مدينة تونس الاقتصادية: مشروع ضخم في الرفوف منذ 2012.. الأحزاب حاولت استغلاله.. واستمرارية الدولة في الميزان؟!

أمل الصامت – 

“هو حلّ من بين الحلول الممكنة لتجاوز الأزمة الاقتصادية الخانقة للبلاد”، هكذا عرّف رجل الأعمال التونسي المقيم في السعودية رياض خليفة التوكابري مشروع مدينة تونس الاقتصادية المركون منذ سنة 2012 بين رفوف رئاسة الحكومة وأدراج وزارة الاستثمار والتعاون الدولي.

ويشمل المشروع مخططات لتطوير مطار لنفيضة الدولي إضافة إلى تشييد ميناء تجاري ومنطقة صناعية ومنطقة تخزين ومستودعات، إضافة إلى مدينة للأعمال والتجارة والمعارض الدائمة، علاوة على إقامة مركز  للمدينة ومدينة إعلامية ومدينة طبية ومدينة جامعية ومدينة للأبحاث والعلوم  ومدينة رياضية ومدينة سياحية ومدينة ترفيهية ومدينة سكنية.

ومن المنتظر أن يساھم المشروع في رسم منوال اقتصادي جديد يعتمد على الخدمات والتبادل التجاري والاقتصاد الذكي والمساهمة في التنمية المستقبلية العامة للجمهورية التونسية، والمنطقة بشكل عام مع رؤية جديدة لتلعب تونس دورا محوريا  في الخارطة الاقتصادية العالمية الجديدة في المنطقة والعالم المتأثر بها، إضافة إلى توفير حوالي 250 ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة خلال 15 سنة.

وترفض الجهة المؤسسة للمشروع توزيع مكوناته إلى مناطق أخرى داخل تراب الجمهورية باعتبار أن فكرة تكامل المشروع كانت نقطة الانطلاق في اقناع المستثمرين بأنه رؤية جديدة للاقتصاد الوطني في بناء منصة عالمية للتبادل التجاري لتكون تونس بوابة حقيقية توفر لهم دخول الأسواق الأفريقية والأوربية، وهو ما شجعهم لتوقيع الاتفاقيات والاستثمار في بناء مستقبل المنوال الاقتصادي الجديد لتونس.

مشروع مع وقف التنفيذ…

بعد تقديمه إلى حكومة الترويكا في جانفي 2012 وعقد اجتماعات مكثفة وورش عمل بحضور ممثلين عن جميع الوزارات والجهات ذات الاختصاص، حصل المشروع، حسب ما أكده التوكابري في تصريح لحقائق أون لاين، على الموافقات المبدئية من الحكومة بمقتضى خطاب وزارة الاستثمار والتعاون الدولي بتاريخ 15 ماي 2012 وموافقة رئاسة الحكومة التونسية بتاريخ 17 ماي 2012.

وتم تحديد الموقع، وفق ذات المصدر، بالقرب من مطار النفيضة على مساحة 90 كلم مربعا تقريبا وشريط ساحلي بطول 18 كلم، وذلك بمقتضى رفع مساحي طبوغرافي صدر عن ديوان قيس الأراضي والمسح العقاري بتونس بتاريخ 31 ديسمبر 2012، وتم استلام الخرائط من طرف وزارة الاستثمار والتعاون الدولي لبداية العمل على المخطط العام المبدئي للمشروع والدراسات المبدئية حيث تم تكليف مكتب الدراسات العالمي”KPMG” تونس بالتعاون مع مكاتب استشارية عالمية بإعدادها.

وقد تم الإعلان عن المشروع في يوم 9 سبتمبر 2014 بحضور رئيس البرلمان التونسي السابق مصطفى بن جعفر، والعديد من الشخصيات العربية والعالمية بمشاركة أكثر من 100شركة عالمية مساهمة في المشروع من حوالي 30 دولة، حيث لاقى وقتها رواجا إعلاميا ضخما على المستويين الوطني والعالمي إلا أن الأمر بقي مجرد وعود تعاقبت الحكومات الى يومنا هذا على التعهد بتنفيذها دون قرار جريء بقبول المشروع والانطلاق في تجسيده على ارض الواقع أو رفضه بمبررات مقنعة، على حدّ تعبير محدثنا.

صمت بلا مبرّر…

وعن تفسيره لهذا الصمت “غير المبرر” على حد وصفه، من قبل الحكومة، اعتبر رياض التوكابري أن الأمر لا يحتاج إلى مبررات بقدر ما يحتاج إلى قرار سياسي جريء، مشيرا إلى أن تصريحات بعض المسؤولين في الفترة الاخيرة حول عدم جدية المشروع، غير منطقية خاصة وأنه كمؤسس للمشروع قام بجميع الدراسات اللازمة وتكبد مصاريف تقدر بـ10 مليون دولار سنويا على مدى الخمس سنوات الفارطة من أجل إثبات جدية الأمر، متسائلا: “ما هو المطلوب منا أكثر من هذا؟.. فلتشترطه علينا الدولة حتى نفعله.. لكن أن يبقى المشروع معطلا دون مبررات تُذكر فهذا غير مقبول”.

كما استبعد التوكابري، في ذات السياق أن يكون المشكل سياسيا أو له علاقة بالدولة التي يقيم فيها باعتبار أن الشركاء السعوديين في مشروع مدينة تونس الاقتصادية لا يمثلون نسبة كبيرة، حيث أنه تعمّد العمل مع شركاء من جميع أنحاء العالم على غرار الصين وكوريا الجنوبية والهند وغيرها، حتى لا يتوقف المشروع على جهة على حساب الأخرى.

وأضاف أن 60% من الشركاء هم رجال اعمال تونسيون إلى جانب شراكة الدولة التونسية في المشروع دون أن تتكبد أي خسائر أو مصاريف تُذكر، وذلك ضمانا لمبدإ السيادة، معربا في هذا الصدد عن استغرابه من عدم اطمئنان أصحاب القرار لهذا المشروع رغم كل الضمانات المقدمة، “اللهم إلا إذا كانت هناك نوايا خفية خبيثة وراء ذلك”، وفق تقديره.

ولفت في ذات الإطار، إلى ان هناك بعض الأحزاب السياسية التي أرادت استغلال المشروع والحيثيات المحيطة به لأغراض سياسية وانتخابية إلا أنه رفض ذلك، قائلا: “لقد قمت بكل ما أستطيع القيام به من أجل أن يكون هذا المشروع لفائدة تونس والتونسيين، ورفضت العمل تحت الطاولة رغم أن ذلك كان متاحا لي وربما كان ليختزل عليّ كل السنوات الخمس الفارطة إلا أنني مصر على أن يكون المشروع لتونس لا للأحزاب”.

وخلص التوكابري الذي تحدث عن المشروع بحماسة وحرقة في آن واحد إلى أن هدفه الأساسي من اقتراح هذا المشروع هو بناء قاعدة ذكية للتبادل التجاري والثقافي والسياحي، والتعليمي، مع بنية تحتية لوجستية تكون مركزا ومحورا دوليا يربط الشرق والغرب والشمال والجنوب، وتكون تونس بالتالي بوابة افريقيا على أرض الواقع.

استمرارية الدولة.. المبدأ التائه في تونس!

وللإجابة على كل التساؤلات المطروحة حول أسباب تعطيل المشروع أو عدم البت فيه من قبل حكومة الوحدة الوطنية إلى الآن رغم الدخول في نقاشات مطولة مع مستشار رئيس الحكومة المكلف بالاستثمار لطفي بن ساسي، انتهت باقتراح تقسيم المشروع بتعلة أنه “ضخم جدا ويجب توزيع مكوناته إلى مناطق أخرى داخل تراب الجمهورية”، حاولت حقائق أون لاين الاتصال ببعض المتدخلين في الموضوع إلا أن ردود الأفعال كانت -إن صحّ التعبير- “غريبة”، حيث أنكر مستشار رئيس الحكومة لطفي بن ساسي علمه بالأمر، قائلا إن الملف من أنظار وزارة الاستثمار والتعاون الدولي وليس لديه المعلومات الكافية حوله، علما وأن الرئيس المؤسس للمشروع رياض التوكابري أكد تكليف بن ساسي بالمفاوضات من قبل رئيس الحكومة يوسف الشاهد نفسه.

كما تلقت حقائق أون لاين عديد الوعود بحصولها على ردّ من قبل أحد المسؤولين المطلعين على الملف بوزارة الإشراف ولكن لا مجيب لأكثر من أسبوع من المحاولات والاتصالات، علاوة على أن أكثر من مسؤول لم يكونوا على علم بالمشروع أساسا، وعلى رأسهم وزير الاستثمار الحالي زياد العذاري الذي أكد في حوار على المباشر على القناة الوطنية الاولى عدم علمه بالمشروع، وهو ما يطرح نقطة استفهام كبيرة حول مبدإ استمرارية الدولة وسط كل هذا “اللاّعلم” المطنب.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.