بسام حمدي-
خضوعا لمنطق القوة والغلبة الذي تفرضه التقلبات في مجلس نواب الشعب تسير تطورات المشهد السياسي في تونس وتتشكل التحالفات، وطبقا لتغير موازين قوى الكتل البرلمانية تتغير مواقف عدة أحزاب سياسية خاصة مع اقتراب مواعيد الاستحقاقات الانتخابية حتى أضحت قبة البرلمان باروماترا سياسيا تحتكم إليه التحالفات والسياسية والتقاربات الحزبية.
وطيلة فترة توافق حركة النهضة مع نداء تونس )حوالي أربع سنوات)، لم يكن للوزن السياسي للبرلمان ثقلا كبيرا وكان مجلس نواب الشعب صوريا وتُدبّر جل القرارات المصيرية خارج قبة البرلمان، لكن اليوم وبعد إنهاء عقد التوافق، بات حجم الكتل البرلمانية للأحزاب السياسية المحرك الرئيسي لتطورات المشهد السياسي.
الكتلة البرلمانية الجديدة الداعمة لرئيس الحكومة يوسف الشاهد المتشبث بمنصبه هي الكتلة التي حركت المياه في مجلس نواب الشعب وألفيناها اليوم العمود الفقري للبرلمان المسيّر لمسار التحالفات التي يجري وفقها تقاسم السلطة.
وبعد انهاء "التزاوج السياسي" كليا وفي تطور جديد لموقفه، أعلن حزب نداء تونس عن استعداده للتحاور مع الأحزاب السياسية التي وصفها بالتقدمية بشأن تعديل تركيبة الحكومة دون أن يطالب مجددا باقالة الشاهد من منصبه علما وأن كان يشترط الاطاحة بيوسف الشاهد من منصبه كشرط أساسي لاجراء حوار يخص التحوير الوزاري.
نداء تونس أرجع قرار استعداده للتشاور مع من وصفهم بالطيف الديمقراطي التقدّمي لتشكيل الحكومة المقبلة وللتفاوض حول طبيعة التحوير الوزاري دون مشاركة حركة النهضة الى ما اعتبره محاولة لحركة النهضة لوضع يدها على مفاصل الدولة والسعي إلى تغيير إرادة الناخبين عبر فرضها شروط التحوير الوزاري.
وهذا التطور في موقف نداء تونس ظاهره ردة فعل على تصريح رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي الذي دعا إلى إجراء تحوير وزاري لتعزيز العمل الحكومي من خلال تشكيل حكومة ائتلاف وطني مفتوحة لكل الأطراف السياسية على قواعد الكفاءة والنزاهة والقدرة على الإنجاز بعيدا عن هيمنة أي طرف، وباطنه يظهر أن النداء أجرى مراجعات داخلية لمواقفه المتعلقة بمصير الحكومة الحالية ومصير الشاهد.
النداء المندمج مع الاتحاد الوطني الحر عدّل موقفه ربما بعد اقتناعه بكونه لم يقدر على استقطاب عدد آخر من النواب لخلق التفوق البرلماني واسقاط حكومة الشاهد وخاصة بعد حصول تقارب سياسي بين كل من كتلة حركة مشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني مع كتلة حركة النهضة ما يدل على كونه قد يصبح حزبا معارضا منزويا غير قادر لا وزن سياسي له.
هذا التعديل في الموقف دلالاته واضحة، أولها التراجع عن موقفه في الاصطفاف في شق المعارضة بعد أن فشل في خلق تفوق في الوزن السياسي والخوف من اجراء تحوير وزاري تتقلص فيه عدد الحقائب الوزارية الممنوحة للحزب
وثانيها مغازلة حركة مشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني الداعمة ليوسف الشاهد لتكوين ائتلاف سياسي يقصي النهضة من الحكم ويقارعها في الانتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة.
بيان نداء تونس يمكن اعتباره بيان مغازلة أو بيان تقرب وكسب ود الشاهد ومحسن مرزوق اذ تسعى حركة نداء تونس لخلق تفوق في البرلمان عبر تجميع الكتل وادماجها في كتلة تتركب من 104 نائبا.
وغير مستبعد أن يكون لهذا التطور الحاصل في موقف نداء تونس من النهضة من جهة، ومن يوسف الشاهد من جهة أخرى تبعات سياسية قد تجرى على ضوئها مشاورات سياسية جديدة قد تشمل حركة مشروع تونس ومهندسي المشروع السياسي للشاهد ومؤكد أن هذه التغيرات ستؤجل التحوير الوزاري الى فترة أخرى.