مصر: مسلسل “لام شمسيّة”.. دراما عن التحرش بالأطفال تترك المشاهدين في صدمة

“أرجوك لا تمت، أنا أحبك!”، رسالة أرسلها الطفل يوسف بالإنجليزيّة عبر واتساب إلى “عمو وسام”، صديق والده المقرب، المتهم بالتحرّش به.
تصاعدت أحداث المسلسل المصريّ “لام شمسية” بسرعة، وبات حديث مواقع التواصل الاجتماعي  فالموضوع مخيف للأهالي: التحرش بالأطفال.
تبدأ ملامح القلق بالتسلل إلى أجواء منزل هادئ تعيش فيه نيللي (أمينة خليل) وزوجها طارق (أحمد صلاح السعدني)، تزامنا مع تحضيرات عيد ميلاد يوسف، ابن طارق من زواج سابق.
طفل في عامه التاسع، تفضحه تصرفاته الغريبة أمام زوجة أبيه: يربط معطفه حول خصره رافضاً ارتداءه كزملائه؛ يتجنب الاحتفال بعيد ميلاده؛ وتنذر نوبات غضبه وسلوكه العنيف بما هو أخطر.
وسط هذه الأجواء، ينتهي عيد الميلاد بعراك بين يوسف وأحد الأطفال، ليظهر صديق العائلة المقرب وسام (محمد شاهين) لاحقاً محاولاً الاطمئنان عليه، إلا أن نظرات نيللي من خلف زجاج غرفة يوسف تغيّر كل شيء.
عندما تفتح الباب عليهما، تجد مشهداً مريباً: وسام يحتضن الطفل بشكل غير مريح، بحسب وصفها.
تصرخ، يشتد التوتر، وينتهي المشهد بضرب الأب طارق لصديقه، الذي يُنقل وهو في حالة حرجة إلى المستشفى، بينما ينتهي طارق في قسم الشرطة.
بعد عرض الحلقة الثالثة من المسلسل، حيث تصاعد الأحداث بسرعة، برزت موجة من التفاعل مع المسلسل على وسائل التواصل الاجتماعي، مع تفصيل للمشاهد والأحداث وتحليل للكثير منها.
كتبت آلاء رأفت، وهي كاتبة مصرية، على منصة فيسبوك عن المشهد الذي أظهر لحظة انتفاض الطفل يوسف المفاجئ بين ذراعي وسام، ما فتح باب التساؤلات حول حقيقة ما يجري خلف الأبواب المغلقة.
وقالت إن تصرف يوسف كان مؤشراً على تعرضه لشيء يفوق قدرته على الاستيعاب، مشيرة إلى أن الأطفال لا يستطيعون إدراك التناقض بين شخص يمنحهم الأمان وبين كونه مصدر أذى.
وربطت آلاء بين هذه الحالة وأعمال تناولت صدمات مشابهة، مثل الدراما الأمريكية The Perks of Being a Wallflower لعام 2012، وأشارت إلى ما ورد في كتاب “الجسد يتذكّر The Body Remembers” حول أن “الذاكرة قد تنكر، لكن الجسد لا ينسى”، في إشارة إلى الآثار التي تظل محفورة في سلوك الضحية رغم محاولات الإنكار.
“وسام” المدرس المثالي و”يوسف” الضحية الصامتة
لكن وسام لم يكن مجرد صديق للعائلة، بل هو “المعلم المثالي” الذي كان يقدم ليوسف دروساً خصوصية في اللغة العربية.
مشهد آخر في المسلسل يكشف عن حديث بين نيللي وصديقاتها، حيث تُثني الأمهات على التحسن الملحوظ في مستوى يوسف اللغوي، وتشيد نيللي بوسام وتعرّفه على باقي الأمهات، اللاتي يطلبن منه أن يعطي أولادهن دروساً خصوصية أيضاً.
هنا تظهر براعة النص في تسليط الضوء على زاوية أكثر خطورة: كيف يمكن لمتحرش أن يجد لنفسه مداخل موثوقة للوصول إلى الأطفال والانفراد بهم تحت غطاء اجتماعي آمن كـ”دروس خصوصية”، لتكون هذه النقطة بمثابة جرس إنذار آخر ضمن حبكة المسلسل.
عبّرت إحدى المعلقات على منصة “إكس” عن هذه الفكرة قائلة إن المسلسل قدم المتحرش بعيداً عن الصورة النمطية المعتادة، فهو ليس مدمناً ولا شخصاً مهمشاً أو معزولاً عن المجتمع، بل هو أستاذ جامعي، متزوج، وأب، وقريب من العائلة، ويُعامل كأنه فرد منها؛ الخطر قد يكون أكثر قرباً مما نظن.
وفي السياق ذاته، كتبت فرح عوض، وتعمل في المجال الإنساني، تعليقاً قالت فيه إنها عملت مع عدد من الأطفال مروا بظروف تشبه إلى حد كبير ما يعرضه “لام شمسية”.
وأوضحت أن “نصف الحالات تقريباً التي قابلتها كانت تعكس نفس النمط: متحرش من داخل الدائرة القريبة للطفل، سواء كان الأب، أو أحد الأقارب، أو صديقاً للعائلة، في ظل غياب الوعي أو تجاهل الأهل”.
ورغم تطور الأحداث، يرفض يوسف الإدلاء بأي كلمة عمّا جرى، مكتفياً بصمته وعيونه الممتلئة بالخوف، في أداء تمثيلي لافت للطفل علي البيلي الذي جسّد دوره بشكل جيد.
لكن ما هزّ الجمهور كثيرا كانت رسالة يوسف التي بعثها إلى وسام، يستجديه فيها ألا يموت، بعد أن ضربه أبوه، ويخبره بأنه يحبه، في مشهد يترك تساؤلات مؤلمة عمّا يدور في رأس يوسف، وعن الصراع النفسي الذي قد يعيشه الأطفال الذين يتعرضون للتحرش من أقرب الناس إليهم.
طرحت سارة الفيومي عبر فيسبوك تساؤلاً يعكس قلق عدد من المتابعين، إذ كتبت: “اللي بفكر فيه دلوقتي إن فيه طفل في المشهد… قالوله إيه طيب؟! هل فهموه المشهد عن إيه؟!”، في إشارة إلى المشهد الذي يظهر فيه المتحرش وهو يحاول استدراج الطفل. وأعربت عن تأثرها قائلة: “أنا فعلاً منهارة ومبقدرش أتحمل أي حاجة فيها إساءة للأطفال”.
التساؤلات التي أثيرت من قِبل الجمهور بشأن كيفية حماية الطفل الذي يؤدي دور يوسف دفعت مخرج العمل كريم الشناوي إلى التوضيح عبر منشور رسمي على حساباته بمواقع التواصل الاجتماعي.
نشر الشناوي مقطع فيديو من كواليس تصوير المسلسل، يوثّق زيارة مستشارة متخصصة في حماية الطفل إلى موقع التصوير؛ حيث عقدت جلسات مع فريق العمل وقدمت إرشادات واضحة حول كيفية إدارة المشاهد الحساسة التي يشارك فيها الطفل، مع ضمان عدم تعريضه لأي ضغط نفسي أو ضرر محتمل.
وفي تعليقه على الفيديو، شدد الشناوي على أن المسلسل التزم منذ اليوم الأول بمعايير صارمة فيما يخص التعامل مع الأطفال داخل موقع التصوير، قائلاً: “كنا حريصين على توفير بيئة آمنة ومهنية للطفل بطل العمل، من خلال الاستعانة بخبراء حماية الطفل منذ مرحلة التحضير للمسلسل وحتى أثناء التصوير”.
وأضاف: “الطفل لم يتعرض لأي مشاهد أو نصوص صادمة بشكل مباشر، وتم التعامل مع المواقف الحساسة بطريقة تحترم حالته النفسية وتضع سلامته فوق كل اعتبار”، مشيراً إلى أن تصوير بعض المشاهد تم بتقنيات إخراجية تُظهر ما يحتاجه العمل درامياً دون أن يشهد الطفل الوقائع الكاملة كما تظهر للمشاهد على الشاشة.
وأكد الشناوي أن “المسلسل لم يكن فقط مسؤولية فنية، بل كان هناك وعي كامل بأن العمل يتناول قضية حساسة تتطلب عناية مضاعفة في طريقة تصويرها ومعالجة أبعادها النفسية، خاصة فيما يتعلق بحماية الطفل الذي يؤدي الدور”.
(بي بي سي)

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.