12
محمد العروسي بن صالح-
اقرت الهيئة العليا للانتخابات والهيئة العليا للاعلام السمعي البصري بحق المرشحين الى الانتخابات الرئاسية والتشريعية في استعمال المواقع الاجتماعية وعلى رأسها " فايسبوك " في حملاتهم الانتخابية ووضعت أماههم شروطا لذلك الاستعمال لا نظن ان المترشحين سيحترمونها كما لا نرى الهيئتين قادرتين على المراقبة والمتابعة مثلهما مثل بقية هياكل الرقابة.
أكثر ما همّنا في الامر أن هذين الهيئتين وجهتا بهذا الصنيع صفعة قوية للإعلام الوطني ،العمومي منه والخاص الرسمي منه والتجاري وساهمتا في دفع اكبر عدد ممكن من المتابعين للشأن الوطني الى البحث عن مجرياته على موقع "الفايسبوك" بدلا عن وسائل الاعلام الوطنية.
مسمار غليظ
ان مثل هذا الصنيع يزيد في النزعة الى اعتماد الموقع المذكور كمصدر للخبر، نشرا ومتابعة ،ويزيد الثقة فيه بحكم أن جهات رسمية مثل الهيئتين المذكورتين لم ولا ترى مانعا في اللجوء اليه.
وأخطر ما في الاتجاه الى الموقع المذكور لاستعماله محملا للتبليغ من طرف مؤسسات رسمية انه ممارسة كلما أوتيت تدقّ مسمارا غليظا في نعش الاعلام الوطني العمومي منه والخاص السمعي البصري منه والمكتوب والذي يتفق الجميع انه يعاني ازمة حادة هي بصدد الاتيان عليه جهازا بعد آخر.
وخطر هذه الممارسة انها لا تقل ايلاما عن تلك الممارسات التي اتاها ويواصل إتيانها الكثير من السياسيين الذين يعادون الاعلام الوطني ولا يعترفون له بدور مادام لا ينصاع الى رغباتهم في التستر على نقائصهم والتغاضي عن تجاوزاتهم وما دام لا يخدم أجنداتهم ولا ينفخ في صورتهم.
كذلك فان هؤلاء يفضلون الدفع باليورو والدولار من وراء الحدود حتى يفلتوا من واجب الاداء في تونس. قد يكون الاشهار عبر" الفايسبوك" مباشرا او مقنعا اقل كلفة من الاشهار على اعمدة الصحف وعلى ترددات الاذاعات والتلفزات المحلية ولكن لا يختلف اثنان ان يورو واحدا او دولارا واحدا يدفع خارج البلاد انما هو مبلغ يقضم من مقدرات هذه البلاد ليذهب في جيوب غير ابنائها وعنوان امتناع عن كشف مصدر الاموال المستعملة في الدفع وتهرب صريح من دفع اي أداء.
وكم استفزنا أن بعض الرسميين استغربوا من كون بعض ما ينشره الموقع مدفوع الاجر وتساءلوا – كالأزواج المخدوعين – عمن يفعل ذلك.
أضرار جسيمة
مثل هذه الممارسة ممنوعة بكل الاشكال على المسؤولين الرسميين الذين نأبى عليهم وهم المباشرون والماسكون بمقاليد الحكم ان " يسقطوا " في الممارسة التي وصفنا أعلاه.
إننا لا نغبط أحدا منهم على ما قد يجني من استعمال "الفايسبوك" من مكاسب ولكن من حقنا بل ومن واجبنا ان ننبه كبار المسؤولين وخاصة المرشحين الى رئاسة الدولة الى الاضرار التي أضافتها ممارستهم المتمثلة في مخاطبة التونسيين عبر"الفايسبوك" حتما لمتاعب مؤسسات الاعلام التونسية وللصحافيين التونسيين والى ما هو حاصل بعد علمهم و انها اضرار مضمنة في دراسات وتقارير ولوائح واصلة الى بعضهم يدا بيد.
من هذه الاضرار تراجع اقتناءات الدولة للصحف والمجلات من سنة الى اخرى وتواضع الاعتمادات المخصصة للإشهار العمومي وارتفاع تكاليف البث الاذاعي والتلفزي وفوضى الاعلانات الخاصة وهشاشة التشغيل في القطاع وتدني الاجور وضعف البنية الاقتصادية لأغلب المؤسسات الاعلامية.
يضاف بالضرورة الى كل ما سبق تراجع نسب القراءة والاستماع والمشاهدة لأسباب عدة في مقدمتها الاقبال المنقطع النظير على "الفايسبوك" كتابة وقراءة وإعلاما وإطلاعا وتعليقا وسبا وشتما وشكرا وثناء وحبا ومشاركة والحال ان اغلب المواد التي يروجها الفابسبوك واليوتيب وغيرهما هي من انتاج الصحافيين ومؤسساتهم الاعلامية التقليدية ،و ان "الفايسبوك " يأخذ بدون مقابل" ولا " يقدم خدمة " الا بمقابل.
مسترجعات مالية
وإذا كنا في المطلق نشجب هذا الصنيع من فاعليه ممن هم يعادون الاعلام الوطني ولا يعترفون له بدور أو ممن هم يتمنون الارتقاء والبروز فيدفعون باليورو وبالدولار، فإننا نعترض عليه بكل قوانا عندما يأتيه الرسميون عندنا والمترشحون الى إدارة شؤون الدولة.
لقد حان الوقت في نظرنا للعمل المشترك – رسميين ومهنيين ونقابيين – من اجل الوصول الى طريقة أو آلية تمكّن من الحيلولة دون استعمال المحامل الاعلامية الاجنبية في مخاطبة التونسيين او خلال الحملات الانتخابية وخاصة محمل "الفايسبوك" وما شابهه. والمطلوب من هذه الالية أن تمكن دوائر الاداءات والجباية من ملاحقة أي شخص تونسي يثبت نشره – بمقابل – اشهارا او دعاية او تحريضا على "الفايسبوك" وما شابهه. ولربّما تمكنا في وقت لاحق ومثلما فعلت فرنسا من مفاوضة ادارة "فايسبوك" من أجل الحصول منها على مسترجعات مالية لفائدة وسائل الاعلام التونسية – ولتونس بشكل عام – لقاء ما ينشره التونسيون من مواد اخبارية وصور ووثائق على الموقع المذكور.