس، ورد بالمحضر المذكور سابقا أنه تم اعداد قائمة إسمية للمحامين التجمعيين الذين يحضرون جلسات فرع تونس للمحامين والذين اقترحت اللجنة النظر في وضعياتهم حالة بحالة قصد الاشارة على المنشآت العمومية بالتعامل معهم.

وكمثال على هذا الاعتماد ذكر التقرير أنه تمت احالة وثيقة تحمل في أعلاها “سري مطلق” تتضمن ما مفاده أن أحد المحامين يعيش وضعية مالية حرجة في ظل انشغاله بتسيير أنشطة الجمعية التونسية للمحامين الشبان وأن المحامي المعني لا يحظى على عكس زملائه التجمعيين بملفات الشركات الحكومية.

وكانت المتابعة الأمنية أحد أهم أساليب النظام لتتبع المحامين “السيئين” وفق تصنيف اللجنة السابقة، فقد تحصلت لجنة تقصي الحقائق حول الفساد على بعض التقارير الأمنية بخصوص بعض المحامين ووجدت وثيقة في شكل بطاقة ارشادات صادرة عن وزارة الداخلية حول وضعية الكاتب العام للهيئة الوطنية للمحامين آنذاك.

وفي المجمل أجاب التقرير الذي قدمته اللجنة يوم 11 نوفمبر 2011، عن عديد الاسئلة التي تتعلق بأساليب الاثراء غير المشروع وأبرز المجالات التي انتشرت فيها الرشوة والفساد، من خلال عدد من الوثائق التي تثبت تورط العديد من الوزراء في العهد السابق، والسياسيين، والصحفيين، و بعض الأشخاص الأجانب، الذين استفادوا من علاقاتهم بالمقربين نم الرئيس السابق لتحقيق مكاسب وأرباح بطرق غير شرعية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.