أكّد الأمين العام لحركة نداء تونس محسن مرزوق في حوار شامل خصّ به حقائق أون لاين على ضرورة إعلاء الطموح الجماعي داخل الحزب على حساب كلّ ماهو شخصي من أجل صنع ما وصفها بالملحمة، معربا عن انتقاده لحركة النهضة الشريك في الائتلاف الحاكم بسبب ما اعتبره تدخلاّ من قبلها في شؤون النداء ولا سيما في الخلافات الداخلية الحاصلة صلبه كما تعبّر عن ذلك صحيفة “الفجر” لسان حالها، حسب تقديره.
وقد جدّد مرزوق ثقة حزبه في الحكومة التي نفى مايراج حولها من امكانية أن تكون فكرة اجراء تحوير وزاري مطروحة للنقاش حاليا،مشدّدا على أنّ لرئيسها الحبيب الصيد الصلاحية الدستورية في التقييم و كذلك المراجعة إذا أراد ذلك.
وفي ما يلي نصّ الحوار كاملا الذي أجرته حقائق أون لاين مع محسن مرزوق حول العديد من المسائل والقضايا التي تخصّ حزبه وشخصه والشأن الوطني بشكل عام.
نبدأ من آخر المستجدات على الساحة الوطنيّة وهي فوز الرباعي الراعي للحوار بجائزة نوبل للسلام، كيف تقرؤون رمزية هذا التتويج؟
أوّلا نحن فخورون و مسرورون بهذه الجائزة لأنّها أعادت تونس لصدارة العالم على مستوى صورتها الايجابية و أكدت أنّ تونس قامت بتجربة ديمقراطية فيها فرادة و أصالة ،واستحقّت بتفردها و تميّزها أن تصبح نموذجا دوليا.
في الواقع،هذه الجائزة منحت لتونس لأنّها اعتمدت الحلول السياسية،في حين أنّه تم في المنطقة العربية اللجوء الى العنف للأسف في الدول التي كانت تسمّى بـ”الربيع العربي”.
وفي نفس الوقت،استطاعت تونس أن تعطي الجانب الانتخابي الذي هو مهم في العملية الديمقراطية ما يجب من اهمية ومن ثمّة التداول السلمي على السلطة.
الرباعي يستحقّ هذه الجائزة،لكنّه تحصّل عليها باسم تونس،و إن شاء الله نبني على هذه التجربة.
في اعتقادكم،كيف يمكن استثمار هذا الاعتراف الدولي بفرادة التجربة التونسيّة لفائدة دفع البلاد نحو الأفضل لا سيما اقتصاديا و اجتماعيا؟
أوّلا: لا بدّ من التقدّم في مسار الاصلاحات الداخلية بتعميق الحرب على الارهاب.
ثانيا:حينما أتحدث عن الاصلاحات أرى أنّه من الضروري إعطاء إشارات للعالم بأنّ التجربة الديمقراطية قادرة على جلب الاستثمار من أجل حلحلة المشاكل ذات الطابع الاقتصادي وإستثمارها في صورة تونس السياحيّة لأنّ هذا التتويج يمكن أن يساعدنا على الاعداد لمواسم سياحيّة أفضل.
ثالثا:بمزيد إحكام التجربة الديمقراطية و بناء المؤسسات التي من شأنها أن تجعل من الديمقراطية التونسية ديمقراطية ليست للتنوّع فحسب،بل أيضا ديمقراطية لتطبيق القانون.
إنّنا اليوم إزاء مخاطر عديدة تهدّد هذه التجربة الفريدة.
إذا فرحة التتويج بجائزة نوبل و الحظوة التي نالتها التجربة الديمقراطية الناشئة في تونس لا يجب أن تنسينا حقيقة الأوضاع الداخلية و التعثّرات الحاصلة في معالجة عدد من الملفات التي تمسّ مباشرة الحياة اليوميّة للمواطن بشكل عام؟
في اعتقادي تونس تهدّدها 4 مخاطر. الأوّل يتمثّل في أنّ التجربة الديمقراطية السياسيّة و المؤسساتيّة لا تتمّ بصفة سريعة خاصة في مجال تثبيت المؤسسات ومنها القضاء الذي يجب أن تكون مؤسساته مستقلّة ولكن أيضا فاعلة وغير مخترقة بأيّ نوع من أنواع الانحلال أو الفساد.
ثانيا الأداء الحكومي في علاقته بالأحزاب الأربعة،وهنا أقول إنّ التجربة كانت صعبة، لذلك تتطلب أكثر ما يمكن من التنسيق،إذ لا بدّ من تدعيم هذه المسألة والعمل في اتجاهها. إنّ الأداء الحكومي هو في ذاته مرتبط بأداء الأحزاب.
ثالثا،الحرب ضدّ الارهاب،بعد العمليات الأخيرة،نحن في حاجة إلى المواصلة في العمل وعدم التغافل والاهتمام بموضوع الفساد لأنّ الارهاب و الفساد وجهان لعملة واحدة.
كيف ذلك؟
إنّ كلّ العمليات القائمة على تسلّل السلاح مرتبطة بالأنشطة التجارية غير الشرعيّة،فهي يناسبها أن يحدث خرق للوضع العام للبلاد لكي تبقى متواصلة.وهذا موجود في كلّ أنحاء العالم وليس في تونس فقط. والارهاب معروف عنه أنّه مرتبط بالتهريب والفساد.
واليوم هناك مجموعات فساد ولوبيات قويّة نشعر بوجودها وهي متغلغلة في الأحزاب و تريد أن تتدخلّ في الحياة العامّة مثلما هي متدخلة في الحياة الاقتصادية.
و أخيرا،على المستوى الاقتصادي والاجتماعي ليس لدينا أيّ حلّ سوى خلق الثروة الذي يتطلّب اتخاذ قرارات شجاعة و جريئة في المجال الاقتصادي،سواء تعلّق ذلك باصلاحات في المجال العقاّري أو في مجال الادارة أو الاستثمار وفي بقيّة المجالات حتّى تدور عجلة الاقتصاد من جديد،و بالطريقة الحالية ستبقى لدينا تجربة ديمقراطية وكلام و حديث و حريّة ولكن دون سلطة قانون مطبقة ولا اقتصاد بصدد التقدّم إلى الأمام. وفي ظلّ غياب الآنف ذكره فإنّ التجربة السياسية قد تفشل لا قدّر الله.
هذه الهنّات التي عدّدتم مظاهرها،نداء تونس كحزب أغلبي فائز في الانتخابات الماضية وله التمثيلية الأكبر صلب البرلمان إلى أيّ حدّ يتحمّل المسؤولية السياسيّة و الأدبيّة في تواصلها؟
نداء تونس يتحمّل المسؤولية لأنّه مازالت داخله بكلّ الأسف حالة من عدم التوازن بين تيّارين تقريبا يتنازعان داخله.
تيّار يعمل من أجل المأسسة للمضي بالحزب إلى المؤتمر. و تيّار يبدو أنّه يريد فرض أجندا خاصّة ليست مرتبطة بمؤسسات الحزب بل خارجه و بجانبه و موازية له بهدف استعجال فرض سلطة معيّنة و حصول مجموعة من الأشخاص على السلطة بشكل سريع.
وأنا أعتقد أنّه من غير الممكن الوصول إلى المؤتمر دون اتفاق داخل مؤسسات الحزب الوقتيّة. و ثانيا لابدّ من اعلاء الطموح الجماعي على الطموح الشخصي. وليس هناك أيّ أحد قادر على الركوب على الحزب بأيّ شكل من الأشكال بمفرده من خلال تنظيم أنشطة موازية للحزب قبل المؤتمر.
هذا لا يمكن التحكّم فيه داخل الحزب دون قطع الجسور الموجودة بين بعض الأشخاص و الفساد،وبعض الأشخاص والاستراتيجيات التي تقوم على إذابة هويّة الحزب الوطنيّة و العصريّة و محاولة دمجه مع منافسه حركة النهضة من خلال الحديث عن أرضية مشتركة إسلاميّة-دستوريّة و إلى غير ذلك من الخزعبلات الفكريّة.
هل هذا يعكس أزمة هويّة داخل الحزب في ظلّ تنوّع الروافد و الخلفيات الفكريّة ؟
هويّة الحزب العامّة نشأت بالقوّة منذ لحظة التأسيس. وخطّها صاغه مؤسس الحزب الباجي قائد السبسي وهي استمرار للحركة الوطنيّة العصريّة و للفكرة البورقيبيّة و أساسها البورقيبيّة الجديدة.
ماذا تعنون بالبورقيبيّة الجديدة التي تردّدونها كثيرا في خطابكم السياسيّ؟
هي ليست فقط في الخطاب السياسيّ. فأداء الحزب و مؤسسه الباجي قائد السبسي منذ التأسيس كان يقوم على الفكرة البورقيبيّة الجديدة.
أوّلا هي تتمثّل في استمرار تراث و مكاسب الحركة الوطنيّة العصريّة التي أنجزت مع الدولة في عهد بورقيبة مثل الحريّات الاجتماعية كحريّة المرأة و اجبارية التعليم و قضايا الصحّة و الاهتمام بالانسان التونسي.
وثانيا بأنّ تونس دولة وطنيّة مستقلّة تمثّل أمّة ولها علم و متميّزة له بين دول أخرى،ولها كذلك موقع دولي متميّز و سياستها تقوم على التوازن و الاعتدال.
و ثالثا،نمط حياة يقوم على الحفاظ على الهويّة العربية الاسلامية ولكنها منفتحة و قائمة عل الاجتهاد و غير مرتبطة بشبكات دوليّة للأسلمة و ذات طابع سياسي. نحن إسلامنا مالكي منفتح و معتدلّ ولا نريد الخلط بين الدين والسياسة.
يضاف إلى هذه المكاسب الأساسية للفكرة البورقيبيّة كلّ ما جاءت به الثورة التونسية من مكاسب الحريّة والديمقراطيّة.
وهي التي كانت ظروفها تاريخيا غير متاحة زمن بورقيبة والان بفضل الثورة أضحت أساسيّة.
هذه هي البورقيبية الجديدة التي هي هوّية نداء تونس،ما يجعلنا في موضع اختلاف مع أحزاب أخرى مثل حركة النهضة.
وهل من الممكن اليوم وضع حدّ للانقسامات و الصراعات التي تهزّ الجسم الندائي منذ فترة؟
نحن نعمل كلّ ما في وسعنا لتواصل الجوانب الايجابيّة والمتمثّل في الحوار الداخلي الذي يعكس التنوّع. ولكن لا بدّ من توقف الجانب التدميري الذاتي ،وهذا لن يحصل إلاّ بالعودة إلى الحوار داخل المؤسّسات ثمّ نذهب إلى المؤتمر الذي سيوزّع على اليمين وعلى اليسار.
وأنا قلت أكثر من مرّة بصفة شخصيّة لا أرى أيّ مانع في ألاّ أكون في منصب قيادي أوّل صلب الحزب،و أن أكون داخله مثلي مثل جميع الناس.
أنا أعتقد أنّه باستطاعتي المشاركة في ملحمة جماعية جديدة مثلي مثل آلاف المناضلين في الحزب،فالطموح الجماعي و نجاح الحزب هو نجاح شخصي. و إذا توجب الأمر ليس من الضروري بعد المؤتمر أن أكون في الأماكن التي يتصارع حولها الناس سواء الأمانة العامّة او خطّة نائب الرئيس ونترك فرصة للاخوة الذين هم قادرون على قيادة الحزب لأنّ هناك امكانيّة لبروز موجات قيادية مختلفة من أجل احتواء جانب الشخصنة فالمشاكل ليست شخصيّة. هي مشاكل بين توجهات و مشاريع مختلفة وما يهمني أن يبقى الحزب قويّا. هذا الكلام قلته في أكثر من مرّة و أعيده الآن.
هذا لا يحجب أنّ لفيفا من داخل العائلة الندائيّة يشعر بالتوجسّ إزاء طريقة تسييركم للحزب لدرجة أنّ البعض ذهب إلى القول بأنّكم ترومون تطويع الحركة خدمة لطموحاتكم الشخصيّة. كيف تردّون على هذا الطرح؟
هذا الكلام مردود على أصحابه. أنا في المدّة التي أصبحت فيها أمينا عامّا للحزب منذ غرّة جويلية الفارط،أوّل شيء قمت به وليس وحدي بل مع مجموعة من الإخوة،هو إعادة الاعتبار لمؤسسات التسيير الجماعية مع السيّد رئيس الحزب محمد الناصر الذي يقوم بدور كبير . ولهذا مثلا المكتب التنفيذي لم يجتمع من جانفي 2015. وبعد أن تقلّدت الأمانة العامة للحزب المكتب التنفيذي اجتمع مرتين في شهر واحد.
ونحن لدينا مكتب سياسي يجتمع لأخذ القرارات،وقد قمنا بتكوين لجان أقرها المكتب التنفيذي هدفها العمل على تجميع كلّ الطاقات داخل الحزب للحوار في مجموعة كبيرة من القضايا.
ولكن الناس في بعض الأحيان يعتقدون أنّ حركة الأمين العام خاصة داخل الجهات والسرعة في العمل ، ستعود بالمنفعة الشخصيّة لي فقط.
وهذه رؤية ضيّقة و مبتورة و أنانيّة لأنّ تنقلاتي هدفها خدمة الحزب.
كلّ هذه الادعاءات هدفها تحويل وجهة النظرعن الأمور السليمة.
هؤلاء الاخوة كان لديهم فرصة منذ غرّة جانفي إلى مطلع جويلية 2015 لمّا كنت انا في رئاسة الجمهوريّة،أن يقدّموا للحزب القوّة اللازمة و الدفع و الزخم. هذا لم يحدث. ولذلك أنا قدمت من جديد للحزب و يمكن أن سرعة عملي أكثر من سرعة عمل أناس آخرين ولكن كلّ ما أفعله حاليا هو لصالح الحزب وليس لشخصي. وبعد المؤتمر ليس لديّ أيّ مشكل إذا ما ارتأى المؤتمرون وضعي في الصفّ الثاني. وإن شاء الله الناس الذين سيكونون في الصفّ الأوّل تكون لديهم القدرة على إعطاء الحزب الاشعاع المطلوب.
ولكن أنا أعتمد على السرعة في العمل و الذهاب إلى الميدان و طبعا هذا قد يظهر أن هناك تركيزا حول شخصي لكن في نهاية المطاف الحزب ليس ضيعة شخصيّة أو شركة خاصّة.
في علاقة بمسألة المؤتمر،أيّ خارطة طريق تقترحون لحلحلة الاشكال؟
خارطة الطريق في أوت 2015 وضحها المكتب التنفيذي. نحن ذاهبون إلى مؤتمر ذي طبيعة تأسيسيّة للحزب و هذا المؤتمر يجب أن يقوم على التمثيل بشكلين: شكل انتخابي و آخر يمثّل الاستمراريّة. ما معنى ذلك؟
في الاستمراريّة هناك أشخاص سيكونون موجودين بالقوّة و ذلك لاعتبارات تمثّل الطابع الاستمراري و التأسيسي.
المكتب التنفيذي كلّه سيكون في المؤتمر بالقوّة. مثلا نواب الحزب الذين هم منتخبون في البرلمان.أعضاء المكتب السياسي أيضا. الاخوة المنسقون الجهويون.
ألا ترى أنّ هذا قد يفرغ العملية الديمقراطية الداخلية في الحركة من محتواها؟
(مقاطعا) لا . هذا باعتباره مؤتمرا تأسيسيا. وما سبق أن ذكرته هو في الجانب الأوّل للمؤتمرين. وفي الجانب الثاني،هم أناس منتخبون في الجهات وستكون لديهم الأغلبية في المؤتمر حتّى يبقى الزخم الديمقراطي هو الأساسي. فنحن نريد مؤتمرا ديمقراطيا.
هذا ما اتفق حوله المكتب التنفيذي و قال إنّه لحماية الحزب من الاختراقات،من لهم الحقّ في التصويت يجب أن يكونوا من المنخرطين في 2012 و2013 و 2014 لأنّ هذه هي الكتلة التأسيسيّة.
الاخوة الآخرون هم من يقولون نحن لا نريد تنظيم انتخابات حسب الموجود يعني الهياكل الجهوية و المحليّة و الوطنيّة الموجودة نقوم باصعادها للمؤتمر. طبعا المكتب التنفيذي لم يوافق على هذا الطرح،لأنّ في ذلك افراغا للعملية الديمقراطية من محتواها. وثانيا لأنّ ماهو موجود الآن فيه مشكلة،ونحن الآن في حال الذهاب إلى المؤتمر بالموجود سنعيد إنتاج الموجود من جديد أيّ نفس المشكل و الجمود.
نحن ما نعيبه على الاخوة هو أنّ المكتب التنفيذي عندما ذهب بأغلبيته في ذاك التوجه ،هم عوض مواصلة الحوار صلب هذا المكتب،قاموا باجتماعات موازية وقالوا لا سنفرض رأينا من خلال الهياكل التسييرية للحزب بالقوّة وهنا لا أقصد القوّة الماديّة بل الاستفراد بالرأي و محاولة فرضه حتّى لو كنت أقليّا.
وهذا ما حدث في إجتماع القيروان الأخير الذي خلق أزمة لأنّ هناك من حاول فرض رأيه خارج أطر الحزب . وهذا أمر مرفوض لأنّه يفرغ العملية التوافقية و الديمقراطية داخل مؤسسات الحزب من كلّ محتواها.
هل أنّ موعد عقد المؤتمر سيبقى مجهولا إلى ما لا نهاية؟
لا. أنا لا أعتقد ذلك.نحن منحنا انفسنا بعض الوقت حتّى نتوصل إلى توافقات حول هذا الموضوع. لكنّنا لن نبقى ننتظر طويلا. و أعتقد اننا سنعمل فورا في أقرب وقت ممكن على الخارطة التي تمّ وضعها في خطوطها العريضة داخل المكتب التنفيذي وسوف نشرع في تطبيقها.
ما جعلنا نتمهّل قليلا،هو أنّنا حاولنا أن نجد آليات حوار مع الجماعة لكي لا نبدأ في عمليّة تقسيم الحزب أو شقّه. لا أعتقد إلى شطرين ولكن هي مجموعة صغيرة من داخل الحزب، وهذا لكي لا نذهب في جانب لا نحمد عقباه ولكن لن ننتظر طويلا. سأكون واضحا أمام الجميع مهما كانت النتائج من الافضل ان الحزب يواصل عمله حتّى و إن كان تنقصه بعض الأطراف بعيدا عن الخصومات الفارغة.
هل نفهم من متن كلامكم تهديدا مبطنا لرموز الخطّ المقابل بأنّه قد تطالهم قرارات صارمة و موجعة؟
ليس تهديدا و أنا أريد التأكيد على أنيّ لا أتبنى خطّا خاصّا.أنا بصدد تبني مقرّرات المكتب التنفيذي الذي هو السلطة الحقيقية للحزب فهو يضمّ كلّ النوّاب المنتخبين و مشكلّ من كلّ المنسقين الجهويين و مكونات المكتب السياسي للحزب.
نحن ذاهبون في هذا التوجه الذي أقرّه المكتب التنفيذي. الاخوة إذا أرادوا العودة إلى هذه المؤسسة و نحاول الأخذ بعين الاعتبار ببعض مقترحاتهم. هذا أمر ممكن لأنّ المكتب التنفيذي ليس لديه مصلحة شخصية يعبّر عنها، فهو يضمّ قرابة 180 شخصا يمثّلون تقريبا كلّ الحزب.
في حال لم يتسن لكم رأب الصدع،هل من الممكن أن تذهب مؤسسات الحركة في اتجاه اتخاذ قرارات معيّنة ضدّ المخالفين لكم في هذه التوجهات؟
هذا يبقى أمرا مفتوحا على كلّ الاحتمالات.إذا الحزب لم تحترم مؤسساته نفسها فلا يمكن أن يحترم الحزب نفسه ولا يمكن أن يتقدّم إلى الأمام.
كلّ هذا الكمّ من المشاكل داخل النداء قد يؤكد الطرح القائل بأنّ حزبكم تسبّب في تصدير أزمته للحكومة و لمؤسسات الدولة وهو ما ساهم تأخر معالجة العديد من الملفات الحارقة والتي كانت عناوين بارزة في حملتكم الانتخابية؟
أنا أريد التأكيد على أنّنا قمنا بكلّ من في وسعنا حتّى لا تنعكس هذه الأزمة على الحكومة. والدليل أنّ مؤسسات الحزب تعمل مثل اللجنة الاقتصادية والاجتماعية التي قامت بوضع برنامج محيّن وتمّ الحوار حوله مع بقية الأحزاب المشكلّة للحكومة وقد رشح عن ذلك تصوّر مشترك بين الأحزاب الأربعة،وكان لنداء تونس مساهمة كبيرة في ذلك.
وهنا أريد أن أحيي أعضاء اللجنة الاقتصادية والاجتماعية للحزب والاخوة السيد عفيف شلبي و السيد بوجمعة الرميلي الذي هو مهتمّ بهذا الموضوع. ونحن داخل الأحزاب الأربعة،الوفاق الذي حصل حول البرنامج تمّ تسليمه لرئيس الحكومة وعلى أساس أنّه سيعطيه رؤية حول تصوّرات الأحزاب الأربعة،لكي يستطيع هو من داخل هذه الرؤية يقوم ببلورة المخطط الخماسي الاقتصادي. ونحن جلسنا بالأمس(الجمعة 9أكتوبر) مع رئيس الحكومة و اتفقنا معه على أنّ الأحزاب الأربعة ستقوم بالنظر في مشروع الميزانية لكي تعطي مقترحاتها،ثمّ جدّدنا أكثر من مرّة ثقتنا في العمل الحكومي و السيّد رئيس الحكومة حتّى و إن كان هناك حياة ديمقراطية داخلنا و آراء مختلفة للأداء الحكومي. وهذا لا يعني أنّنا ضدّ الحكومة،بالعكس تماما النقد الايجابي الهدف منه هو التحسين. لذلك أعتقد أنّ نداء تونس ومؤسساته تعمل و هي ما انفكت تقدّم المقترحات،وهي تسعى لتجنيب الحكومة و البلاد أيّ تأثير قد يكون ناجما عن الحوار الداخلي في الحزب.
وفي كلّ الحالات،عندما تنظر إلى التجارب الديمقراطية الأخرى،ترى أنّ كل الأحزاب تعيش في حالة حيويّة. وأنا مثلا كنت في ألمانيا و رأيت الحزب الحاكم المسيحي الديمقراطي يعرف خلافا كبيرا حول موضوع اللاجئين و المهاجرين وطالبي اللجوء.
في فرنسا تعرفون خلافات الحزب الذي أصبح يسمى بـ”الجمهوريون”.
والحزب الاشتراكي كذلك كانت فيه خلافات. ورغم أنّه في السلطة.
نحن نعلم أن تجربتنا مازلت هشّة لذلك علينا بالحذر أكثر ما يمكن.
هل ترون أنّ الحكومة الحالية قادرة على استكمال مسيرتها في ظلّ الانتقادات التي وجهت لها خاصة من قبل قيادات وازنة داخل نداء تونس و آخرها ما رشح من تصريحات عن الوزير المستقيل لزهر العكرمي؟
أنا أعتقد أنّ الانتقادات تحصل. لكن أفضل شيء هو اخذها بعين الاعتبار بشكل ايجابي. هذه حكومة تمثّل دولة وليست خصومة بين أشخاص أو مجموعات. لذلك يجب أن تستفيد الحكومة أكثر ما يمكن من هذه الانتقادات. ورئيس الحكومة لديه تقييم هو بصدد القيام به،وهو صاحب القرار النهائي في علاقة بتغيير حكومته. غير أنّ هذا الأمر غير مطروح حاليا.
وهو إلى حدّ الآن لم يطرح موضوع امكانية تغيير للحكومة للنقاش وهنا أقصد التحوير الجزئي مثلا.
نحن دورنا المساندة ولكن لنا رأي و ملاحظات ونقد نوجهه له بالطرق السليمة،و أنا أعتقد أنّ رئيس الحكومة سيأخذ بها.
برأيكم، هل أنّ أجل التقييم الصارم و الموضوعي لأداء الحكومة قد حان بما يعني إمكانية إجراء تحوير وزاري و لو جزئي؟
بخصوص التقييم،هذا الموضوع نحن طالبنا به منذ الاجتماع الأخير للمكتب التنفيذي. والتقييم لا بدّ منه.ولرئيس الحكومة نفس التوجه فعندما نجلس معه نجد لديه تقييما نقديّا.
لكن فرضية أن يؤدي هذا إلى التحوير أو لا يؤدي ومتى قد يحصل هذا التحوير،هذا من مشمولات رئيس الحكومة الذي فوّض له الدستور سلطة القرار النهائي ونحن يجب أن نحترم ذلك.
هذا لا يمنع من أنّ لحزبكم تقييمه الخاص به. هل لكم أن تطلعوننا عليه؟
نحن لدينا لجنة تقييم تعمل حول هذا الموضوع و إلى حدّ الآن لم تقدّم لنا ملاحظاتها.
عندما تنتهي هذه اللجنة من مهامها سوف تقدّم لي تقريرها و أنا بدوري سوف أسلّمه للسّيد رئيس الحكومة في إطار الاحترام. نحن لا نريد زعزعة الأوضاع لأنّه كما تعلمون الظرف صعب للغايّة.
طيّب، على الأقّل كيف تقيّمون أداء الوزراء الندائيين؟
المكتب التنفيذي في اجتماعه قبل الأخير تحدّث مع الوزراء و كان لديه بعض الملاحظات وقد طلب منهم العمل أكثر و أنتم لاحظتم أنّ وزراء نداء تونس يعملون بجهد كبير جدّا.
طبعا وزير الخارجية الطيّب البكوش يعمل في ظروف صعبة اتّسمت بها العلاقات الخارجية و تميّزت بانقسامات داخل الساحة العربية و حروب. ليس من السهل أن تجد تونس لنفسها موقعا في الوسط بين كلّ هؤلاء الذين هم في حالة صراع. ونحن لانريد أن نكون في محور ضدّ آخر.
السيّد وزير التربية يقوم بمجهود كبير جدّا للاصلاح و العناية بالمؤسسات التربوية التي هي و للأسف في وضعية مزرية.
وزير الصحّة كذلك .والقطاع الصحّي برمته يتطلّب إصلاحات عميقة.وزير النقل ايضا.
طبعا كلّ وزير له أسلوبه في العمل. ونحن بعد شهر من الآن سنجتمع بهم مرّة أخرى لكي نستمع إليهم و نقدّم لهم تقييم الحزب لأدائهم.
ونحن نريد من وزراء نداء تونس أن يكونوا النموذج الأمثل و القدوة للجميع.
الشأن الحكومي يحلينا مباشرة على أداء تنسيقية الأحزاب المشكلّة للحكومة وخاصة على العلاقة بين الحزبين الرئيسيين نداء تونس والنهضة والتي يبدو أنّه ينطبق عليها قوله تعالى:” تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى”. أليس كذلك؟
أوّل شيء “تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى”،هذا كلام الله سبحانه وتعالى. تلك هي الديمقراطية التي فيها الاختلاف لذلك هناك مجموعة أحزاب لا حزب واحد.
الديمقراطية تقوم على التنوع. وبالنسبة لحركة النهضة،مثل بقيّة الأحزاب المكونة للحكومة،نحن علاقتنا معها جيدة و مع الجميع .
نحن في ائتلاف حكومي مع بعضنا البعض.نحن نتحاور مع بعضنا وأحيانا نتفق حول بعض الأشياء و في أحيان أخرى لا نتفق.
ولكن طبعا اتفاقنا و اختلافنا لا يجب أن يحجب قضيّة هامة في الديمقراطية وهي أنّ التعاون بين الأحزاب لا يعني ذوبانها في بعضها.
هذه الأحزاب تنافست في الانتخابات. نحن لا يمكن أن نقول الآن أننا سنوحدها . مشروع نداء تونس مثلا يختلف عن حركة النهضة.
نحن تنافسنا والشعب قال رأيه عبر الآلية الديمقراطية. وهو الذي اختار المشروع العصري لنداء تونس.
و أنا ضدّ الاستئصال و العنف. وقد اخترنا الديمقراطية و الدستور. ولكن تبقى هناك اختلافات في ما بيننا ولذلك نحن قلنا في الانتخابات المقبلة سيخوضها نداء تونس بقائمات منفردة لأنّه يعبّر عن رأي ناخبيه و ناخباته. هم انتخبوا نداء تونس دفاعا عن توجه معيّن يجب المحافظة عليه. هذا التوجه هو وطني و عصري مخالف للآخر المحافظ الذي هو لديه سماته كحزب إسلاميّ.
المهم أنّ التجربة الديمقراطية التونسية منحتنا إمكانية التوافق التي كانت وراء حصولنا على جائزة نوبل. ولكن يجب أن نحتفل بالسمة الأساسيّة للتجربة الديمقراطية القائمة على التوافق بين الأحزاب التي لها مشاريع مختلفة مثلما يحصل في كلّ الديمقراطيات.
الوزير المستقيل لزهر العكرمي في تصريحاته مؤخرا قال” إنّ حركة النهضة لم تكن في مستوى الشراكة التي وضعت مع نداء تونس”. هل تتقاسمون معه هذا الرأي؟
نحن نرى أنّ لزهر العكرمي بنى موقفه على أشياء نحن نلاحظها. فمثلا جريدة الفجر التي هي لسان حال حركة النهضة نشاهد فيها مقالات تعود بنا إلى أجواء سنة 2012،وفيها توجّه لا يمكن قطّ اعتباره توجها لائتلاف حكومي. ونحن قلنا سنردّ على الجرائد بالجرائد ولكن هذا يؤكد فكرة اختلاف المشروعين اللذين يمكن أن يتعايشا رغم الاختلاف.
ونحن نلاحظ تصريحات قامت بها بعض قيادات النهضة لمّا قال رئيس الجمهورية إنّه ضدّ تحجيب الفتيات الصغيرات،هناك من أقام الدنيا ولم يقعدها من داخل النهضة،وهذا عيب لأنّنا نحن نتحدث عن حقّ الطفولة وهو دستوري. موقف لزهر العكرمي أشاطره فيه لأنّه لما يكون الطرف الآخر وحتّى وإن كان منافسا يريد أن يتدخّل في صراعاتك الداخلية ،حتّى بطريقة إعلاميّة مثلا،هذا يجعلنا أمام ضرورة الدفاع عن أنفسنا و عن المشروع الوطني العصري الذي يمثّله نداء تونس.
هل هذا يمكن أخذه بعين الاعتبار كاتّهام مباشر لحركة النهضة بتغذية أزمة نداء تونس؟
أنا أحكم على جريدة الفجر. هي ناطقة باسم من؟ أليس باسم حركة النهضة؟
الأمور واضحة، كلّ المقالات تقوم على التفريق.
ونحن نستطيع الردّ على كلّ من يحاول خلق أزمة داخلنا بالطرق التي نرى أنّها مناسبة. لكن المهم ألاّ يكون هناك من هو داخل النداء منخرطا في هذه المساعي.
في نداء تونس هناك من قال إنّ هنالك جدّا مشتركا بين النداء و الإسلاميين هو عبد العزيز الثعالبي. وهناك من قال لماذا لا يكون هناك حزب إسلامي- دستوري. طبعا هؤلاء ضدّ مصلحة الحزب.و القلاع الحصينة لا تفتكّ إلاّ من الداخل.
كلامكم هذا قد يوحي بأنّ شعار الشراكة السياسيّة بين النهضة والنداء في جوهره يتلخص في مقولة” مكره أخاك لا بطل” وربّما عملا بالقاعدة الفقهيّة “الضرورات تبيح المحظورات” في الجهة المقابلة؟
إنّ كلّ الائتلافات الديمقراطية تقوم على أساس فكرة “مكره أخاك لا بطل”، لأنّها تعبير عن إرادة الناخب الذي وضع هذا الحزب في المرتبة الأولى و الآخر في المرتبة الثانية..،وفقا لنسب لا يمكن أن تقام حكومة قويّة دون احترامها.
هل يمكن أن يتحوّل هذا إلى عملية شراكة بين هذه الأحزاب سلمية و متينة؟ هذا يتطلّب إرادة الأحزاب المختلفة. وإلى حدّ الآن هذه الإرادة غير موجودة بالشكل الكافي.و إلاّ قد يكون هناك رغبة في ألاّ تتمثّل هذه الشراكة من خلال المؤسسات ولكن من خلال الأشخاص.
وثانيا،الناس يبقون دائما متربصين و يقولون ننتظر قد تأتي فرصة لتكسير ذاك الحزب. وهذا موضوع لن نسمح به لأسباب متعدّدة.
أوّلا: لأنّ الحياة الديمقراطية في تونس لا تنجح إلاّ بوجود أحزاب قويّة.
ثانيا: لأنّ الحزب الذي قمنا ببنائه هو استمرار للحركة الوطنية العصرية و تعبير عن إرادة ناخبيه والعديد من التونسيين الذين ساهموا في تكوينه و حوّلوه في وقت قياسي من حزب في طور النشوء إلى الحزب الأوّل في الحياة السياسيّة.
ألا يمكن أن يكون مضمون و هدف خطابكم هذا إعادة لإنتاج ما يعتبره البعض” فزّاعة حركة النهضة” في إطار بداية التحضير للاستحقاقات الانتخابية المقبلة؟
أنا أحدثك عمّا أقرؤه في جريدة الفجر. هذه ليست فزّاعات. نحن بصدد القيام بملاحظات حول شيء موجود ولم نقم بأيّ فزّاعة.
لكن الموقف الرسمي لحركة النهضة الذي يصرّح به خصوصا راشد الغنوشي يعبّر عن وجود دفء في العلاقة معكم و يؤكد على أنّ هذه الشراكة هي خيار استراتيجي تغليبا لمصلحة البلاد التي هي فوق الأحزاب؟
كيف ذلك؟ أرجو أن تذكرني.
مثلا قيادات الصفّ الأوّل في حركة النهضة في أكثر من تصريح إعلامي تقول ما مفاده أنّ حزبها لا يتدخّل في الشأن الداخلي لنداء تونس و أنّ الاتّهامات الموجهة لها هي باطلة و جوفاء؟
أرجو أن ينسحب هذا الكلام على جريدة الفجر التي هي ناطقة باسم حركة النهضة.
نحن حينما نقدّم حكما يكون حول كلّ المكونات. ونحن نلاحظ تضاربا في الكلام وفي كلّ الحالات دائما نتوسم الخير ولكن هذا الخير فيه حدود.
إزاء كلّ الآنف ذكره من قبلكم ، هل أخطأ نداء تونس حينما اختار التحالف مع حركة النهضة لتكوين الحكومة؟
لا أعتقد بوجود خطإ. هناك إرادة الناخب التونسي الذي فرض هذا الوضع . يبقى فيما بعد،نحن قمنا بهذه الشراكة ليس على حساب التوجه الوطني العصري الذي فرضته الانتخابات وليس على حساب ناخبينا و لا على حساب المصلحة الوطنية العليا.
لذلك أطلب من الجميع تقديم المصلحة الوطنية العامة على حساب أيّ مصلحة أخرى.نحن نعرف أنّ التجربة الديمقراطية مازالت هشّة وتهدّدها مخاطر ارهابية و الوضع الاقتصادي الصعب الذي يخيّم على البلاد. ولابدّ على الحكومة أن ترتكز على الشراكة و أن تسير إلى الأمام بسرعة عبر اجراء الاصلاحات. وهنا لا اتحدث عن رئيس الحكومة و الحكومة فقط،بل على الأحزاب الأربعة أيضا التي هي مطالبة بالتعبير عن هذه الارادة والسعي لتنفيذها والمضي قدما في اتجاه دفع العجلة الاقتصادية بسرعة و التقدّم في اتجاه القضاء على الارهاب و محاربة الفساد.
مؤخرا أعلنتم عن ترشحكم للانتخابات البلدية التي لم يحدّد تاريخها بعدُ،البعض قرأ في ذلك مناورة لمحاولة احتواء جذوة الانتقادات التي طالتكم بعد الضجّة التي أثارتها تصريحات نسبت لكم حول طموحكم في الوصول لسدّة الحكم في قرطاج أو القصبة.كيف تعلّقون على هذا الموضوع؟
أوّلا تلك التصريحات التي وردت في حوار صحفي معيّن نقلت للأسف بشكل غير دقيق. ولهذا قامت الصحيفة لاحقا بتصحيح ما قلت لأنّه حرّف.ولو أنّ كلّ من يعمل في السياسية له الحقّ في أن يكون لديه طموح.
ولكنّ هذا لا يمكن أن يكون قراره، بل هو قرار من سينتخبه داخل حزبه.
يبقى بالنسبة للانتخابات البلدية ،قلت إنّها هي المناسبة الوحيدة المقبلة والمعروفة. فالانتخابات الرئاسية و التشريعية مطروحة في 2019.
ونحن نرى أنّه من الضروري أن نعطي أهميّة بالغة للانتخابات البلدية،فهي التي ستؤسس للحكم المحلي.
لهذا قلت أنا بوصفي الأمين العام للحزب سأترشح لهذه الانتخابات أوّلا لأهمية العمل المحليّ فكلّ القيادات السياسية حسب اعتقادي يجب أن تبدأ من هناك لتكوين تجربة.
وثانيا حتّى نعطي للمواطن رسالة مفادها أنّ الانتخابات البلدية مهمة ويجب دخولها بقائمات منفصلة ونضع فيها كلّ قياداتنا للفوز فيها وخدمة الناس على المستوى البلدي.
وفي كلّ الديمقراطيات في العالم،القياديون السياسيون لا بدّ أن يمروا عبر تجربة الحكم المحلي حتّى يتمكنوا من خدمة المواطنين و معرفة مشاكلهم اليومية و الحياتية.
ولذلك فالقرار استراتيجي ولا علاقة له بالمناورة.
في أكثر من ظهور إعلامي أشرتم إلى أنّكم قد طلقتم اليسار ونظيمته الأيديولوجيّة منذ التسعينات. هل أنّ العائلة الفكرية التي تنحدرون منها باتت تمثّل مصدر قلق بالنسبة لكم في ظلّ الآفاق التي فتحت لمستقبلكم السياسي؟
لا أبدا. العديد من الأشخاص لا يعلمون أنيّ لمّا كنت تلميذا في أوّل حياتي السياسية ولما كان عمري 16 سنة ،أوّل تجاربي كانت في شعبة الحزب الاشتراكي الدستوري القريبة من بيتي. وقد بقيت سنة ونيفا و أنا أنشط في الشعبة. فيما بعد انضممت إلى اليسار و أنا تلميذ وقد عشت تجربة يسارية أتشرّف بها وانا فخور بأيّام النضال من أجل الديمقراطية والحريّة.
يبقى من أوّل التسعينات قطعت مع الفكرة الماركسية لأنيّ أعتبر أنّها أيديولوجيا غير صالحة لتونس من الناحية الفكرية.
أنا أعتبر الماركسية قائمة على الجمود وضدّ الحريّة الفكريّة وهي تعتقد أنّ الحقيقة المطلقة موجودة في فكرة واحدة. أنا قطعت مع كلّ هذا بيني و بين نفسي قبل أن تكون القطيعة السياسيّة.
هل كان ذلك نتاجا لمراجعات عميقة؟
نعم قمت بمراجعات طويلة جدّا بين عامي 1991 و 1992.وبداية من سنة 1992 لم يعد لي أيّة علاقة بالفكرة الماركسيّة. وهذا ليس كلاما أقوله فقط بل هو مكتوب في أطروحتي الجامعية حول اليسار الطلابي و التي كلّ من يراجعها بامكانه أن يجد ذلك مدونا و موثقا.
ثمّ على المستوى الدولي توصلت إلى قناعات معينة حيث أصبحت براغماتيا على مستوى المقاربات،وأكثر منه ليبيراليا على المستوى الاقتصادي.طبعا مع الحفاظ على الجانب الاجتماعي و أنّ الدولة تخدم الجميع. ولكن الآن لو تسألني ماهو انتمائي أقول لك أنا بورقيبي جديد.
والبورقيبية الجديدة في مقاربتها الجديدة التي تحدثت عنها هي الاطار الفكري و السياسي والنظري الذي يمكن أن يمكننا من المضي بالتجربة الاصلاحية لتونس التي عمرها قرنان إلى الأمام.
الحديث عن اليسار من شأنه أن يأخذنا إلى التطرق لعلاقة النداء من الجبهة الشعبية حليفكم السابق في جبهة الانقاذ. كيف ترون آفاق التعاون بينكما خاصّة في ظلّ الفتور الحالي والذي بلغ أحيانا حدّ التوتّر؟
هو ليس فتورا. بالطبع الجبهة الآن في المعارضة ونحن في الحكومة ولكلّ طرف منها وضعه الخاص.
أنا أعتقد علاقتنا معهم مثل بقية الأحزاب يجب أن تكون قائمة على التشاور المستمرّ.
للأسف حاليا هذا غير حاصل.و أنا أعتقد أنّ على نداء تونس المبادرة بمدّ جسور الحوار معهم رغم الاختلاف لكن في نهاية المطاف الجبهة طرف مسؤول وهناك إمكانية للأخذ بعين الاعتبار برأيها فالديمقراطية ليست حكم الأغلبية فحسب،بل للأقلية حقّ في التعبير عن رأيها. و إذا كانت هناك مقترحات ايجابية أعتقد أنّه من الضرورة التحاور حولها ولم لا الأخذ بها من خلال التعامل معها بايجابية.
هذه المقاربة الديمقراطية التي تراعي حقوق الأقليّة،ألا ترى أنّ حزبكم لم يستأنس بها في بعض القضايا الوطنية الشائكة على غرار مشروع قانون المصالحة الاقتصادية؟
من حقّ المعارضة أن يكون لها راي في هذا الموضوع. ونحن طالبنا فقط أن يكون الحوار حولها داخل المؤسسات. نحن منفتحون و مازلنا ننتظر مقترحاتهم في هذا الشأن.هم من حقّهم أن يختلفوا معنا ونحن من حقّنا أن نختلف معهم.
الديمقراطية هي نظام إدارة الخلاف دون نفي الطرف الآخر.
في الديمقراطية حينما أكون مختلفا معك لا يمكن أن أزج بك في السجن لهذا السبب بل على العكس يجب أن أدخل معك في حوار و إذا اختلفنا كثيرا نذهب إلى الشعب الذي يكون حكما بيننا.
نحن ندعوهم إلى أن يكونوا معنا في قواعد اللعبة الديمقراطية التي حددناها و اخترناها معا في الدستور.
هل من الممكن أن تدخلوا تغييرات على مشروع قانون المصالحة الاقتصادية في ظلّ تصاعد المواقف المعارضة والتي تصفه بأنّه محاولة لتبييض الفساد؟
المشروع قدّمه السيّد رئيس الجمهورية و قال إنّه منفتح على التعديلات و التغييرات.
وماذا عن مقترحات حزبكم في هذا الشأن؟
نحن قدمنا مقترحات حول ضرورة ألا يشمل الصلح العناصر الثلاثة الموجود في مشروع القانون وهي موضوع الادارة و الناس الذين قاموا باختلاس أموال دون واجب شرعي و مسألة الأرصدة التي هي في الخارج. أضفنا لهذا صلحا داخليا حول الأموال السائلة الموجود خارج التبادلات الشرعية أي من صلب أنشطة الاقتصاد الموازي لأنّ هذا يمثّل خطرا كبيرا على الدولة.
فالاقتصاد الموازي بالامكان ادماجه في الدورة الاقتصادية القانونية.
هذه مقترحات صدرت عن طريق أصوات من صلب الحزب.ونحن قلنا انّ هذه العملية هي صلح أكثر من مصالحة التي تحيل على مسألة سياسية والقانون المقترح اقتصادي.
وهناك أحزاب أخرى قدمت مقترحات حول كيفية اعطاء فاعلية للمؤسسات الموجودة داخله والتي هدفها تطبيق القانون.
هناك من قال اللجنة التي ستشرف على عملية الصلح لماذا لا ندخل فيها شركات تدقيق خاصة وهي تعرف بالضبط حجم الأموال حتى نقوم بابعاد الجانب السياسي و ضمان الحيادية في العملية إذا كان هناك لا قدّر الله نيّة ابتزاز أو خدمة المصالح السياسية على حساب الاقتصادية.
وأنا ليس لديّ أيّ مشكل في الأخذ بمثل هذه المقترحات.
هل ستمضون في تمرير هذا المشروع داخل البرلمان حتّى في حال تمسّك المعارضة بموقفها الرافض شكلا و مضمونا للمسألة والتي ترى فيها ضربا لمسار العدالة الانتقالية؟
نحن الآن تحصلنا على جائزة نوبل بسبب التوافق. وإن شاء الله نكون في مستوى الجائزة و نجد توافقا حول مشروع القانون و إلاّ في الوقت المناسب حسب روزنامة البرلمان سيمرّر على النقاش في مجلس نواب الشعب. و أنا حسب ما سمعت من السيد محمد الناصر رئيس البرلمان المسألة لن تحدث الآن على عجل حيث هناك مشاريع قوانين أخرى ذات أولوية قصوى مثل المحكمة الدستورية،وفي وقت معيّن ستأتي فرصة لكي يناقش مشروع القانون هذا. وإن شاء الله من هذا الوقت إلى حين تحديد موعد للمسألة نجد ضيغا لاقامة حوار مع الأحزاب المعارضة.
علاقتكم برئاسة الجمهورية بعد الاستقالة من منصب الوزير المستشار للرئيس الباجي قائد السبسي. كيف هي الآن؟
العلاقة طيبة. وأنا أعتبر أنّ البورقيبية الجديدة هي الخطّ الذي سطّره الأستاذ الباجي قائد السبسي داخل الحزب.
هؤ يبقى دائما مؤسس الحزب و البرنامج الذي قام بوضعه مازال هو الذي يقودنا جميعا.
وثانيا: بالنسبة لنا كحزب دائما نتشاور مع الرئيس مثل بقيّة الأحزاب.
وأنا أزوره باستمرار حسب ما تتيحه روزنامته. نحن كالعادة نستمع إليه و نعطي رأينا أيضا. وأنا كنت قد التقيته بالأمس(الجمعة 9 أكتوبر) في نفس الاطار. و الأمور تسير على أحسن ما يرام.
ما صحّة الأخبار التي راجت حول امكانية تدخل رئيس الجمهورية بطريقة مبطنة باعتباره الزعيم الروحي و المؤسس للنداء من أجل حلحلة الخلافات المستعرة داخله؟
أنا أعتبر أنّه شيء طبيعي تدخل مؤسس الحزب في بعض الأحيان. وهذا لا يتناقض مع دور الدستور. هو رئيس كلّ التونسيين. وفي الدور الثاني من الانتخابات رشحته مجموعة من الأحزاب.
بالاضافة إلى أنّه مؤسس في نداء تونس،وحتّى من جانب دستوري،إذا ما قام بدور إيجابي وهو دائما يقوم بدور إيجابي لايجاد حلّ لقضيّة من القضايا الوطنية باعتبار أنّ نداء تونس هو قضيّة وطنيّة،هذا موضوع مرحب به وهو شخص محايد وليس مع هذا الطرف أو ذاك مهما كان الأمر. ونعتقد أنّه يمكن أن يقوم بدور مقبول و إيجابي.
وصفتم موقف رئيس الجمهورية من أزمة النداء بالمحايد. فماذا عن بقيّة قيادات وأعضاء حزبكم من الذين التحقوا بديوان الرئاسة؟
هذه قضيّة أخرى وقد أشرت لها في السابق وقلت إنّه قد صار هناك خلط لدى بعض الناس الذين يتصورون وكأنّ رئاسة الجمهورية مصطفة إلى جانب طرف ضدّ آخر.
وهو في الواقع ليس الرئيس طبعا،يمكن ان بعض الاخوة مثل أخينا رضا بلحاج الذي هو -لا ننسى- عضو المكتب السياسي في بعض الأحيان لمّا يستعمل هاتف رئاسة الجمهورية أو يقوم باستقبال أحد الأشخاص في إطار الخلاف الحاصل،هذا يعطي انطباعا لدى الناس و كأنّ الرئاسة منخرطة في هذه الخلافات.
لهذا توجهنا له بالطلب بأنّه في المستقبل إذا كان لديه أيّ رأي يريد التعبير عنه أو أيّ عمل يريد القيام به بامكانه الابتعاد عن كلّ ما من شأنه أن يحيل على أنّ الرئاسة و الرئيس لهما علاقة بالموضوع. وخارج فضاءات الدولة بامكانه أن يقوم بما يريد لكي لا يحصل الخلط باسم أيّ نوع من أنواع الاشكاليات غير الضرورية.
في ختام هذا اللقاء المطوّل،أيّ رسالة يمكن أن توجهوها لهذه الشخصيات؟
*حافظ قائد السبسي:ان الفتى من يقول ها انذا…ليس الفتى من يقول كان أبي .
*راشد الغنوشي: تونس لا تستطيع التقدّم خارج المشروع الوطني العصري الذي صاغته الحركة الوطنية العصريّة و الذي أسّسته التجربة البورقيبية التي هي الآن تتواصل سواء عبر ثورة 14 جانفي أو من خلال نداء تونس.
*الحبيب الصيد: كان الله في عونه. والمهم هو الثبات و الجرأة.
*عدنان منصر: الدولة لها مقتضياتها السياسية المختلفة عن المقتضيات الأكاديمية و السياسوية.
*سهام بن سدرين: أساس العمل في العدالة الانتقالية هو الحياد.
*حسين العباسي: مبروك جائزة نوبل له و لبقية رباعي الحوار. واتحاد الشغل لا بدّ أن يكون معنا رأس حربة الاصلاحات الكبرى لأنّها سينتفع بها الشغّالون ولأنّ خلق الثروة هو الشعار.
*محمد عبّو: لا تبنى السياسات على الشعارات فقط ولكن على البرامج و القدرة على احترام اللعبة الديمقراطية.