متلازمة “مركز علاج أطفال التوحّد”.. الجلاّدون إذ يساندهم أهالي الضحايا

يسرى الشيخاوي-

كان المشهد غريبا للغاية وبعض أهالي الأطفال ضحايا المعاملة اللاإنسانية في مركز علاج مرضى التوحّد بأريانة ينظمون وقفة تضامنية مع الجلّادين.

ورغم اعتراف الجلادين وهم صاحبة المركز و”مربّيتان” باعتدائهن بالعنف على أطفال يعانون من مرض التوحّد، إلا أنّ عددا من الأولياء الذين يؤمّ أطفالهم مركز العلاج أو بالأحرى مركز التعذيب أبوا إلّا أن يرفعوا لافتات يعبّرون فيها عن مساندتهم لصاحبة المركز ورفض إغلاقه، في مشهد سريالي يضيع المنطق في ثناياه.

الأولياء الذين كان ينبغي لهم أن يرفعوا لافتات تندّد بالممارسات الوحشية التي سلطت على أبنائهم العاجزين عن الدفاع عن أنفسهم، هاجوا وماجوا واعتبروا أنّ الفيديوهات التي سربت من المركز لا غاية منها سوى غلق المركز.

وفيما أسهبت أمّهات في الدفاع عن صاحبة المركز وتبييض أفعالها في تطبيع واضح وصريح مع العنف، سارع أحد الأولياء إلى تقديم شكاية ضد المركز بعد أن أصبح ابنه أكثر عدوانية وهو ما يؤكد تعرّضه للعنف.

الولي ذاته أكّد في تصريح إعلامي أن المديرة استبقت تسريب الفيديوهات وعقدت اجتماعا بلّغت فيه الأولياء عن توثيق موظفة سابقة لواقعة ضرب أحد الأطفال، واصفة الضرب بأنّه خفيف وبيولوجي.

سوسن الطرابلسي أيضا أمّ لم تعتبر ضرب أطفال عاجزين عن نقل معاناتهم وجهة نظر وطالبت بضرورة محاسبة كل من تورّط في تعذيب ابنها الذي ظهر في مقطع الفيديو الذي سُرّب من المركز.

ومقطع الفيديو المسرّب أثار حنق التونسيين لما تضمّنه من مشاهد قاسية تصوّر عنفا وتعذيبا مسلطين على مرضى للتوحّد في مركز كان من المفترض أن يكون ملاذا ومأمنا.

صراخ أطفال مذعورين يعلو و”مربّية” تنهال ضربا على أحد المرضى دون أن تأخذها الرأفة بضعفه ولا بردّ فعل الأطفال الآخرين، يتعبها ضرب الصبيّ وتقول بغضب “تقتلني غضبا وأقتلك ضربا” وتضيف “يداي تؤلمانني”، أمر يجعل المشاهد يعتقد أنّها ستكف عن ضرب الطفل لكنها تستنجد بقارورة بلاستيكية لتريح يديها من عناء الضرب.

نفس “المربّية”التي تحيل الى الأذهان صورة الزبانية ترنو إلى شدّ وثاق طفل إلى كرسي غير عابئة بصرخاته ومحاولات إفلاته التي جوبهت بضربات متتاليات على الوجه والرأس.

عنف ووحشية ولاإنسانية إزاء كائنات بريئة لا ذنب لها في أنّها وجدت في مكان يعذّب فيه أحباب الله ولا تراعى فيه خصوصية وضعيتها، بل إنّ بعض الأولياء هبّوا هبّة رجل واحد لنُصرة صاحبة المركز الذي شهد آهات الأطفال المعلنة منها والمكبوتة.

النيابة العمومية أذنت بالاحتفاظ بصاحبة المركز ومربّيتين ومباشرة قضيّة عدليّة موضوعها “التعذيب وسوء معاملة القصر والإعتداء بالعنف على الطفولة”، وفي انتظار أن ينال الجلاّدون عقابهم الدنيويّ يظلّ موضوع الأطفال الذين يعانون من مرض التوحّد منوطا بعهدة الدولة التي يتوجّب عليها ان تضع حدّا لمعاناتهم.

ونصرة مرضى التوحّد والتنديد بسوء المعاملة الذي لحقهم في أحد مراكز العلاج يجب ألا يتوقفا عند طلب محاسبة المتورطين في تعذيبهم وإنما أيضا إلى المطالبة بتخصيص مركز يعنى بهم ويخضع لآليات الرقابة.

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.