من “الشقف” إلى “حرقة”.. كيف تقلّب الممثل أسامة كشكار بين “الحارق” و”الحرّاق”؟

 يسرى الشيخاوي- 

على الركح اختالت روحه ورقصت على وقع أنفاسه، وانصهر صوته على نسق عناق خطواته والخشبة، من ثنايا المسرح وتجلياته الكثيرة مضى إلى شاشة التلفزيون مشحونا بالحماسة والشاعرية والصخب والامل.

من مسرحية "الشقف"(إخراج سيرين قنون ومجدي أبو مطر) إلى مسلسل " حرقة" (إخراج الأسعد الوسلاتي)، تقلّب الممثّل أسامة كشكار بين أحوال "الحارق" و"الحرّاق" ليعايش ظاهرة "الحرقة من ضفّتيها.

من "الحارق" إلى الحرّاق".. 

من سحر الالتحام مع انفعالات الجمهور في قاعة العرض إلى سحر الأداء أمام الكاميرا، يستنطق أسامة كشكار الممثل الذي لا يرضى بأقل من الانغماس في كل تفاصيل الشخصية، بل إنه يبني مساراتها في خياله، ينبش في ماضيها ويحاكي حاضرها ويستشرف مستقبلها.

في شخصية " عيّاد" أوغل حتى لامس أعماقها وملأ كيانه بها حتى بات قادرا على أدائها بصدق وتلقائية يجعلانك تعتقد أن الهجرة غير النظامية لعبته التي يتقنها جيّدا ويخبر كل أسرارها.

وفي حديثه عن الخوض في ظاهرة الحرقة من المسرح إلى التلفزيون، يشير محدّثنا إلى الاختلاف في طريقة الأداء وفي التحضير للشخصية إذ تتعلق الشخصية التي يؤدّيها في مسرحية "الشقف" بـ"الحارق" والذي يمكن أن يكون ضحية في جانب ما فيما تتعلق الشخصية التي يؤدّيها في مسلسل "حرقة بـ"الحراق" الفاعل في هذه العملية. 

من المفعول به إلى الفاعل، تتغير ملامح الشخصيتين ويظل حرص أسامة كشكار على إتقان الأداء في تزايد، إذ يرى أن لعب دور "الحراق" ينطوي على صعوبة اكبر لما على عاتقه من مسؤولية متاتية من القدرة على تبليغ كل الأسئلة التي يطرحها الممثل نفسه والكاتب والمخرج من خلال شخصية "عيّاد".

والعسر في أداء هذه الشخصية، وفق قوله، يكمن في خصوصيتها لأن الحال الذي هو عليه ليس إلا نتاجا لظروف معينة عايشها وصنعت منه شخصا يعبد طريق الموت لمن غشت الرغبة في بلوغ الجنة الموعودة أبصارهم، وهو ما يجعل مسؤوليته كبيرة لتبليغ تناقضات هذه الشخصية التي قد تجعل المشاهد يتعاطف معه في بعض المواضع. 

 ملامح الشخصية.. 

عن شخصية "عياد، يقول الممثل الذي لفت إليه الأنظار إن مسارها في المجمل ينطوي على الكثير من السوء ولكن بعض مواقفها تتسم بالنبل والرجولة وتكشف عن جانب رؤوف داخله، جانب احتفظ به مما عايشه في مسارات حياته يجعل المشاهد يتمثل نفسه فيه.

شخصية مركّبة تحمل الصفات ونقيضها، تظهر الكثير من السوء ولكنها تضمر الكثير من الطيبة التي غطّتها الظروف التي صادفتها، شخصية جعلت الممثل يعيش صراعات داخلية وهو يلاحق جوانبها النفسية والمعنوية، وفق قوله.

"عيّاد" الذي تختلف طباعه عن طباع "أسامة" ويتنافر معه في جوانب كثيرة ولا يتبنى المواقف التي يتبناها من ذلك امتهان "الحرقة"، يمثل الكثير من الشباب التونسي الذي يعيش بلا هدف وصارت احلامه هباء منثورا.

لكن بقي لـ"عيّاد" هدف وحيد أو نقطة إثارة وحيدة وهي كونه " حرّاق" يتنقل من "شقف" إلى آخر لعله يظفر ببعض التغيير، فلا الحياة باتت تعنيه ولا الموت أيضا فقد خبرها ونجا منها مرات وكل ما بقي له صراعات تنخر داخله و"ترهق" الممثل.

 مراحل خلق الشخصية.. 

أما عن التحضير لهذه الشخصية، لا يخفي محدّثنا انه محظوظ لمشاركته في العمل المسرحي "الشقف" والذي يحكي عن ظاهرة الهجرة غير النظامية إذ مر بمسار عنوانه البحث بشأن موضوع الحرقة وكل ما يتعلق به.

وقبل الانطلاق في التصوير، خاض أكثر من قراءة للسيناريو، الأولى شاملة تمسح كل الشخصيات، تليها قراءات تحددت فيها دائرة الشخصيات حتى أفضت إلى قراءة تطال الشخصية فحسب ومنها شرع في خلقها.

بعد حديث مع المخرج ومع كاتب النص وبسط تصورهما للشخصية، عكف على دراسة مواقف الشخصية وبناء تاريخها من خلال أسئلة كثيرة حاول ان يوجد لها أجوبة كأن يعرف مكان وجود الشخصية قبل ظهورها في الجوء الأخير من الحلقة الثالثة، وفق حديثه.

كيف تضحك الشخصية وكيف تبتسم وكيف تبكي وكيف تحزن؟ ماهو مفهومها للحب وللصداقة وللحياة والموت؟ أسئلة كثيرة طرحها الممثل أسامة كشكار على نفسه قبل التصوير، أسئلة تمكّنه من تفكيك رموز الشخصية وتجعله يتنقل بين المشاهد والانفعلات بسلاسة وصدق وتلقائية، على حدّ تعبيره.

ردود الأفعال العفوية والمفعمة بالصدق، حسب رأيه، هي ايضا نتاج للأسلوب الإخراجي والكتابة المحبوكة إذ يعتبر ان الثنائي المخرج الاسعد الوسلاتي والسيناريست عماد الدين الحكيم ساعداه ليؤدّي الدور بأريحية وصدق.

"عيّاد" أمام الكاميرا.. 

في حديثه عن البوح بتفاصيل شخصية "عيّاد" امام الكاميرا، يقول إن الأمر ليس بالهين ولعله محظوظ لأنه اكتسب خبرة أمام الكاميرا من خلال دوره في مسلسل "شورّب" ولكنه أهون من تجربة المسرح التي تتسم بعلاقة مباشرة مع الجمهور.

والفقر بين الأداء على الخشبة وامام الكاميرا أن الأول قد يستغرق أشهرا للإعداد لشخصية واحدة وسط تمارين قد تصل إلى الست ساعات من اجل عرض مسرحي يمتد على ساعة ونصف من الزمن، في حين أن الوقوف أمام الكاميرا يتطلب جاهزية حينية فالتمثيل هو فن الإعادة، فن بموجبه يفي الممثل لتفاصيل شخصيته وإن تغير المشهد أو زاوية التصوير، وفق قوله.

سحر في مهنة التمثيل الأروع بالنسبة له، سحر يعبر بموجبه الممثل إلى عالم آخر يعيش من خلاله الشخصية بكل تفاصيلها وكأنها بعض منه، يعيش كما هي بحلوها ومرها وجيّدها وسيّئها، سحر جعله يعيش في عالم "عياد" بكل خفاياه وتناقضاته.

عن غياب النص وسطوة الأداء غير اللفظي في بعض المواضع، يشير محدّثنا إلى أنه لا مكان للاعتباط في "حرقة" فالمخرج يدرس كل رسائله فالمساحات الخالية من الكلمات مليئة بالنظرات والخطوات والأنفاس التي تحمل الكثير من الرسائل والمعاني.

والأهم في علاقة بالأداء، في نظره، هو الصدق في الأداء والصدق في التفاعل مع الشركاء في العمل من ممثلين وتقنيين بذلوا كل ما في وسعهم لإنجاح العمل، مجهود زاد في انسياب الشخصية أمام الكاميرا.

أكثر من رسالة.. 

أما بخصوص أكثر مشهد أرهقه واستنزفه، فيشير إلى المشهد الذي جمع بين "عياد" و"فارس" الذي أتقن الممثل مالك بن يعد أداءه، إذ يحاول اقناعه بأن يتصل بأمه في الوقت الذي يعيش فيه وحيدا بلا سند أو قريب يعاتبه حتى، قائلا " أوجعني الحوار لما فيه من رسالة فحواها أن يعي الآخر بقيمة الأشياء من حوله قبل أن  يفقدها.

و"حرقة" ينطوي على رسائل كثيرة ويخاطب الإنسانية والإنسان ويطرح الأسئلة ويفتح النقاشات بخصوص ظاهرة الحرقة وكل ما يتفرّع عنها، وفق حديث الممثل أسامة كشكار الذي يؤكّد أنه رغم تعريته للكثير من الواقع وإثارته للبكاء إلا انه حمال رسالة أمل، أمل كل الذين يحبون تونس.

هو، أيضا، قضية هو وحُرقة الأمهات على أبنائهم "الحارقين" وحُرقة "الحارقين" على أهلهم حينما يشتد الواقع من حولهم وحُرقة النس التي أكلها "السيستام" ودخلت متاهات لا تسمح بالعودة على الأعقاب، وحُرقة الشعب الذي خيب المسؤولون آماله.

"حرقة"، حسب الممثل أسامة كشكار، حُرقة المواطنين لانتخابهم أشخاصا لا يبالون بمشاكلهم، حُرقة الشباب التي يجسّدها "عيّاد"، حُرقة لم تكن لتصل المتفرج لولا كتابة السيناريو الرائعة لعماد الدين الحكيم الذي يعتبره من أفضل كتاب السيناريو ولولا حلم المخرج الأسعد الوسلاتي وإيمانه بهذا المشروع، وهو محظوظ لمشاركته هذا العمل الذي يجمع ثنائيا عملاقا على مستوى الإخراج والسيناريو، وفق قوله.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.