يسرى الشيخاوي–
بالتزامن مع انطلاق أولى جلسات الحوار الوطني وما رافقها من جدل بخصوص الحاضرين فيها والمتغيبين عنها، تحتفي ياسمين الحمامات بالسينما وتضع اللبنة الأولى لمهرجانها السينمائي الدولي الذي اختار لنفسه توجها خاص يميزه عن بقية المهرجانات.
فالمهرجان السينمائي الدولي ياسمين الحمامات يخصص جوائزه للأفلام المتوجة أو المشاركة في المهرجانات الدولية الكبرى كما أنه يوجِد نقطة التقاء بين السياحة والثقافة ويولّف بينهما ليساهم في إشعاع مدينة الحمامات عالميا عبر السينما.
وفي افتتاح الدورة التأسيسية ازدانت المدينة المتوسطية بالسجاد الأحمر الذي حفِظ خطوات الممثلين وصناع السينما من تونس ومن خارجها، ومن أبرز الضيوف مخرج فيلم "البؤساء" الفرنسي "لادج لي" والممثلة ليلى علوي.
وفي افتتاحه لم يحتف المهرجان بالسينما فحسب بل بالموسيقى أيضا من خلال عرضين موسيقيين الأول بعنوان "سينوج" لبنجامي والثاني بعنوان "night in Tunisia"، حملا الحضور في رحلة تمتد من الموسيقى الصوفية والالكترو إلى الجاز المطعم بنغمات العود المحمل بسحر الشرق.
وبعد الفسحة الموسيقية، انطلقت الرحلة في ثنايا الفن السابع عبر فيلمين الأول روائي قصير بعنوان "cendres" لمهدي العجرودي والثاني روائي طويل بعنوان " تحت سماء أليس" للمخرجة الفرنسية من أصول لبنانية "كلوي مازلو".
عن فيلم "cendres"..
فيلم تدور أحداثه في الجنوب التونسي وهو من سيناريو وبطولة مهدي العجرودي وإخراج "Lewis Martin Soucy" وهو يطرح موضوعا يصب في قلب الذاكرة التونسية استنادا إلى فريق تقني تونسي على غرار سفيان الفاني في الصورة ومنصف الطالب في الصوت.
وسيناريو الفيلم الذي شارك في كتابته معز بلحسن يروي قصة جندي فرنسي(مارك أدريوني) أسير لذاكرته المفعمة بالدمام والدموع التي أسالها المستعمر فيحرق كل الصور التي تحمل جزءا من الذكريات ويحفظ برمادها إلا صورة واحدة حملها معه إلى قصر غيلان بتونس حيث ترتسم ملامح قصة محملة بمشاعر متناقضة.
في رحلته إلى تونس يستعين بدليل سياحي خبير بالطرقات الصحراوية(مهدي عجرودي)، وعلى إيقاع حبات الرمل وهي تتناثر تحت عجلات السيارة الرباعية وتفصح الحكاية عن خفاياها ويحاول الجندي المسكون بالعذابات عبثا أن يعانق الخلاص ولكنه لا ينتهي إليه.
في الأثناء يقف الدليل وجها لوجه مع حقيقة موجعة اختزلتها الصورة التي لم يحولها الجندي إلى رماد وتتبدى أمائر الغضب في عينيه وتنهمر دموعه ولكنه لا ينتقم ممن قتل والده واغتصب أمه ليترك هامشا من التأويل المشاهد الذي يحاول تركيب الأفكار كقطع "البازل".
واللافت في الفيلم أنه لا يعتمد على شخصيات كثيرة مقابل الاعتماد على سرد مكثف ولغة بصرية متحركة كما رمال الصحراء وممتدة من الماضي إلى الحاضر وهو زمن الحكي فيه، ليروي جرائم الاستعمار بطريقة مغايرة ويطرح أكثر من موضوع مع السعي إلى إبراز مكان الجمال في تونس.
عن "تحت سماء أليس"..
فيلم عن الحرب الأهلية في لبنان ووقعها على الأنفس ولكن الرواية هذه المرة ليست لبنانية وليست عربية هي رواية بصوت "أليس" السويسرية التي تركت بلدها في اتجاه لبنان في الخمسينات حيث عرفت معنى الحب وصار لها عائلة صغيرة.
لكن مع اندلاع الحرب الأهلية التي صورتها المخرجة الفرنسية من أصول لبنانية "كلوي مازلو" بطريقة طريفة تغيرت حياة العائلة وصارت في مرمى "الفوضى" التي يشهدها البلد وتواترت مشاهد العنف والدمار بطريقة غير مباشرة اعتمدت فيها المخرجة على الصوت الذي يراود خيال المشاهد.
وقصة :مازلو" المستوحاة من حكايات جدتها تمتد على حوالي تسعين دقيقة وتنسج تفاصيلها من أكثر من الفن من المسرح إلى الموسيقى والرسم مرورا بتقنية التحريك التي اعتمدتها لتصور المشاهد التي لم تتمكن من تصويرها في لبنان إلى جانب كونها فسحة تقطع الطريق على الملل.
والفيلم المفعم بالمشاعر والأحاسيس التي تختزل وجع الحرب دون إطناب في البكائيات ودون سيل من الدماء من بطولة الفيلم الممثلة الإيطالية ألبا رورفاكر والممثل اللبناني الكندي وجدي معوض ودارينا الجندي وعدد من الوجوه اللبنانية التي تقف أمام الكاميرا للمرة الأولى.
"تحت سماء أليس" اجتمعت فيه عناصر غير نمطية جعلت منه فيلما مختلفا وروت به قصص الحب والتناحر والحرب على طريقتها التي تخاطب العاطفة والعقل في الآن ذاته في مزج سلس بين الخيال والواقع بعيدا عن كليشيهات العنف وتعقيداته.