5
حاورها- يسري اللواتي
تحاشت عائلة بورقيبة منذ وفاة الأب في أفريل من سنة 2000 ثم نجله الحبيب بورقيبة الابن شهر ديسمبر من عام 2009، الخوض في الشأن السياسي خاصة أن عددا من أحفاد بورقيبة اختاروا الانتقال للعيش في بلدان أوروبية على غرار أصغر أحفاد الرئيس السابق الحبيب بورقيبة مريم العويتي.
مريم بورقيبة العويتي ابنة الحبيب بورقيبة، خيرت منذ عودتها الى تونس قبيل الثورة الخوض في الشأن السياسي باعتبار المستجدات التي رافقت تلك الفترة، فشاركت في تأسيس حزب آفاق تونس وأصبحت من ضمن أبرز قيادييه.
أصغر أحفاد بورقيبة كشفت من خلال الحوار الذي أدلت به لــحقائق أون لاين، عن أسباب التحاقها بآفاق تونس اضافة الى مستقبلها السياسي ومسار تطبيق العدالة الانتقالية، كما تحدثت عما اعتبرته "مسرحية" التوافق بين حزب نداء تونس وحركة النهضة على اثر انتخابات 2014.
في جانب آخر من الحوار تحدثت مريم العويتي عن بعض تفاصيل آخر أيام حكم "جدها بورقيبة" والاهانة التي شهدها بعد 7 نوفمبر انطلاقا من وضعه قيد الاقامة الجبرية الى وفاته، هذا اضافة الى تعريجها على مطالب العائلة باسترجاع بعض أملاك بورقيبة الشخصية.
وفي ما يلي نص الحوار كاملا:
منذ وفاته، فضّل كل أفراد عائلة بورقيبة عدم الخوص في المجال السياسي، لكنك الآن قيادية مؤسسة في آفاق تونس، ما الذي دفعك للنشاط في الشأن السياسي؟
عائلتنا لم تمارس السياسة بل مارسها المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة وشارك معه ابنه في اطار مساندة ومساعدة، وفي ذلك الوقت كانت الدولة تبنى في اطار الجمهورية لا الملكية.
ومنذ سنة 1980 غادرت البلاد وأنا في عمر الـ 17 سنة، ولم أكن راضية عن الوضع العام في البلاد، ثم أواخر سنة 2010 عدت لتونس مع عائلتي رغم ترددي في ذلك، وراقبت الأحداث التي رافقت الثورة ولمست خوف التونسيين.
عندما انطلقت أحداث الثورة اعتبرت أنه من واجبي العودة الى البلاد خاصة وأن الرئيس السابق غادرها، واعتبرت كذلك أن تلك اللحظات الثورية كانت بمثابة الفرصة غير المسبوقة والدافع لعودتي الى البلاد والمشاركة في الحياة السياسية.
لاحظت خلال تلك الفترة معاناة الشعب التونسي والشباب من القمع والاستبداد وكان لي تباعا لقاءات مع عدد من الفاعلين في المجال الحقوقي والسياسي ولمست أن البلاد في حاجة الى برنامج جديد يطوي صفحة الماضي، بعد ذلك اخترت حزب آفاق تونس حتى أنشط في هياكله وكنت قيادية مؤسسة.
هل كان خروجك من البلاد اضطرارا؟
لم أخرج من البلاد طالبة اللجوء، بل وجدت مكانا مغايرا حيث أكون فيه مريم فقط لا بنت بورقيبة ولا أخت فلان، ووجدت ذلك في انقلترا.
اذن مالذي لم تجديه في تونس؟
لم أجد في تونس هويتي الخصوصية أي مريم فقط، ولم أجد الاطار الذي أتطور فيه كانسان مسؤول ليس له ارتباطات عائلية، كما حتم علي تفكيري وتوجهاتي المعارضة عند سن السابعة عشر مغادرة البلاد.
طيب، لماذا اخترت حزب آفاق تونس؟
وجدت في حزب آفاق تونس قواسم مشتركة على غرار البرنامج المستقبلي، وكنا نرى أنه لنا برنامج اقتصادي للاصلاح نتفق بخصوصه علاوة على ذلك جمعنا برنامج اجتماعي يهتم بمتطلبات الشباب الذي شارك في الثورة من تشغيل وتنمية وغيرها، حتى إن بعض الحكومات التي لحقت الثورة استغلت بعض أفكارنا الاقتصادية.
هل تعتقدين أن حزب آفاق تونس يسعى الى استغلال اسم بورقيبة سياسيا؟
لا قطعا، آفاق تونس له برنامج خاص به.
هل لمست أفكارا بورقيبية في حزب آفاق تونس؟
نعم.
ماهي؟
كل برامج آفاق تونس وتصوراته ومبادئه بورقيبية من ذلك المساواة والحرية والمسؤولية والنزاهة والتضامن وهذه مبادئ بورقيبة وأنا أؤكد وجود قواسم مشتركة بين آفاق تونس والبورقيبية خاصة بدفاعنا عن مجلة الأحوال الشخصية التي وضعها بورقيبة سابقا.
كما نشترك مع البورقيبة في كون آفاق تونس حزب تحرري يؤمن بأهمية الحرية والتعليم ودوره في رقي المجتمعات والصحة المجانية .
هل تنوين الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة؟
لا، حزب آفاق حزب لمجموعة قيادات ومبادئ وأفكار وبرامج، نريد أن نقدم الاضافة لا أن نسوّق لصورتنا، هذا علاوة على أن صلاحيات رئيس الجمهورية محدودة وفق الدستور.
لم ترفضين الترشح قطعا؟
لا أريد مناصب بل أريد العمل الخيري والميداني.
طيب لو يرشحك حزبك وطلب منك ذلك، هل ستقبلين؟
لا، لا يستطيع، بحكم أن القانون يمنع ذلك لأنه ينص على كون المترشح للانتخابات الرئاسية يجب أن ينحدر من أب وأم تونسيين وأجداد تونسيين، في حال أن جدتاي فرنسيتا الأصل، علاوة على كوني صاحبة جنسية مزدوجة فرنسية وتونسية.
أؤكد لك أنني لن أترشح الى الانتخابات الرئاسية حتى لو يكن هناك أي مانع قانوني وما لحظته اليوم أن صلاحيات الرئيس محدودة وتشمل فقط الخارجية والدفاع.
وأعتقد أنه يجب الاهتمام بالانتخابات التشريعية أكثر من الرئاسية.
لنعد الى بعض الأحداث السابقة، مسار العدالة الانتقالية في تونس شهد تعطيلا في تطبيقه، حسب تقديرك لم ذلك؟
بالنسبة لي، تونس أضاعت فرصة تطبيق العدالة الانتقالية منذ سنة 2011 ، وأصبحت بعد ذلك عبارة عن مسرحية ساخرة بوجود هيئة الحقيقة والكرامة.
لم اعتبرت أن تطبيق العدالة الانتقالية أصبح مسرحية بوجود الهيئة ؟
(صارخة) لدي اشكال كبير مع هذه الهيئة، وهي أنجزت عملا كبيرا لكن لمصالح معينة، ويجب أن نعود الى تاريخ تشكيلها لنفهم أسباب ذلك.
لا يجب أن ننسى أنه تم حذف أسماء خبراء عالميين مختصين في المجال ووضعوا في رئاسة اللجنة ضحية من ضحايا الاستبداد وهذا غير معقول ولامقبول.
كما أنه من الأخطاء التي تم اقترافها أن تشمل أعمال الهيئة الفترة الممتدة من غرة جويلية 1955، في حين أن الدولة التونسية في ذلك الوقت غير موجودة تماما بحكم تواصل الاستعمار وهي لا تملك لا استقلالا ولا سيادة.
من المشاكل الأخرى التي أثرت على عمل الهيئة، الاضطرابات المهمة التي شهدتها منذ انطلاق أعمالها مع استقالة عدد من الأعضاء، علاوة على الاستقالات التي أدت الى عدم وجود نصاب قانوني والاعفاءات التي حكمت ضدها المحكمة الادراية وهو ما خرقته رئيسة الهيئة سهام بن سدرين.
تبعا لكل ذلك أعتبر أن هيئة الحقيقة والكرامة تعمل بصفة غير قانونية خاصة وأنها تمارس أعمالها رغم رفض البرلمان التمديد لها.
عموما أعتقد أن مؤسسات الدولة شهدت منذ سنة 2011 تدميرا ممنهجا انطلاقا من الثقافة بالتهجم على الزوايا والأضرحة والقاعات السينيمائية اضافة الى التعليم والصحة.
مؤخرا أثير جدل بعد خوض هيئة الحقيقة والكرامة في موضوع الثروات الباطنية والاستقلال، هل ترين أن ذلك يدخل في خانة عملها؟
هذا يدخل في اطار عمل الخبراء والمؤرخين فقط.
مؤخرا أثار حوار رئيس الجمهورية جدلا بعد اعلان انهاء التوافق مع النهضة، كيف يرى حزب آفاق تونس التحالف بين الحزبين؟
انا اعتبر ما جمع بين نداء تونس وحركة النهضة مسرحية.
لم وصفت التوافق بينهما بالمسرحية؟
لأن لكل حزب برامج مختلفة تماما ولا توجد أية نقاط التقاء بينهما، ونحن في وضع صعب يقتضي وضع تصورات اقتصادية، لكن بعض الظروف اضطرته الى هذا القرار.
رئيس الجمهورية روّج خلال حملاته الانتخابية لفكرة أنه "بورقيبي”، لكنه بعد ذلك توافق مع النهضة فهل تعتقدين أنه شوه البورقيبية بهذا التحالف؟
أنا ألوم من صدقوه، خاصة وأنه أكد في حملته الانتخابية أنه يحمل برنامجا بورقيبيا لكن لم نر الى اليوم أي أثر لذلك.
اذن تعتبرين أن رئيس الجمهورية ليس بورقيبيا؟
لم أر في برنامجه وخلال عمل حكومته أي أثر للبورقيبة، لذلك هو ليس بورقيبي، وبالعودة الى التاريخ فإن بورقيبة كان قد نص على برنامج تضمن 7 نقاط منذ سنة 1950، وهو ما لم أره في برنامج عمل الحكومة الحالية، وأصف برنامج بورقيبة بـ ”الرؤية الاستباقية والاستراتيجية”.
وما يبين ذلك أن الرئيس السابق بورقيبة عجّل بعد نيل الاستقلال في تطبيق اصلاحات عميقة على غرار بعث الجيش الوطني ومجلة الأحوال الشخصية وغيرها من الانجازات، لكن الرئيس الحالي لم يقم باصلاحات كبرى تهدف الى تعافي الاقتصاد وتحقق أهداف الثورة.
لكن أظن أنه سعى الى تطبيق بعض الأفكار البورقيبية على غرار تلك المتعلقة بحقوق المرأة وغيرها.
يعني هل تعتقدين أنه استغل "البورقيبية" لغرض انتخابي وهو الفوز بالرئاسة؟
نعم أعتقد ذلك، وقد ساعده الاعلام في الترويج له على أساس أنه بورقيبي وقد نجح في حملة اتصالية أوصلته الى قصر قرطاج.
لو كان رئيس الجمهورية بورقيبيا صرفا هل تعتقدين أنه سيوافق على التحالف مع النهضة؟
لا أبدا لأن توجه كل واحد منهما مختلف.
قلت ان النهضة تحمل مشروعا مخالفا لتوجه بورقيبة، هل يمثل ذلك تهديدا على النموذج المجتمعي الذي أراد بورقيبة ترسيخه في تونس؟
بلى والتهديد انطلق منذ فترة بالمساجد وخطب صلاة الجمعة والجمعيات التي تمولها النهضة سرا.
وأنا لا أستغرب رفض النهضة مقترحات لجنة الحريات الفردية والمساواة خاصة موضوع المساواة في الميراث رغم أنهم روجوا خلال مؤتمرهم الأخير لفصل السياسي عن الدعوي.
و الآن هم يثبتون أنهم يناقضون أنفسهم.
هل طبعت المغالطات علاقة بورقيبة بالاسلاميين على أساس أنه منعهم من النشاط من خلا عدم منحهم التأشيرة؟
نعم.
كيف ذلك؟
بورقيبة رفض منح التأشيرة لأن القانون يرفض الأحزاب التي تنشط باسم الدين الاسلامي في حين أن الفصل الأول من الدستور حسم المسألة.
وأنا أعتقد أن النهضة منظمة رجعية تعمل على أساس الاستبداد الديني علاوة عن كونهم كفروا العديد من المفكرين التونسيين.
هل تعتدقين أن بورقيبة نال رد اعتبار كاف من الدولة التونسية؟
نعم خاصة وأن صورته وعبره مازالت محفورة في ذاكرة التونسيين وهي صالحة الى وقتنا الحالي، لكنني أرى في نفس الوقت تأليها وتشويها لبورقيبة.
ورد الاعتبار العقلاني هو في فهم التاريخ دون عواطف، لأن من كتبوا عن بورقيبة كانوا ممن عايشوا فترته أو عملوا معه وأعتقد أن المؤرخين هم الأجدر بالحكم على تجربة حكمه.
في سياق آخر سأحدثك عن معطى مهم، بورقيبة أكد خلال الاحتفال بعيد الجمهورية سنة 1987 ضرورة أن يهتم المخطط الخماسي السابع بمسألة التفاوت بين الجهات وتوقع أن يؤدي عدم الاهتمام الى قيام انتفاضة بعد عشرين سنة.
يعني تعتقدين أن بورقيبة توقع أن يؤدي عدم التوازن بين الجهات الى ثورة في المستقبل؟
نعم بالضبط، وبن علي لم يستغل ذلك المخطط فقامت ضده ثورة بعد 21 سنة انطلاقا من عام 2008.
هل تعتقدين أن بورقيبة أهين منذ خروجه من قصر قرطاج في نوفمبر 1987؟
طبعا أهين، لأنه تم اخراجه من القصر ووضعه قيد الاقامة الجبرية، الا أنه طلب من وكيل الجمهورية ورئيس الجمهورية آنذاك محاكمته.
علاوة على ذلك تم منع عائلته والمقربين منه من زيارته كما منع من الجولان لمدة 13 سنة.
لو توضحين لم طلب بورقيبة محاكمته؟
هو طلب محاكمته لثلاث حتى يكون وضعه قيد الاقامة الجبرية مستندا الى قرار قضائي وقانوني، لذلك هو أراد من خلال قراره احترام مؤسسات الدولة القضائية المخول لها اسناد تهم تتم بموجبها توجيه أحكام بالاقامة الجبرية.
اذا لماذا تم رفض طلبه حسب رأيك؟
ما أعلمه أن بن علي لم يرد على المراسلات التي وجهها اليه بروقيبة عبر الوالي بخصوص طلب محاكمته.
هل ندم بورقيبة على منح فرصة لبن علي للانقلاب عليه عبر تنصيبه في خطط متقدمة وحساسة؟
بالفعل أخطأ لكن يجب قراءة ما قام به بورقيبة بالنظر الى الظروف التي حفت بتلك الفترة مع تعاظم دور الاخوان المسلمين، فكان بن علي خيارا مناسبا للحد من هذا الخطر وضمان استتباب الأمن.
طيب هو أخطأ في منحه مناصب متقدمة لكن السؤال الأهم من تشبث بابقاءه في تلك المناصب.
هل التمست من خلال معايشتك لآخر أيام بورقيبة، أنه شعر بخيانة المقربين منه؟
نعم شعر بخيانة شاملة حتى أن أقرب المقربين منه لم يتصلوا أو يستفسروا عن حالته أيام الاقامة الجبرية.
عمّن تتحدثين بالضبط؟
لا أتذكر بالضبط، لكن محمد الصياح وعلالة العويتي طلبوا مرات عديدة زيارة بورقيبة الا أنه تم رفض طلبهم.
كما أتذكر أن علالة العويتي طلب سجنه ووضعه قيد الاقامة الجبرية ليستطيع لقاء بورقيبة.
كيف تصفين ماحصل خلال جنازة بورقيبة؟
لا أريد الخوض فيها لكن ما حصل اهانة أخرى لبورقيبة.
علمت أن عائلة بورقيبة تطالب الى اليوم باسترجاع بعض ممتلكاته الشخصية؟
صحيح لنا اشكال كبير يخص هذا الموضوع، خاصة في علاقة بأغراضه الشخصية ولنا قائمة كاملة عن الممتلكات التي وردت في الكتاب الأبيض الذي أصدره الرئيس السابق منصف المرزوقي سنة 2013، لكن لم نتلق أي شيء منها الى اليوم ولانعلم ماهو مصيرها.
كما نطالب باسترجاع ممتلكات كانت في المتحف العائلي في دار بورقيبة وتم حجزها سنة 2002، وهي الآن موجودة عند معهد التراث ونعمل على اعادتها الى دار بورقيبة التي تحولت الى "متحف بورقيبة".
هل تعتقدين أنها تعرضت للسرقة؟
لا أنا أصفها بالمحجوزة.
من حجزها بالضبط؟
رئاسة الجمهورية التونسية زمن حكم بن علي، والآن تواصلت مع رئيس الجمهورية الحالي لثلاث مرات وقالوا لي إن هناك مسؤولين سيتكفلون بالموضوع.