مؤتمر القمّة الإسلامي في اسطنبول: مُفارَقاتُهُ وَمَراميهِ المَشْبُوهَةُ

أنْ تَنعَقِدَ الدّورةُ الثالثة عَشَرَة لِمُؤتَمَر القمّةِ الإسلامِيَّ مِن 10 إلى 15أفريل الجاري، أي في زَمَنٍ يعمُّ فيهِ الإرهابُ المنطِقةَ فهذا أمْرٌ مَنطِقيٌّ ومَرعُوب بَعْدَ أن باتَ الإرهابُ يَتّخذَ مِن الإسلام صِفَةً وذريعةً وَمَرجعيّةً للتكفير.

فلم يَعُدْ مُقتَصِراً الإرهابُ في منطقتنا على إرهابِ دَوْلَةِ إسرائيل ضدَّ الشعب الفلسطيني الذي يَتَغذّى "دينيّاً" مِن "كُرْه  الأغيار" التلموديّ بل أكسَبَهُ الصفةَ الإسلاميّةَ إرهابُ الدولة الذي يُمارسِهُ رئيسُ جمهورية تركيا "رجب طيّب أردوغان" وحكومتُه وحزبُه وأجهزتُه القمعيّة ُضدَّ مُواطِنِيّ بِلادِهِ الأكراد الذينَ يُمْعِنُ فيهم تَقتيلاً وفي مُدُنِهِم وَقُراهُم تدميراً، كما يجعلُ مِن بِلادِهِ سَنَداً لوجستيّاً وغرفةَ عمليّاتٍ كُبْرى ومَمرّاً آمِناً للإرهابيين التكفيريين والمرتزقة إلى سوريا ناهيكَ عن دعْمهِ الإرهابيين في ليبيا ولبنان ومصر والجزائر وتونس وأذربيجان وطاجاكستان وغيرها سرّاً وعلنا، ومثل إرهاب السلطان العثمانيّ إرهابُ الدولة الذي مارسه ويُمارسه حكامُ الكيانات الخليجية في الدوحة والمنامة وأبوظبي والكويت بدَعْمِ الجماعاتِ التكفيرية الإرهابية في سوريا بالسلاح والمال ناهيك عن الدعمِ الإعلاميّ.

وَتَميُّزَ حكّامُ الرّياض على هذا الصعيد  بِقَمْعِ سكّان نَجْد والحجاز والحرب العدوانية الإرهابيّة على الشعب اليمني  والمساندة المُطْلَقَة والمَسعورة المالية والأمنية والعسكرية  والإعلامية والسياسية والدبلوماسية  للجماعات الإرهابية التكفيريّة التي تَعتدي على الدولة والشعب في سوريا، ناهيكَ عن أنَّ المرجعيّة التكفيريّة لإرهابيي تنظيم القاعدة وسلالته الدّمويّة (داعش وجبهة النصرة وأحرار الشام وغيرها) هي ذاتها مرجعيّة إرهاب الدولة الخليجيّ والتركيّ (الثلاثيّ التلموديّ الإسلاميّ : ابن حنبل وابن تيميّة ومحمد عبد الوهاب).. .

ولذا مِن المنطِقيّ كما أسْلَفْنا أن يَتَداعى زعماء سَبْعٍ وخمسين دولة تتكوّنُ مِنها منظمةِ التعاوُن الإسلاميّ كي يَتَعاوَنُوا مِن أجْلِ تَخليصِ الإسلام والمُسلمين مِن آفَةِ الإرهاب التي تَصِمُهم بِفِعْلِ السُّفَهاء مِن حُكّامِهِم وشيوخهم وساسَتِهِم وإعلامييهم ودُعاتهم التكفيريين وَ"مُفكّريهم" المرتزقة.

ولكنّ المُفارَقَةَ الأولى هُنا أنَّ هذه المُنَظَّمَة التي تَسلَّمَ أمانَتَها العامّة الوزيرُ السعوديّ السابق "إياد أمين مَدَني" (وهو بمُفرداته الثلاث مِن أسماء الأضداد؟!) مِن سَلَفِهِ التركيّ "إكمال الدين إحسان أوغلو" لا تدعو إلى غير التّعاوُنِ على الإثْمِ والعدوان، فالبيان الوحيد الذي أصدرته هذه المنظمة (السعوديّة –التركيّة؟) مِن مَقرِّها في "جدّة" بِخُصُوص مُعاناةِ الشعب السوري مِن الإرهاب التكفيريّ وجرائمهِ هو بيانٌ صَدَرَ يوم 3أفريل الجاري يدينُ "مسلسلَ القتْل والخراب الذي يرتكبُهُ النظام ُالسوري"، لماذا؟ . لأنّ الطيران  السوري قام بقصْف "دير العصافير" أحَد أكبر مَعاقِل الإرهابيين التكفيريين في غوطة دمشق الشرقيّة، أمّا الجرائم التي يرتكبها هؤلاء الإرهابيون على مَدى خمس سنوات ضد الشعب السوري ودولته وجيشه فقد صَمَتَتْ عَنها "منظمة تعاوُن أنقرَة والرياض" صَمْتَ المُتواطِئين.

ولا تقتَصِرُ المُفارَقاتُ على أنَّ دولةَ مقرّ المنظّمة الداعية إلى هذا المؤتمر والدولة التي تستضيفه هُما قُطْبا الإرهاب التكفيريّ الذي يعمّ المنطقة حالياً ، بل تَشْمَلُ المُفارَقاتُ جَدْوَلَ أعمال المؤتَمَر أيضا، فكيف يستقيم الادّعاءُ بأنْ "تتقدَّم الملفّات التي تُناقشها  قمّةُ إسطنبول، القضيَّةُ الفلسطينيةُ حيث مِن المُرتقب أن يصدرَ بشأنها قرارٌ يضع أولويات التحرُّك السياسي في المحافلِ الدولية لنصرة الحقوق الفلسطينية، فضلا ًعن تأكيد دوْر وموقفِ المنظمة لمُساندة فلسطين على المستويات كافّة، ولدعم الجهودِ الدولية الرامية إلى إعادة إطلاق عملية سياسية جماعية، وفق جدول زمنيٍّ مُحَدَّدٍ، بهدف إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وستبحث القمة فيما يخصّ القضية الفلسطينية أيضا دعْمَ التحرُّك لعقد مؤتمرٍ دوليٍّ للسلام لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ودعم فريق الاتصال الوزاريّ المعني بالقدس الشريف، واعتماد الخطة الاستراتيجية لتنمية القدس الشريف".

كيف يستقيمُ هذا الادّعاء مَع حقيقةِ أنَّ مؤتَمَر القمّة الإسلامي الثاني عَشَر الذي كانَ قد انعقدَ في القاهرة  جَعْجَعَ كثيراً بخصُوص دعم القضيّة الفلسطينيّة ومواجهة جرائم الاستيطان الصهيوني والتصدّي لمحاولات تهويد القدس، ولكنَّ "الطَّحْن" الوحيد الذي نَجَمَ عن جَعْجَعَةِ المؤتمر الإسلاميّ السابق أنَّ أردوغان أعلنَ مؤخراً عَزْمَهُ على تطبيعِ علاقات بلادِهِ مع الكيان الصهيونيّ في المجالاتِ كافّة، وقد كان اجتماع الجنرال "يعقوب نايجل" القائم بأعمال رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي مع وكيل وزارة الخارجيّة التركيّة في لندن يوم 7أفريل الجاري (عشيّة انعِقاد المؤتمَر الإسلامي في اسطنبول) لاستكمال اتفاقات تطبيع العلاقات بين أنقرة وتل أبيب وسدّ الثغرات في هذا الأمر، حسب إعلان الخارجية التركية في اليوم التالي: الجمعة 8/4/2016.

ومِن هذا "الطَّحْن" – الأشبه ب"الطحين الأزرق" كما تُعَبِّر اللهجة التونسيّة الدارجة – أنَّ آل سعود أخْرَجُوا علاقاتِهم مَع تل أبيب مِن السريّةِ إلى التداوُلِ العَلَنيّ  بالإخبار عن تبادُلِ زيارات الوفود الإسرائيلية والسعوديّة بين الرياض وتل أبيب ، ناهيكَ عن إعلان الأخيرة أنَّ علاقاتِها مَع الرّياض في أوْجِها .. .

أمّا لجنة القدس  التي تأسستْب توصية من المؤتمر السادس لوزراءِ خارجية البلدان الأعضاء في "منظمة المؤتمر الاسلامي" المُنعقد في جدّة عام 1975، وقد قرَّر المؤتمرُ العاشِرُالمنعقد بمدينةِ "فاس" إسناد رئاستها إلى الملك المغربي الحسن الثاني وبعد وفاته خلفَ رئاستها ابنُه الملك محمد السادس، فإنّ حصيلة دعمها للقدس على جميع المستويات هي ببساطة: صفْر، أي: لا شيء.

وَكيفَ يُنْتَظَر نَصْرَة القُدس مِن نِظامٍ لايُخفي علاقاته العريقة مع قادةِ الكيان الصهيوني؟، فقد كانت الرباط أول عاصمة عربية تستقبل شيمون بيريز سرّاً وعَلناً بل إنّ الملك الحسن الثاني  الذي استقبل بيريز في قصر إيفران أمام عدسات المُصَوِّرين عام 1985 تحدّث مرارا عن دوره في التقريب بين أنور السادات والقادة الإسرائيليين للوصول إلى اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979، سيّئة السمعة والذّكْر.  هذه حقائق إن تحدّثتْ بها وبغيرها وكالةُ الأنباء الفرنسيّة تبتسم الرباطُ أمّا أن يذكرها فلسطينيّ أو عربيّ أو مسلم فَيُتَّهَم بالتدَخُّل في الشؤون الداخلية المغربيّة وَيُنْعَتُ على الفَور بأنه يُساندُ "البوليساريو"!.

فَما الذي وَراء الأكمة إذنْ؟

إنّ الرياضَ التي سَبَقَ أن اختطَفَتْ مع نظيراتها الخليجيات جامعةَ الدول العربيّة واستخدمتها ضدّ الدولة السوريّة، تختطف هي وأنقرَة "منظمة التّعاون الإسلامي" لاستخدامِ الأخيرة أيضاً ضدَّ دمشقَ وَحُلفائها وخاصة موسكو وطَهران، بمناقشةِ ثلاثة ملفّات، الأوّل يتعلّق بملفّ اللاجئين السوريين الذي تستخدمُهُ أنْقَرَة وتريد مِن الدول الإسلامية أن تؤازرَها في هذا الاستخدام للضغطِ على الاتحاد الأوربّي عساهُ يَرضَخُ فَيُسانِدُ أنقرَة في سياستها العدوانيّة الداخلية والخارجية ضدَّ الأكراد وضدّ الدولة السوريّة، وعسى الاتحاد الأوربي ان يرضخ أيضاً لرغبة تركيا أردوغان بالانضمام إليه في الوقت الذي يقوم فيه أردوغان وحكومته وحزبه بجرائم ضدّ حقوق الإنسان وحريّة التعبير والمُعتَقَد  – ناهيكَ عن مؤازرة الإرهاب – تتنافى تماماً مع ميثاقِ الاتحاد الأوربّي.

والثاني يتعلّق بمناقشةِ أوضاع الجاليات والشعوب التي تعتنق الدين الإسلامي في مُحيط أكبر غير إسلامي، وذلك مِن أجْلِ إثارَةِ أحقادٍ قديمة تسببتْ بها أصْلاً السياساتُ العثمانيّة وخاصّة ما يتَعَلَّق بالتتار في شبْهِ جزيرة القرْم، والمَعْنيّ بالاستفزاز هُنا رُوسيا التي تُفَتِّش أنقرَة وَحُلفائها بمصباح ديوجين عن طريقة لِمُعاقبتِها على إفشال المُؤامَرَة المُدَبَّرة صهيو أمريكيا، إخوانيّا ً أعرابيا تركياً، ضدّ وُجُود سوريا شعبا ودولة وجيشا وقيادةً الآن وفي المستقبل، ولذلك فإنّ الكثير مِن نِقاشات هذا المؤتمر ستصبّ في كيفيّةِ اصطفاف ما أمكَنَ مِن الدُّوَل الإسلامية اصطِفافاً عدوانيّاً في مُواجَهَةِ روسيا.

والمَلفّ الثالث يتَعَلَّقُ بالنّزاع الأذربيجاني – الأرميني المُسْتَجِدّ  حَوْلَ جمهورية مرتَفَعات قره باغ أو "ناغورنو كاراباخ" ذات الأغلبية الأرمنية التي انفصلت عن أذربيجان سنة 1991 ولم تنضم إلى أرمينيا ولم تعترف بها أي دولة في العالم بما في ذلك أرمينيا، ولكن تركيا أضرمت هذا النزاع مُجدداً وتريد تأليب الدول الإسلاميّة مِن خلالهِ على روسيا الحليفة لأرمينيا بذريعة أنّ أرمينيا المسيحيّة تعتدي على أذربيجان الإسلاميّة، كما تريد الوصُول إلى ما هُوَ أخطَر، ذلكَ أنّ غالبيّة الشعب الأذربيجاني ينتمي إلى العرْق التركي لكنه مِن الجانب الديني مُسلم شيعيّ المذهب، إلا أنّ 50بالمئة من السكّان حسب إحصائية ذات مصداقيّة جرَتْ مُؤخَّراً لا يهتمُّون بالشأن الديني أصلاً وبالتالي تسعى أنقرة والرياض أوَّلاً إلى إفشال التجربة الأذربيجانية كأوّل مُحاوَلَة لإقامة جمهورية ديمقراطيّة علمانيّة في العالم الاسلامي، وثانياً إلى تحريضِ طهران الشيعيّة على موسكو التي تُساند أرمينيا المسيحية الأرثوذوكسيّة، وبالتالي دقّ أسفينٍ طائفيّ بين أهمّ حليفين لدِمشق، فَهَلْ تنتبهُ طهرانُ إلى خُطُورةِ هذا الفخّ الذي نَصَبَه أردوغان؟.

أي أنّ مُنظِّميّ ومستَضيفيّ هذا المؤتمر يريدون به ومِنْه جَمْع أوراق إضافيّة ضدّ روسيا في يد أنقَرَة التي أعلنت الحربَ على موسكو منذ أن أسقطت الطائرة الروسية (سو -24) فوق الأراضي السوريّة.

ولاشكّ في أنّ هذا المؤتمر الذي يُفْتَرَض أن يضمَّ 57 دولة عُضواً في "مُنظّمة التعاوُن الإسلاميّ" سيُضرِمُ المزيدَ مِن الخِلافات بسبب المِلفّاتِ آنفةِ الذّكْر بينَ دُوَلٍ حليفة لروسيا وسوريا وإيران في مُواجَهَةِ دُوَلٍ حليفةٍ لواشنطن وتل أبيب وأنقرة والرياض، وبالتالي فإنَّ شِعار "الوحدة والتضامُن مِن أجْلِ العدالة والسلام" الذي يرفعهُا مؤتمر القمة الإسلامي المُنْعَقِد في اسطنبول سَيُتَرجَم إلى المزيدِ مِن الفِرْقَةِ والتناحُر بين الدُّول العربيّة والإسلاميّة مِن أجْلِ المَزيدِ مِن الحُرُوبِ والجرائم الإرهابيّةِ وإسالَةِ الدِّماءِ وَتَواصُلِ "الفوضى الخلّاقة" التي يرتع فيها الإرهاب ويتنامى إلى أن يتحقق الحلمُ الصهيو أمريكي بإقامةِ شرْق أوسط كبير مِن الباكستان إلى مراكش بإعادَةِ تقسيم الدُّوَل الحاليّة إلى كياناتٍ على هيئةِ دُويلاتٍ فاشِلة على أسُسٍ دينيّةٍ وطائفيّةٍ تَدُورُ في فَلَكِ "دولةِ إسرائيل اليهوديّة الكُبْرى" فيتحقَّقُ بذلكَ الحلمُ الصهيونيّ القديم المُتَجدِّد بأموالٍ وأيادٍ وأسلحةٍ وحماقاتٍ إسلاميّة!.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.