92
نظّم مجلس نواب الشعب ببادرة من الأكاديمية البرلمانية صباح اليوم الاثنين 12 فيفري 2024 يوما دراسيا برلمانيا حول “السياسة الاجتماعية في تونس”، أشرف عليه السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب، وحضره نائبا الرئيس والسيد نادر العجابي، مدير عام الضمان الاجتماعي، وعدد هام من النواب والضيوف والإطارات.
وافتتح السيد إبراهيم بودربالة رئيس مجلس نواب الشعب اليوم الدراسي بكلمة أكّد فيها العناية التي يوليها المجلس لمنظومة الضمان الاجتماعي وأزمة الصناديق الاجتماعية، لما يكتسيه هذا المجال من أهميّة وانعكاس مباشر على المواطن. كما ثمّن تناول هذا الموضوع في إطار الأكاديمية البرلمانية بهدف تعميق النظر وتشخيص واقع الأنظمة الاجتماعيّة.
وقدّم السيد نادر العجابي مدير عام الضمان الاجتماعي مداخلة حول واقع أنظمة الضمان الاجتماعي في تونس، وتناول المعايير الدوليّة للضمان الاجتماعي التي يقع على أساسها تقييم المنظومات التي تعتمدها الدول. وتطرّق إلى المعايير الدنيا للمنافع الاجتماعية التي نصّت عليها الاتفاقيّة عدد 102 لسنة 1952 لمنظمة العمل الدولي وعددها تسعة، وتتعلّق بالرعاية الطبيّة وإعانة المرض واعانة البطالة، وإعانة الشيخوخة واعانات إصابة العمل والاعانات العائلية، وإعانة الامومة، وإعانة العجز وإعانة الورثة.
وأشار الى التوصية 202 لمنظمة العمل الدوليّة التي تنص على توسيع نطاق الحدود الدنيا للحماية الاجتماعيّة وتكييفها مع الظروف الوطنيّة. وتتضمّن هذه الحدود الدنيا أربع ضمانات أساسيّة على الأقل وهي التغطية الصحيّة الشاملة، ودخل أدنى للفئات في سنّ النشاط، وضمان دخل أدنى لكبار السنّ، وحدّ أدنى من الدخل لفائدة الأطفال.
واستند السيد نادر العجابي، في إطار بيان واقع الضمان الاجتماعي، إلى الدستور التونسي في بابه المتعلّق بالحقوق والحريات وبالذات الفصل 43 ، الذي ينصّ صراحة على ضمان الدولة للرعاية الصحيّة والتغطية الاجتماعية.
وأوضح أن توازن أنظمة الضمان الاجتماعي مبني أساسا على التمويل، الذي يتأتّى من المساهمات الاجتماعيّة، مشيرا إلى أن الدولة هي الضامن لاستدامة هذه الأنظمة.
وأفاد في سياق متّصل، بأنّ سياسة الدولة في منظومة الضمان الاجتماعي ترتكز على خمسة مبادئ هي توسيع التغطية الاجتماعيّة، والحفاظ على ديمومة الأنظمة، وتحسين المنافع المسداة، ومؤازرة المجهود الوطني للتنمية ومساندة السياسات والبرامج الاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى إرساء منظومة حوكمة رشيدة في ادارة الصناديق الاجتماعية.
وتناول من جهة أخرى خصائص نظام الضمان الاجتماعي في تونس، حيث أوضح أنه نظام توزيعي ويمول أساسا عن طريق المساهمات الاجتماعيّة. ويرتكز على مبدأي التضامن والثقة بين الأجيال. كما بيّن أنّه نظام يتأثّر بجملة من العوامل الموضوعيّة على غرار العوامل الديمغرافيّة والعوامل الاقتصاديّة. وأشار في هذا الصدد إلى عامل التوجهات السياسية ودور الدولة في تكريس “الدولة الاجتماعية” وتحسين منظومة الضمان الاجتماعي. وأفاد بأنّ الإصلاحات في علاقة بالصناديق الاجتماعيّة تتطلّب الكثير من الدراسة والتوافق بالنظر لتداعياتها المباشرة على المواطن.
واستعرض السيد نادر العجابي، مدير عام الضمان الاجتماعي في جزء ثان من مداخلته مجموعة من المعطيات حول طبيعة الخدمات المسداة للمضمون الاجتماعي في القطاع العمومي والتي تتلخّص في النظام العام للتقاعد، ونظام جرايات التقاعد للعسكريين وللباقين على قيد الحياة، ونظام تقاعد أعضاء الحكومة وأعضاء مجلس النواب والولاة، الى جانب نظام جبر الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
وبيّن أن الخدمات المسداة في القطاع الخاص تتلخص خاصّة في نظام الأجراء في القطاع الفلاحي وغير الفلاحي، إضافة الى نظام الضمان الاجتماعي للفنانين والمبدعين والمثقفين، ونظام الضمان الاجتماعي للعملة التونسيين بالخارج و النظام التكميلي للجرايات ونظام الضمان الاجتماعي للطلبة ونظام جبر الأضرار الناتجة عن حوادث الشغل والأمراض المهنية.
كما أوضح خصوصية أنظمة الضمان الاجتماعي في القطاعين العمومي والخاص ونظام التأمين على المرض، وأبرز المنافع المسداة منها الجرايات والتأمينات الاجتماعية والمنافع العائلية. وقدّم في نفس السياق معطيات إحصائية حول الضمان الاجتماعي لا سيما من حيث عدد النّاشطين وعدد أصحاب الجرايات في القطاعين العمومي والخاص. وبيّن حجم الخدمات المقدّمة إضافة الى النتائج المحاسبية لصناديق الضمان الاجتماعي، و النتائج المالية للصندوق الوطني للتأمين على المرض.
وأفاد في نفس السياق بأنّ العجز المسجّل بالصناديق الاجتماعية متأتّ من تراجع المؤشر الديمغرافي المتعلّق بالفارق بين عدد النشطين مقابل المتقاعدين الذي انخفضت نسبته من بين 5 و6 بالمائة إلى 2.7 بالمائة، إضافة الى ارتفاع مصاريف التأمين على المرض، مؤكّدا أن هذا التراجع بدأ يتقلّص في سنة 2022.
كما شدّد على أهمية إصـــــلاح أنظمة الضمان الاجتماعي عامة وأنظمة التقاعد خاصة معتبرا أنه من أوكد الملفات الوطنية وهو مسؤولية مشتركة وشأن مجتمعي وتبقى وزارة الشؤون الاجتماعية هي قاطرته الأساسية بالتعاون مع كافة الأطراف المتدخلة.
وأكد أهمية الأخذ بعين الاعتبار لعامل الزمن وتأثيره الأساسي على نتائج عمليات الإصلاح، مبيّنا أن تأخّر الشروع في تطبيق الإصلاحات سيضاعف من حجم الجهود اللازمة لاستعادة توزان الأنظمة ويؤثر سلبا على الجوانب الاجتماعية والاقتصادية.
واعتبر ان منظومة الإصلاح تتطلب تطوير رؤية منسجمة مع إشكالية التقاعد و تكون قابلة للتطبيق وواقعية وعادلة ومتوازنة، مع مراعاة إكراهات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتضامن والعدالة الاجتماعيين والحفاظ على حقوق ومصالح الأجيال القادمة.
وخلال النقاش العام طرح النواب مجموعة من التساؤلات تمحورت أساسا حول دور الدولة الاجتماعية وفق ما نص عليه الدستور الجديد، والسياسة الاجتماعية التي يجب أن تتوخّاها، معتبرين أن منظومة الضمان الاجتماعي هي جزء من السياسة الإجتماعية .كما طرحوا استفسارات تمحورت أساسا حول القطاع الموازي وإمكانية توسيع قاعدة المنخرطين وإيجاد حلول لدمجهم باعتبار انهم يمثلون نسبة هامة. كما تم التطرّق الى كيفية تحسين خدمات الصناديق بما يتلاءم مع احتياجات المواطن ووضعيته الاجتماعية. واعتبر البعض ان الحلّ يكمن في التشجيع على مشاريع الضمان الاجتماعي والمراوحة بين الاقتصاد التضامني الاجتماعي والشركات الاهلية للمساهمة في تمويل الصناديق.
ودعا البعض الى أهمية توحيد خدمات ومقرات الصناديق الاجتماعية، إضافة الى إرساء منظومة رقمية تتضمّن المعرف الوحيد للمضمونين لدى كل الصناديق لتسهيل الإجراءات على المواطنين، معتبرين ان منظومة الضمان الاجتماعي يجب ان تكون قائمة على احترام الذات الإنسانية.
كما تطرق النواب الى منظومة الضمان الاجتماعي لبعض القطاعات على غرار المرأة العاملة في القطاع الفلاحي، داعين الى إيجاد حل جذري لهذه الفئة الكادحة إضافة الى قطاعي المحاماة والرياضة وعدد من القطاعات الأخرى.
واستفسروا حول موضوع عزم الصندوق الوطني للتقاعد والحيطة الاجتماعية اسناد القروض للمواطنين، مؤكدين أهمية الاعداد الجيد لمثل هذه البرامج لتفادي الاخلال بمنظومة الضمان الاجتماعي .
واعتبر النواب أن الوضعية الحالية للضمان الاجتماعي تتطلب تعديلات في بعض التشريعات لتكون مواكبة لتطورات المنظومة المجتمعية. وشدّدوا على ان اصلاح المنظومة الاجتماعية لا يمكن ان يكون الا في إطار سياسة اجتماعية كاملة ورؤية استراتيجية تأخذ بعين الاعتبار التطورات الديمغرافية والاقتصادية والاجتماعية وتفعيل الدور الاجتماعي للدولة وفق مبادئ العدالة في جميع القطاعات الحيوية كالصحة والتعليم والنقل.