الموضوع : حول التجاوزات الخطيرة التي تشهدها التفقدية العامة لوزارة الداخلية.
سيدانا الكريمان المحترمان،
تحيّة طيّبة وبعد،
نحن الممضون أسفله ثلّة من الإطارات السامية بالتفقديّة العامّة الإداريّة والماليّة لوزارة الداخليّة، استنادا إلى ما يحدونا من ثقة تجاه ما يوليه خطكم التحريري من شفافية ونزاهة وحياد وسعي إلى إلقاء الضوء على مواطن الخلل قصد المساهمة في إصلاحها والنهوض بالقطاع العموميّ، يشرّفنا أن نرفع إلى عنايتكم مراسلتنا هذه والتي سنتعرّض فيها إلى عديد التجاوزات والإخلالات التي تشهدها التفقديّة العامّة لوزارة الداخليّة والتي مسّت مختلف جوانب التصرّف ( الموارد البشريّة، الانتدابات، وسائل النقل، معالجة الملفات…) وذلك خلال كامل فترة إشراف السيّد محمد صالح السنوسي (منذ سنة 2005) الذي من المفروض أن تشمله حركة إعادة التعينات خاصّة وأنّه بلغ سنّ التقاعد منذ سبتمبر 2013 ولكن تمّ التمديد له وبقي بحالة مباشرة بل ويتمّ الإعداد لمشروع أمر قصد التمديد له لسنة ثانية، رغم التجاوزات التي أتاها والتي سنتعرّض إليها في مراسلتنا هذه.
ونحن نؤكّد لكم إيماننا العميق بأنّ الإعلام هو سلطة رابعة مساندة ومحرّك للإصلاح والكشف عن مواطن الخور، خاصّة وأنّنا قد تولينا العديد من المرّات مراسلة رئاسة الحكومة ودائرة المحاسبات قصد طلب فتح بحث في التجاوزات التي قام بها السيد السنوسي ولكن بقيت مساعينا دون مجيب.
كما يجدر بنا التأكيد، أيضا، أنّنا لا نرمي من وراء مراسلتنا هذه التجريح أو التشهير أو الإفتراء، بل المساهمة في كشف التجاوزات الحاصلة والتعريف بها على أوسع نطاق ودعوة الهياكل الخاصّة للتدخّل.
ونحن نهيب بكم أن تتكتّموا على هويّاتنا نظرا للضغوطات والتهديدات التي تمارس علينا من كلّ حدب وصوب من طرف القوى التي آثرت الانصهار في منظومة "التعتيم على التجاوزات والمحافظة على الوضع الحالي كما هو".
وتجدون ضمن المرفقات جميع الوثائق التي تؤيّد التجاوزات التي سنتعرّض إليها.
سيدانا الكريمان المحترمان،
قبل التعرّض للتجاوزات الحاصلة بالتفقدية العامة لوزارة الداخليّة، نستسمحكم في الإشارة إلى عدد من المعطيات الاساسيّة التي قد تغيب عن إلمام البعض.
فوزارة الداخلية ليست إدارات عامة للأمن فقط بل تشمل عديد الإدارات الأخرى التي تهتم بشؤون البلديات والولايات والمعتمدين والتصرف في الصفقات و الشراءات العاديّة والاستثمارات وتمويل التنمية المحليّة والجهويّة ( الإدارة العامة للبلديات، الإدارة العامة للشؤون الجهوية والولايات، صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية الذي هو عن بنك تابع لوزارة الداخلية لتمويل البلديات والولايات في إنجاز مشاريعها…)، غير انه منذ الثورة لم ينصب إهتمام الجميع إلا على إعادة تنظيم الإدارات الامنية فحسب وتناسوا الإدارات الاخرى التي تنطوي على خور كبير.
ومن الامثلة عن ذلك أنّ كبار المسؤولين سواء بالكتابة العامة أو بالديوان أو غيرها من الإدارات هم من الذين خدموا النظام السابق لمدة سنوات طوال وظلوا إلى اليوم بمنأى عن آلة التطهير.
وكدليل على ذلك نفيدكم علما أنّ السيّد سفيان الصيد الذي كان رئيس مكتب العمل الحكومي ومكلف بمأمورية بديوان وزير الداخلية منذ سنة 2005 هو اليوم مدير عام صندوق القروض ومساعدة الجماعات المحلية الذي هو عبارة عن بنك لتمويل البلديات مع الإشارة إلى انّ السيّد سفيان الصيد هو امين مال الحملة الانتخابية للرئيس بن علي سنة 2004.مثال آخر نسوقه السيّد ابراهيم بن علي المدير العام للشؤون الجهويّة ومكلف بمأمورية لدى وزير الداخليّة هو نفسه تجمعي خالص والجميع يشهد بذلك ولا يزال لليوم يشغل منصبه بل وتمّ التمديد له بعد بلوغه السن القانونيّة للتقاعد وبقي بحالة مباشرة بالقطاع العام.
السيّد احمد الغطاس مكلف بمأمورية بديوان وزير الداخليّة ورئيس مكتب العمل الاجتماعي بها هو من المقربين للوزير السابق رفيق بلحاج قاسم وكان له بفضل ذلك أن يتحصّل على مسكن بحدائق قرطاج من ضمن المساكن التي وزعها بن علي لأعضاده الميامين.بالإضافة إلى ذلك فإنّ العديد من المديرين والمديرين العامين سواء بالكتابة العامة او بالديوان هو من المنتمين والدارسين بالأكاديمية السياسية للتجمع المنحلّ لسنوات والبعض منهم كان عضوا بالمجالس البلديّة زمن بن عليّ.
في هذا الإطار وحيث اردنا من موقعنا أن نقدم شهادتنا في ما يخصّ التصرّف في التفقدية العامة الإدارية والمالية ( وليست الامنيّة)، نراسلكم قصد التعرّض لما انطوت عليه الملفات التي تمت معالجتها من طرف المدير العام للتفقدية من اخلالات ومن اخفاء للتجاوزات،
1-مشمولات التفقدية العامة لوزارة الداخلية:
إنّ التفقديّة العامة الإداريّة والماليّة لوزارة الداخليّة هي أعلى سلطة للرقابة والتفقّد الإداري والمالي للوزارة وهي مكلّفة حسب النصوص التي تنظمها بتفقّد ومراقبة التصرّف الإداري والمالي لمختلف مصالح وهياكل وزارة الداخليّة والمؤسسات التابعة لها بالإضافة إلى الولايات والبلديات ( التنمية المحلية والجهوية، سير المشاريع بالوزارة وبالبلديات والولايات، تمويل الاستثمارات، مراقبة المصاريف، كشف التجاوزات…) وهي تصدر تقارير في الغرض ومن المفروض أن تقترح اتخاذ الإجراءات العاجلة والمناسبة التي تمكّن من تجاوز هذه الاخلالات قصد الحفاظ على المال العام وتجنب إهداره وزجر المخالفين.
وعلى هذا الأساس فإن المشرف الأول عليها يجب أن يكون متمتعا بمؤهلات فنية وأكاديمية وعلمية مثبتة في مجال الرقابة والمالية العمومية ليتمكن من تحفيز منظوريه وتأطيرهم وتوجيههم الوجهة الصحيحة والكشف عن المواطن الحقيقية والهامة للفساد والتجاوزات.
2- المؤهلات العلمية للمدير العام للتفقدية : كفاءة محدودة وتكوين تجاوزته المتغيرات:
إنّ المرجعية الأساسية للتعيينات، حسب ما أكدته حكومات ما بعد الثورة تخضع للكفاءة المثبتة ولعل السير الذاتية لمختلف الوزراء في حكومة السيد مهدي جمعة تؤكد ذلك.
إلا أن الترجمة الذاتية للسيد المدير العام للتفقدية تؤكّد العكس تماما ( وثيقة عدد1 ).
فإضافة لكونه غير متحصّل على الأستاذيّة فهو من خريجي المرحلة الوسطى للمدرسة القومية للإدارة أي أنه مؤهل لشغل مناصب وسطى ضمن الهرم الإداري.ورغم قدم عهده بالتكوين والدراسة فإنه لم يترشح للدراسة صلب معهد كبار الموظفين بالمدرسة القومية للإدارة و الذي من مهامه تأهيل مسؤولي الإدارة وضمان مواكبتهم لأساليب التصرف الحديث. كما تبرز محدودية المؤهلات العلمية والفنية للسيد محمد صالح السنوسي من خلال عدم اجتيازه لمناظرة الارتقاء إلى رتبة متصرف مستشار إلاّ بعد ما يفوق 25 سنة من انتدابه للعمل بالتفقدية العامة لوزارة الداخلية.
ورغم مؤهلاته العلمية والتكوينية المحدودة وغياب مواكبته لتكوين في مجال الرقابة العمومية يأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الحديثة، فقد عينه وزير الداخلية الأسبق رفيق الحاج قاسم كمدير عام للتفقدية العامة لوزارة الداخلية، خلفا للسيد محمد الشمك الذي هو من المختصين في مجال الرقابة وهو من خرجي المرحلة العليا للمدرسة القومية للإدارة وهو من الإطارات العليا للرقابة العمومية، مما يطرح عديد التساؤلات حول خلفية هذا التعيين.
3-العلاقة بين المتفقد العام ومنظوريه: عنف لفظي وتعدّ على الأخلاق الحميدة وتوجيه لنتائج التحريات:
إن محدودية التكوين العلمي للسيّد صالح السنوسي دفعه إلى اللجوء إلى تغطية ذلك باستعمال العنف اللفظي تجاه جميع منظوريه من الإطارات العليا التي تفوقه مستوى والتلفظ بعبارات نابية ومخلة بالأخلاق حتّى أمام العنصر النسائي فضلا عن سبّ الجلالة، ظنا منه أنّ وزارة الداخلية هي فضاء حرّ لممارسة "العنف اللفظي والتعدي على الأخلاق الحميدة" لضمان حسن سير العمل، في حين أنّ الوزارة براء من مثل هذه الممارسات بل أنها دائمة السعي لزجر الممارسات المتعلقة بالتعدي على الأخلاق الحميدة.
كما انّ السيّد السنوسي يلجؤ إلى الضغط على المتفقدين قصد توجيه نتائج تحرياتهم ومنعهم من التعرّض إلى عديد الاخلالات التي يتولون كشفها بل ويقوم بالتنسيق مع المسؤولين المباشرين على الهياكل التي يتم تفقدها وذلك حفاظا على علاقته ومصالحه معهم والتغطية على تجاوزاتهم وهو ما يمثل مسّا من حياد المتفقدين ويجعلهم في موقف ضعف.
ورغم ضخامة ميزانيات الهياكل الإدارية والبلديات والولايات (ملايين الدينارات) فإن المدير العام للتفقدية لا يخصّص للمتفقدين أكثر من 15 يوما لإجراء مهمة التفقّد ( التي تشمل مراقبة خمس سنوات من التصرف الإداري والمالي) وذلك حتى لا يتسنى لهم التعرّض إلى كامل النقائص وحماية لعلاقته مع مختلف الولاة ورؤساء البلديات واستغلالهم لاحقا لقضاء حاجياته الشخصية ( تأمين تربصات لأبناءه، حجوزات بالنزل، تزوده بالغلال وزيت الزيتون والسمك…) وهو ما يٌفقد ويفرغ مهام الرقابة من كلّ جدوى.
4-الامتيازات العينية المسندة للمتفقد العام : إهدار للمال العام وامتيازات تفوق مؤهلاته
منذ تعيينه كمتفقد عام لوزارة الداخلية سنة 2005، والسيّد السنوسي فضلا عن كونه يتمتّع بسيّارة وظيفيّة (حاليا فولكفاقن باسات) يستغلّ بدون وجه حق سيارتين إضافيتين من نوع Audi A4 و Renault يتولى تخصيصهما لقضاء شؤونه الخاصة وشؤون عائلته ( على سبيل المثال تم استعمال هذه السيارات لنقل ابنه طيلة فترة دراسته بولاية بنزرت) وبطبيعة الحال فإن المتفقد العام يتمتع بالنسبة لكل هذه السيارات بحصص وقود تفوق 600 لترا شهريّا وفي ذلك إهدار واضح للأموال العمومية منذ سنة 2005.
وبالإضافة إلى ذلك لم يتورع السيد المدير العام عن استغلال جميع سيارات المصلحة الإداريّة المخصصة للتفقدية العامة ( وعددها 5) والتي من المفروض أن تكون حصريا مستغلة لانجاز مهام التفقّد، وذلك أيضا لقضاء شؤونه الخاصّة وشؤون أسرته أثناء وخارج التوقيت الإداري (تسوّق، نقل لمستلزمات المنزل…) ويلجؤ في ذلك إلى استغلال أعوان التفقدية العامة حتى خارج التوقيت الإداري كما هو الحال بالنسبة للسادة فتحي بن خليفة ومحمد المرواني ومحمد الطاهر العبيدي، على سبيل الذكر وذلك في خرق واضح للتراتيب الجاري بها العمل.
5- التصرف في الانتدابات: خرق لمبدإ الحياد:
في حين يستوجب العمل الرقابي احترام المبادئ المتعلقة بالكفاءة والحياد، تولى الدير العام للتفقدية القيام قبل وبعد الثورة بانتدابات تطرح أكثر من سؤال.
وكمثال على الانتدابات الحاصلة قبل الثورة، تولى المتفقد العام انتداب العون عبد الوهاب مساعدي. وما يثير الاستغراب حول هذا الانتداب هو أن السيد مساعدي غير متحصل على الاستاذية، وغير مختص في مجال الرقابة، فضلا عن كونه كان يعمل ببلدية أريانة في مصالح التراتيب والانتخابات وهي مجالات بعيدة كلّ البعد عن اختصاص التفقّد. وهوكان شاهدا إن لم نقل طرفا في ما كان يحصل من تجاوزات في التصرف المالي والإداري والانتخابي في بلدية أريانة زمن إشراف رئيس البلدية صلاح الدين البلطي. إضافة إلى ذلك فقد عرف السيد عبد الوهاب مساعدي بتصرفاته التي تمس من هيبة التفقدية العامة من تلفظ بعبارات تخدش الحياء وممارسات مشبوهة أثناء أو بعد ممارسة مهام التفقد. والغريب انّ المدير العام لم يتولّ القيام بالتحريات اللازمة في الغرض بل تولى تسمية السيّد مساعدي كرئيس مصلحة بالتفقدية العامّة، في حين انّ التسميات من المفروض أن تخضع لمبدإ الكفاءة.
أمّا بعد الثورة، وكامثلة عن الانتدابات التي تولى السيد السنوسي القيام بها في خرق فاضح لمبادئ حياد التفقدية وأهداف الثورة، نذكر انتدابه لعديد المعتمدين والكتاب العامين للبلديات وأغلبهم كانوا قد عملوا بتلك المناصب زمن نظام بن علي وكانوا قد ساهموا بصفة مباشرة أو غير مباشرة في خدمة وتمويل الحزب الحاكم وقتها وأشرفوا على تنظيم الانتخابات التي كانت مزورة وساهموا بصورة أو بأخرى في تنفيذ التعليمات الرئاسيّة التي كرّست خدمة النظام السابق وتستّرت على تجاوزات أتباعه واكتفت بتطبيق القاونبحذافره على ضعاف الحال وغير أولي الجاه. وتعتبر هذه الانتدابات مسّا من حياد التفقدية العامة ووظيفة الرقابة. وفي هذا الإطار نذكر السادة عادل الشايب ( معتمد) وزياد الحربي (معتمد) وياسين المرزوقي ( كاتب عام بلدية) وجلال حمادي (كاتب عام بلدية).
ويتضح ممّا سبق أنّ سياسة الانتدابات المتبعة من طرف السيد السنوسي متنافية مع المرجعية الاساسية للعمل الرقابي الذي يقوم على الحياد وعلى الكفاءة والاختصاص وعدم الدمج مع الخلفية السياسية وذلك تجنّبا للقدح في أعمال التفقّد والمساس من حيادها.
6- الموارد البشرية: أسطول هائل من العملة وأعوان التنفيذ:
عوض تدعيم هيكل التفقد بالموظفين المختصين والمحايدين، خير السيد السنوسي انتداب أعوان الحجابة و السياقة والرقن ليكون بالتالي توزيع أعوان التفقدية العامة كالتالي:
الخطة
عدد الأعوان
الحجابة
5
السياقة
6
الرقان
8
المجموع
19
مجموع المتفقدون
14
ولعل السبب الرئيسي لهذه الانتدابات هو أنّ جميع السواق يقومون بإسداء كلّ خدمات المتفقد العام العائلية منها و الخاصّة، أثناء التوقيت الإداري وحتى خارجه ، كما أنّ جلّ أعوان الاستقبال و الحجابة والسائقين هم في خدمة المتفقد العام لتبليغه أول بأوّل كلّ تصرفات المتفقدين والوشاية بهم ممّا خلق جوا من عدم الثقة وولّد حطّا من هيبة الإطارات ومسّا من مصداقيتهم خاصّة وأنّ المتفقّد العام كثيرا ما يلجِؤ إلى مكافحة أقوال الإطارات بأقوال أعوان السياقة أو الحجابة. كما يتعارض انتداب عدد كبير من أعوان الرقن مع تعميم الحواسيب على جميع العاملين بالتفقدية.
وعلى هذا الأساس فإنّ الانتدابات المومإ إليها تمثّل إثقالا لكاهل الإدارة إضافة لكونها تتعارض مع متطلبات وخاصية العمل المكلفة به التفقدية العامة، التي هي أداة للرقابة وليست مكتبا للعلاقة مع المواطن.
7- التصرف في الأعوان: خرق لمبدأ المواظبة والحضور
منذ توليه منصب مدير عام للتفقدية، استثنى السيد السنوسي كل من المتفقد الأسعد القضامي(القاطن بالقيروان) والمهدي بن حسن ( القاطن بالمهديّة) من الحضور اليومي بالإدارة كسائر الإطارات مكتفيا بمدهم بأذون القيام بمهام متيحا لهم بالتالي العمل وهم بمقراتّ إقامتهم ودون مراقبة لمواظبتهم أو حظورهم. ورغم ورود عديد العرائض على السيد السنوسي بخصوص تصرفات المتفقد المهدي بن حسن التي تؤكد عدم قيامه بمهامه على الوجه الأكمل وتسخيره لوقته للقيام بأعمال فلاحية فإن المتفقد العام تستر على ذلك ولم يتول القيام بتحريات في الموضوع، وفضلا عن ذلك نشير إلى أنّ المتفقد مهدي بن حسن يتمتع بسيارة إدارية لاستعمالها لأغراضه الشخصية. وفي ذلك إهدار للمال العام وخرق لقانون الوظيفة العمومية.
8- إسناد السيارات الإدارية خلافا للتراتيب القانونية:
تولى المتفقد العام إسناد سيارات إدارية لفائدة عدد من المتفقدين لاستعمالها بصفة ثانوية لأغراضهم الشخصية (المهدي بن حسن، الطاهر بولعراس…) مبرّرا ذلك بضرورة العمل وقيامهم بمهام تفقد ومعاينات ميدانية، غير أن المنتفعين بها يستعملونها بصفة حصرية لقضاء أغراضهم الشخصية، ويلجؤون عند القيام بمهام التفقد إلى سيارات إدارية وسائقين يتمّ تخصيصهم للغرض من طرف المتفقد العام، وفي ذلك مغالطة من المتفقد العام للمشرفين على الإدارة العامة للشؤون الإدارية ومراقبي المصاريف العمومية بالإضافة إلى كون هذا التصرف يثقل كاهل الإدارة بنفقات إضافية.(وثيقة عدد2)
كما لا يفوتنا في مجال التصرف في السيارات الإدارية الإشارة إلى أنّ المتفقد العام لا يحرص على حفاظ السائقين على وسائل النقل الإدارية مما أدى إلى وقوع حوادث مرور وإلحاق أضرار جسيمة بعديد السيارات التي هي تحت تصرف التفقدية العامة وتحميل الإدارة تكاليف إصلاح باهضة، وسعي المتفقد العام إلى التغطية على ذلك، بما انّ السائقين يسدون خدماتهم للمتفقد العام وعائلته.
9- معالجة ملفات التفقد والرقابة:
أ- عدم برمجة مهام تفقّد على المواطن الأساسية للتجاوزات
إنّ وظيفة التفقد تفترض ضبط برنامج المهام طبقا لأهميّة و دقّة الاختلالات التي من الممكن وجودها بالهياكل المعنيّة بالرقابة. وفي هذا المجال أيضا نسجّل عديد الإخلالات التي تعلّقت بالسيّد السنوسي.
فقد صبّ المدير العام جلّ اهتمامه على المهام المتعلّقة بتراتيب البناء و التهيئة العمرانيّة وهي مجالات جدّ فنيّة تتطلّب تكوينا خصوصيّا ودقيقا في ميادين الهندسة المدنيّة و الهندسة المعماريّة في حين أنّ التفقديّة العامّة لوزارة الداخليّة لا تضمّ إطارات مختصّة في مجال العمران فلا هم بمهندسين معماريين ولا هو من خريجي مدرسة الهندسة المعمارية ولا هو بخبير أو خرّيج المعاهد العليا للتقنيات وكان من الأحرى به صبّ اهتمامه نحو التنمية بالبلديات والولايات وسير المشاريع ودفع عجلة النمو الجهوي والمحلي.
وبهذا التوجه كان المدير العام للتفقدية ينأى بنفسه عن مواطن الإخلالات الحقيقية وذلك كما سبقت الإشارة حفاظا على رصيد علاقته من ولات ورؤساء بلديات ومديرين عامين متنفذين.
وبالتالي، فإن السيد السنوسي منذ توليه مهام التفقدية العامة سنة 2005 لم يبرمج ولو مهمّة واحدة لرقابة معمقة للإدارة العامّة للشؤون الإدارية والماليّة التي هي مكمن للتجاوزات فهي تضم وكالات دفوعات عديدة و بها تبرم صفقات عموميّة ذات مبالغ هامّة وبها يتم التصرّف في المحروقات. وكان أن أخذت هيئة الرقابة بالوزارة الأولى على كاهلها هذه المهمّة خلال سنة 2010 (ملحق عدد3) وتفطنت إلى اختلاس للأموال العموميّة قيمته 5 مليون دينار وقتها سارع المتفقد العام بإرسال متفقّد كي يساهم في المهمّة المذكورة ويدرج إسمه ضمن التقرير النهائي، لكي يٌقال بأنّ التفقديّة ساهمت في هذه المهمّة.وقد أبرز التقرير الأخير لسنة 2012 الصادر عن الهيئة العليا للرقابة الإدارية والمالية مختلف التجاوزات الجسيمة في التصرف في الإدارة العامة للشؤون الإدارية والمالية
من جهة أخرى لم يتولّ السيّد السنوسي برمجة مهمّة رقابة معمّقة على بلديّة تونس التي تعادل ضخامة نفقاتها مصاريف وزارة رغم ما يعلمه القاصي والداني من تجاوزات في عدّة مجالات ( المآوي، الإشهار، الصفقات العموميّة….)، مرّة أخرى تأخذ هيئة الرقابة العامّة بالوزارة الأولى الأمر على عاتقها وتتكفل بفحص الصفقات العموميّة المبرمة من طرف بلديّة تونس في إطار مهمّة نفذت خلال سنوات 2006 و2007 وكعادته سارع السنوسي بإرسال متفقّد للمساهمة في تلك المهمّة كي يمضي لاحقا على تقرير الرقابة الذي أثبت وجود عديد التجاوزات.
كما تكفلت نفس هيئة الرقابة التابعة للوزارة الأولى بتفقّد جمعيّة حيّ الشباب التابعة لبلديّة تونس و سارع السنوسي أيضا بإيفاد متفقّد لدرئ كلّ الشبهات، وافرزت المهمّة عديد التجاوزات وتمّ تقديم قضية لدى دائرة الزجر المالي نظرا لما تم معاينته من إهدار للمال العامّ (ملحق عدد 4).
السيّد المدير العام لم يبرمج تفقّدا شاملا للديوان الوطني للحماية المدنيّة وهو مؤسسة عموميّة تابعة لوزارة الداخليّة رغم حجم ميزانيته الهائل والكمّ الكبير للصفقات التي يعقدها لشراء الآليات او لتسيير مصالحه.في هذه المرّة أيضا تتكفّل مصالح الوزارة الأولى بالأمر وتتولّى إجراء تفقّد معمّق على الديوان وتمّ رصد عديد التجاوزات وإهدار للمال العمومي, هذه المرّة لم يتمكّن السنوسي من إيفاد متفقّد لأنّ الوزارة الأولى كانت الأسبق في برمجة هذه المهمّة رغم أنّ ديوان الحماية المدنية يتبع وزارة الداخليّة.
بالإضافة إلى ذلك فإن السيد السنوسي لم يتولّ البتّة النّظر في الملفات الخاصّة بتوزيع مساكن الصندوق الوطني 26-26 التي تتمّ على مستوى الولايات ولم تكن له النيّة في ذلك لولا مكتوب اللجنة الوطنيّة لتقصّي الحقائق الذي طلب منه التحرّي في ذلك، غير أنّه ما أن أذن بالقيام بمهمّة في الغرض حتّى وجد فريق الرقابة العامّة للماليّة موجود على عين المكان ويباشر أعماله منذ مدّة. مرّة أخرى يكون السيّد السنوسي بعيدا كلّ البعد عن الملفات التي كان عليه فتحها منذ سنوات وحتّى بعد الثورة فقد سبقته هياكل رقابيّة أخرى رغم أنّ ذلك يندرج بصفة مباشرة ضمن مهامه.(ملحق عدد5)
كما لم يتول السيد السنوسي معالجة الملفات الخاصة بصناديق تنمية الأنشطة الشبابية التي هي تحت تصرف الولايات ( والتي تتولى التفقدية العامة تفقدها بصفة دورية) إلاّ بعد الثورة بالرغم من أنّ الميزانيات المخصصة لها فاقت مئات الآلاف من الدنانير وقد تمّ الكشف عن إهدارها في غير المجالات المخصصة لها.(ملحق عدد6). وإن برر السيد السنوسي ذلك بعدم علمه لوجود هذا الصنف من الصناديق فإن ذلك مردود عليه حيث تولى منذ سنة 2008 النظر في الصندوق التابع لولاية زغوان، وكان ذلك بمناسبة إجراءه لبحث قصد الوقوف على تجاوزات والية زغوان السابقة السيدة سلوى المحسني.(ملحق عدد7)
والغريب في الأمر أن السيد السنوسي لم يتعرض في بحثه هذا إلى التجاوزات التي قامت بها الوالية المذكورة في مسائل عقارية لفائدة أصهار عائلة الرئيس السابق بن علي، لأن ذلك كان في خدمة النظام السابق. ونلاحظ أنه بعد الثورة وبمناسبة عرض مذكرة على السيد وزير الداخلية السابق انبرى يتحدث عن التجاوزات التي قام بها أصهار الرئيس السابق بمنطقة زغوان. (ملحق عدد8).
ب- إهدار طاقات المتفقدين في مهام هامشيّة
في حين كان من الأجدر تسخير الموارد البشرية للتفقدية لمكافحة وكشف الفساد والتجاوزات الجسيمة ، فإن السيد السنوسي أهدر طاقات أعوانه في مهمات هامشية تعلقت على سبيل المثال بالبحث في إطار تحديد المسؤوليات بخصوص العثور على وثائق ملقاة بالطريق العام متعلقة بمحاضر جلسات المجلس البلدي ببنعروس(ملحق عدد9). وكما هو الشأن أيضا بالنسبة للبحث المجرى بخصوص تعمّد معتمد الشؤون الدينيّة بولاية قابس إبلاغ موظفة بمعتمدية قابس المدينة، بنتيجة بحث أمني يخدش في سيرة وسلوك شقيقتها المترشحة لخطّة مؤدبة (ملحق عدد 10) أو مهمّة رقابيّة أخرى كتلك المتعلّقة بقرار غلق مقهى بزغوان(ملحق عدد 11)
ممّا يدلّ أيضا على أن المنهجية المتبعة من طرف المتفقد العام للكشف عن مواطن التجاوزات لا تستند على معايير علمية، طريقة معالجته للملفّ المتعلّق بإستيلاء رئيس سابق لبلدية القيروان على أموال عموميّة في مجال استغلال المحروقات. فماذا يقترح المتفقد العام لكشف ذلك؟ إرسال كاهية مدير لكي "يرصد في كنف السريّة وعن بعد" عمليّات التزوّد بالوقود. وقد اعتبر السيد السنوسي في مذكرته المرفقة أنّ ذلك يمثّل الطريقة الوحيدة لكشف التلاعب بالأموال العمومية.(ملحق عدد 12)
ج- خدمة النظام السابق في معالجة الملفات:
في ما يلي عيّنة من بعض المهام التي تولى المدير العام للتفقدية القيام بها خدمة النظام السابق من خلال عرقلة منافسيهم أو تسوية التجاوزات التي قام بها أفراد العائلة الحاكمة ومن يدورون في فلكهم.
– ملفّ الإشهار ببلديّة تونس:
خلال سنوات 2006 و2007 شنّ المدير العام للتفقدية حملة هوجاء على اللوحات الإشهاريّة (Panneaux publicitaires) المركزة بالأنهج و الطرقات التابعة لبلدية تونس ( البحيرة- محمد الخامس- المنزه-البلفيدير-المنار…) بمعيّة فريق التراتيب لبلدية تونس قصد اقتلاع جميع اللوحات الاشهارية المركزة من طرف شركة Ecolion التابعة للإخوة قروي آند قروي.
وكان ذلك بدعوى أنهم لم يتولوا خلاص ديونهم تجاه البلدية ولم يحترموا الآجال المدرجة بالاتفاقية التي تمّ امضاؤها مع البلديّة. الأمر للوهلة الأولى يبدو حرصا من المتفقد العام على تطبيق القانون, وقد تمّ بالفعل إرغام شركة قروي آند قروي على إزالة لوحاتها الإشهاريّة كما قامت البلديّة من جانبها بعمليّة اقتلاع عشوائيّة وغير علميّة لعدد من اللوحات الاشهارية الأخرى للشركة وهي عمليّة جدّ مكلفة للبلديّة، وتجعل اللوحات خارج إطار الاستغلال مرة أخرى وهو ما يعرّض شركة قروي آند قروي لآثار ماليّة جسيمة.
بعد هذه الحملة وبعد "تقليع" كلّ لوحات الشركة يتبيّن أنّ شركة تابعة للعائلة المالكة تولت تركيز لوحات إشهاريّة في نفس الأماكن التي كان مركزة فيها لوحات شركة الإخوة قروي.فتدخل المتفقد العام كان إذن "لفسح المجال واقتلاع كلّ عائق أمام استثمار العائلة الحاكمة وتكبيد منافسيهم خسائر جسيمة.
– ملفّ الحمّامات:
تولت التفقدية العامة خلال سنة 2010 القيام بمهمّة ظاهرها التصدي للبناء الفوضوي بمنطقة الحمامات وتحديدا بجبل الحمامات ومنطقة المرازقة غير أنّ غاية ما في الأمر هي تسوية وضعيّة جميع المخالفين وسدّ الطريق أمام كلّ من تسوّل له نفسه بناء مسكن قرب العائلات الكبرى ورجال الأعمال الذين يدورون بفلك العائلة المالكة. فبالرغم من التجاوزات الخطيرة في المجال العمراني والاعتداء على الملك العمومي الفلاحي و الغابي فقد اقترح المتفقّد العام ضمن المذكرة التي تمّ إعدادها بإشرافه، الإجراءات الكفيلة بتسوية جميع هذه الوضعيات بل وتولى بنفسه تحرير كلمة وزير الداخلية السابق رفيق الحاج قاسم في الغرض مٌعتبرا أنّ هذه التسوية هي " رحمة من الرئيس بن عليّ تجاه من خالف التراتيب العمرانيّة" وشيّد بناءات فخمة في مناطق محجّرة سواء على حرمة البحر أو حتّى بالمنطقة الأثريّة. ومن المفارقات أنّ السيّد السنوسي الذي يبادر بالعمل على تسوية وضعيّة المخالفين "الأثرياء"، يحرص في ملفّ آخر على الدعوة غلى تطبيق القانون بحذافره بل وبتحميل المخالف لمصاريف ذلك، حينما يتعلّق الأمر بتولّي عمدة منطقة العمران هدم سياج تابع لشعبة التجمع الدستوري المقبور.(ملحق عدد13)
– ملفّ المنطقة الزرقاء بصفاقس :
بمناسبة معالجته لهذا الملف، حاول المتفقّد العام في البداية التغطية على هذا الموضوع وذلك عند رفع مذكّرة إلى الوزير السابق رفيق الحاج قاسم هدفها إجابته حول معطيات واردة بجريدة الصريح بخصوص التصرّف في المنطقة الزرقاء ببلدية صفاقس وقد اعتبر السيد السنوسي حينها أنّ الواقع هو غير الذي ذكرته جريدة الصريح. غير أنّ الملف سرعان ما عرف منعرجا آخر، ليتمّ فتح بحث معمق في الموضوع والملاحظ هنا هو أنّ السيد المتفقد العام لم يقترح البتّة فسخ الاتفاقيّة الممضاة في الغرض بين البلديّة والشركة رغم كلّ الاخلالات بل همّه الوحيد هو لملمة الموضوع لما بعد الانتخابات البلدية.
ولما تدخلت هيئة الرقابة بالوزارة الاولى للبحث في أطوار الملفّ، اقترحت فسخ الإتفاقية المبرمة بين بلدية صفاقس والشركة التي تمّ تكليفها بالتصرف في المنطقة الزرقاء،نظرا للتجاوزات الجسيمة التي تم كشفها. (ملحق عدد14)
– ملف الشرقية ببلدية تونس:
إنّ سوء برمجة مها التفقد جعل السيد السنوسي في كثيو من الحالات خارج "مجال الرقابة". فبالنسبة لهذا الملف، لم تكن له نيّة مجابهة التجاوزات وتثقف أثرها أينما كانت وخاصّة التجاوزات الخطيرة التي كنا تعرضنا لها سابقا.
فلولا مراسلة من والي تونس لما تمّ اكتشاف الاخلالات الجسيمة صلب بلديّة تونس ( وكنا اشرنا انّ السيّد السنوسي طيلة فترة إشرافه على التفقدية لم يبرمج مهمة تفقد شامل لبلدية تونس او حتى تفقدا حسب المحاور). التفقديّة لم تنتبه لجسامة التجاوزات واقترحت تجسيم توصيات جلسة عمل وزارية أكل علها الدهر وشرب غير أن الملف الذي كان يبدو بسيطا يخفي في طياته تلاعبا وتجاوزات خطيرة ولم يكن المتفقد العام صارما في تعامله مع هذه التجاوزات بل كعادته أجاد اللعب بالكلمات مقترحا تتبعا عدليا للمخالفين أو ( وهنا مربط الفرس) الاقتصار على تتبّع صغار الموظفين وتسوية وضعية المخالفين همه في ذلك "أن لا يتم استغلال الملف من طرف المناوئين). وبطبيعة الحال إنتهى الأمر بالسيد السنوسي إلى أن يتولى هو ذاته إقتراح اجراءات التسوية (ملحق عدد15).
10- بعد الثورة : المدير العام للتفقدية يسعى للتنصّل من التجاوزات وتلميع صورته
بعد الثورة عمل السيد السنوسي على تلميع صورته من خلال المذكرة التي رفعها للسيد علي العريض والتي تعرض فيها للملفات الفساد التي عالجتها التفقدية وهي في غالبها ملفات واردة من الهيئة الوطنية لتقصي الحقائق وتتعلق كلها بمهات كان السيد السنوسي قد تولى القيام بها سابقا لكنه تستر وقتها عن التجاوزات الجسيمة التي أتاها أقارب الرئيس بن علي ( ملف زغوان، ملف الحمامات،) ( يراجع الملحق عدد8) والسيد السنوسي يتمتع بحماية وتلميع لصورته خاصة وأن رئيس ديوان السيد وزير الداخلية منذ سنة 2011 هو من المتفقدين الذين عملوا مع السيد السنوسي منذ 1998 ( السيد الهادي المجدوب)
نشير، في الختام، إلى أنّ جلّ أعضاء التفقديّة العامّة يعلمون فيضا من هذه التجاوزات لكن لا أحد منهم أخذ على عاتقه كشفها خوفا من بطش السيد السنوسي أو من اتهامهم بتسريب وثائق وكشف أسرار إدارية هي في الأصل تجاوزات وجبت محاسبة مرتكبيها.
وكلنا أمل في مسانتدكم وخدمتكم لأهداف الثورة المجيدة بما فيها تطهير الإدارة العمومية خاصة وأنّ وزارة الداخلية لا تقتصر على الجانب الأمني فحسب. ونحن على يقين من تفضلكم بنشر المقال المتعلق بما رفعناه لكم من تجاوزات والتعريف بها على اوسع نطاق ورفع الامر لمن ترونه صالحا بخصوص ما ذكرناه لكم من تجاوزات قصد تصحيح مسار التفقدية وجعلها منارة من منارات رصد الفساد ومقاومته. والله ولي التوفيق.