مسرحية “حكايات الجبل ” في افتتاح سوڨ سمامة: صرخة أطفال في وجه الإرهاب

يسرى الشيخاوي-

"هنا .. على صدوركم، باقون كالجدار.. وفي حلوقكم.. كقطعة الزجاج، كالصبار، وفي عيونكم زوبعة من نار، هنا .. على صدوركم،  باقون كالجدار..نجوع .. نعرى .. نتحدى وننشد الأشعار"، كلمات لشاعر المقاومة توفيق زيادة من قصيدة "هنا باقون" تستحضرها وأنت تتابع عرضا مسرحيا لتلاميذ مدرسة الطرش المحاذية لجبل سمامة.

عرض مسرحي بعنوان "حكايات الجبل"، فيه حديث عن الإرهاب، عن أياديه التي تمتدّ لتسدّ منافذ النور، عن أنفاسه الكريهة وعن سيول الدماء التي ترافقه، وأيضا عن مقاومته والتصدّي له والتشبّث بالأرض والجبل ومدّ الجذور الحيّة فيهما.

"حكايات الجبل" عرض مسرحي لتلاميذ شاءت الدولة منذ قيامها ان يكونوا أبناء هامش يعانون الفقر والتهميش وزدهم شبح الإرهاب الذي يطلّ دون إيذان، ولكن ذلك لم يطمس جذوة الإبداع فيهم وعشقوا المسرح وجعلوه صوتهم الذي لا يسكت.

وشم على وجوههم يحفظ حكايات النسوة وأسرارهن وقصص عشق اكتمل بعضها وتاه بعضها الآخر وسط الزحام، أغطية رؤوس تقي قاطفات النباتات الجبلية والزيتون وراعيات الأغنام وهج الشمس ولفح البرد، "ملية" للفتيات و"قشابية" و"جبة" للفتيان، وركح تزيّن بالمرقوم، إخراج اجتهدت المعلّمة ميّادة حقي ليكون شبيها بأحلام الاطفال التي تتجاوز حدود السماء.

طيلة العرض، كانت توّجه تلاميذها بل أبناءها الذي رعتهم في مدرسة الطرش، تلك المدرسة النائية التي بعثت فيها الحياة بالأنشطة الثقافية التي جعلت منها تعبيرة رفض للواقع الذي تعيش فيه والتلاميذ، المدرسة هنا لم تعد مجرّد فضاء يتلقون فيه دروسا ثم يعودون إلى منازلهم في طريق باردة موحشة بل هي فضاء للحلم والأمل والتغيير.

بعيدا عن الظلام الحالك والضباب المخيف، صنعت سبيلا مشرقة باسمة بثّت فيها بعضا من روحها الحالمة وابتسامتها المفعمة بالأمل، وعانقت أحلام تلاميذها وكانت دليلهم ورفيقهم في مكان يحوم حوله اليأس في تمظهرات مختلفة.

ولعلّ اللافت في العرض المسرحي، هو وعي الأطفال بآفة الإرهاب وبتبعاتها على الجبل والبشر، ففي حضوره تذبل النباتات وتذوي وتهرب الأطيار وتطأطؤ الأشجار رؤوسها كمدا وتبكي التربة حتّى تتحجر، ووعيهم أيضا بأن العمل والعلم والمحبّة أسلحة في وجه الإرهاب.

تلاميذ مدرسة الطرش، قدّموا درسا في حب الأرض التي ينتمون إليها، ولم يقنطوا ولم يستسلموا لواقعهم وآمنوا بأنه لا بد لليل أن ينجلي ولا بد للقيد ان ينكسر، ولم يفرّطوا في احلامهم وإن جار عليهم الزمن.

و"حكايات الجبل" ليس مجرّد عرض مسرحي يروي الإرهاب من منظور الطفولة التواقة إلى غد أفضل، وإنّما هو ثمرة رباط وثيق بين معلمة بذلت وقتها وجهدها لتخفف عن  أبنائها عبء واقع كئيب رتيب غنم غياب الإمكانيات.

وفي حديثها عن العرض، تقول ميادة حقي إنّ المسرحية اجتهاد شخصي أرادت عبرها ان تعلّم الاطفال الجرأة والثقة في النفس والقدرة على المطالبة بحقهم وجعل الثقافة مطية لذلك فمن خلال الأنشطة الثقافية يمكنهم ان يوصلوا اصواتهم بطريقة فنية راقية.

وغياب مكان يحضن الأنشطة في مدرسة الطرشي، لم يكن عائقا امامها ولا أمام التلاميذ الذين بلغوا درجة من الوعي والنضج تفوق أعمارهم بسنين، ذلك ما تلاحظه وأنت تشاهد حركاتهم على الركح وطريقة نطقهم للنص وتعبيرات وجوهم.

والشاعر حينما قال "قم للمعلّم وفّه التجيلا.. كاد المعلّم أن يكون رسولا"، إنّما يتحدّث عن ميّادة الحقي وكل معلّم قاد تلاميذه في سبيل العلم والمعرفة وحثّه على الثورة على واقع ورفض كل ما من شأنه أن ينغّص حلمه.

حالة من الترابط والتكامل بين المعلمة وتلاميذها، تجسّدت خلال العرض وهي تحاول ان تلفت انتباه بعضهم إلى تفاصيل أسقطتها ذاكرتهم، أو حينما تشاركهم الغناء عن الطفولة المضطهدة في البلدان التي تعاني حروبا وعن المقاومة في فلسطين.

صور لشهداء قضوا في فلسطين، صورة لمعاذ عمارنة الذي فقد عينيه وهو ينقل الحقيقة، وبين الصور أعلام فلسطين ترفرف ووفد من الطلبة الفلسطيين يشاركون الأطفال ومعلمتهم الأغاني، مشهد يفصح عن المجهود الذي تبذله ميادة حقي لتصل بين أطفال سمامة وبقية العالم وهم حبيسو فضاء واحد حاولت أن تلوّنه بألوان الحياة.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.