بقلم عبد الحميد الجلاصي-
-1-لقد تعودنا في السنوات ادارة سلسلة من الازمات حتى انه ليمكننا الحديث عن خبرة تونسية في ادارة الازمات .
يتضح لنا اليوم ان كل ما راكمناه كان مهما و لكنه كان لعب أطفال، كانت كل ـزماتنا السابقة سطحية ،وكان الفاعلون فيها معلومين و مكشوفي الاوجه .
هذه المرة الازمة ليست تونسية ،و ليست في المنطقة فقط ،و لا تقتصر على بعد من ابعاد الكينونة الانسانية، حرب اشباح وجودية تطال الكينونة البشرية تتجاوز الحدود والأعراق و الأديان و الطبقات، لا احد يدري لحد الان كيف بدأت ،و لا احد يدري متى و كيف تنتهي .
الأكيد اننا سنكون امام عالم جديد و تضاريس جديدة يوم تنتهي الحرب .يمكن للمؤمنين ان يساجلوا خصومهم ان القيامة ممكنة وهذا مجرد تمرين بسيط .
الحرب الجديدة تتطلب طريقة مختلفة تماما في رد الفعل والتعامل و الادارة .
يجب ان نجمع كل قوتنا الروحية و العقلية و كل إراداتنا .يجب ان تضع خصوماتنا الصغيرة أوزارها .لنجرب ان نعيش قليلا من دونها لنركز مع كورونا .لعلنا نجد بعد انجلاء غبار المعركة اننا قد تعلمنا شيئا جديدا .حينها يمكننا ان نقول اننا قد خسرنا الكثير و لكننا كسبنا ثقافة جديدة .وقد نجد في ذلك بعض العزاء .
ويجب ان نواجه الازمة بمحبتنا وتضامننا ،فالتبسم صدقة ،واحترام الكبار و العناية بهم عبادة دينية و اخلاق مدنية راقية .
-2-تعبئة كل موارد قوتنا الروحية :
نحن الان في العمق امام حقيقة الموت، الانتدابات تتم عادة بطريقة فردية، هذه المرة بسط الموت شبكته ليصطاد اعتباطا، لا احد يدري اين ستسقط الشبكة،ومن ستصطاد .الشبكة جبارة وعادلة، لا يرهبها احد، فجبابرة العالم يرتعدون في حين ينام رعاة افريقيا ملء جفونهم ،فقد تعودوا الموت .
امام حقيقة الموت لا خيار سوى استحضار مخزون الإيمان، لا شيء يجيب غير ذلك .
تروي جيزال حليمي انها لجأت الى سارتر لعلها تجد عنده سلوى في فجيعتها بفقدان والدها فلم يسعفها بشيء .لا شيئ يسعف امام سؤال الموت ( le lait de l’oranger).
بلى !هو الإيمان … هنا يكون الموت مجرد محطة ومعبر،وانتقال من صورة للكينونة الى حالة اخرى .لا يجب ان نجزع من الموت لاننا ببساطة لم نبذل اي جهد للقدوم الى هذا العالم فتكون الحياة هبة ،مقابلها ان نمر بها طيبين ونترك اكثرا .والجزع لن يغير شيئا .
اننا في رحلة الحياة بين التوكل و التسليم وفِي مثل حالاتنا بين تجنب الهلع و تجنب الاستهانة .بهذا يمكن ان نصل الى حالة الرضا .و الانتظار المطمئن و الصبر الجميل يمكن ان يكون جزءا من الحل .
غير ان الموت ليس شأن الذات .في أحايين كثيرة لا نخشى على أنفسنا .نخشى على من نحب .نخشى الفقد اكثر من خشيتنا الرحيل .
الموت في أحايين كثيرة لوعة الأحياء .
في مخزوننا هذا يجب ان نجد قوة نواجه بها الشبح .
ولكن يجب ان نواجه الازمة ايضا بتسامحنا .
رأيت سجالا في علاقة بالدولة و في علاقة بمرتادي المساجد وغيرهم .
لننتبه اننا بالثورة و الديموقراطية غادرنا مربع الدولة التي تضيق بمواطنيها بسبب معتقداتهم او مظاهرهم او افكارهم .الدولة المدنية وصفة رائعة للدولة الحاضنة ،دولة المساواة على قاعدة المواطنة .
يجب ان نخرج من ارث الصراع الطويل مع الدولة /السلطة .ليس في تونس اليوم مواطنون من درجة ثانية ،الا ربما الذين تركناهم على هامش الحد الأدنى الإنساني .
لا يجب ان نصطنع جدران فرز وهمية في فهم بعض الإجراءات .وان كان لمرتادي المساجد من خصوم فليسوا بالتاكيد جماهير الملاعب و المقاهي و لا حتى الحانات ،وأغلبهم الغالبة من المؤمنين ،وليسوا ايضا اللادينين .ان كان من عدو للجميع فهم غير الديموقراطيين .
يجب ان نتحرر من الاحساس بالاستهداف و الاضطهاد .
-3-تواجه الحكومة الاوضاع بقدر كبير من الشجاعة و التضامن .اتحرج من ذكر الاسماء و لكنني اتضامن من الصديقين السيد رئيس الحكومة و السيد وزير الصحة نموذجين لقيادة شبابية نشطة .و اشكر كامل الفريق .
و لكني اخشى ان نغرق في ادارة اليومي و هو بالتاكيد شديد الضغط .
وربما انصح بادارة غير تقليدية للإجابة عن معضلات قد تواجهنا قريبا .
فلا احد يقطع متى تنتهي الازمة .
في الفريق الحكومي شخصيات كبيرة ،أتحرج من ذكر اسماء ،يمكن ان تفوض ادارة وزاراتها ،وهي ليست حاليا في الواجهة ،لتشكيل خلية تجيب عن اسئلة من نوع :
-ماذا نفعل ان طالت المدة لآلاف العائلات التي تعيش من مواطن الاكتظاظ ؟
-ماذا نفعل لتزويد المواطنين بما يحتاجونه ؟
كلما طالت مدة الوباء كلما تتطلب الامر اجابات ملحة ومن خارج الصندوق .
وهكذا يمكن ان يشتغل الفريق الحكومي بتقسيم مختلف :التسيير العادي ،وفريق الواجهة (رئيس الحكومة و الصحة و النقل و الداخلية و الدفاع والتجارة و التكنولوجيا و السلطة المحلية ) وفريق الحلول اللانمطية .
-4-وبجانب كل هذا يجب ان تعكف العقول التونسية على التوقع و رسم السيناريوهات .
-كيف ستكون حالة العالم بعد انجلاء غبار المعركة ؟
-كيف سيكون وضع بلادنا ؟
-كيف نتفاعل كي لا نخسر الوقت ؟
في هذه المرحلة يصعب الحديث عن التوقع ،لكن يمكننا الحديث عن الخطوة التي قبلها ،اي الرصد .وستتضح الامور مع الايام .و الحكيم هو الذي يكون جاهزا للتفاعل السريع ،وما من حالة الا تتضمن فرصها اضافة الى ضغوطها و اكراهاتها .
لدينا من بيوت الخبرة الكثير .
و اننا ندعو هنا ان يستضيف المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية التابع لرئاسة الجمهورية كل بيوت الخبرة التونسية و كل العقول المبدعة للتفكير و اعداد البلاد لما بعد كورونا.
الخطوة الاولى هي الرصد و الخطوة الثانية التي تبنى بالتراكم هي اعداد السيناريوهات و الترجيح بينها .
قد نجد أنفسنا ندخل بالرغم عنا في بناء منوال تنموي جديد تأخرنا كثيرا في بلورته .
كل الموارد الروحية وكل عقول وكل الإرادات والموارد في خدمة تونس خلال هذه الهدنة من المعارك الصغيرة .