لماذا أُلغي عرض “لا مصير” من قبل مهرجان 17 ديسمبر؟

 يسرى الشيخاوي- 

"لماذا أُلغي  عرض "لا مصير" من قبل مهرجان 17 ديسمبر؟"، قد يفهم القارئ من العنوان أنّه أمام سبب أو أسباب إلغاء عرض "لا مصير" المبرمج ضمن فعاليات مهرجان 17 ديسمبر، ولكن في الواقع هو أيضا تساؤل يؤاز تساؤل مخرج العرض رضا التليلي وغيره ممن لم تقنعهم تعلة عدم توفّر الحماية الأمنية.

عرض حي كان سيقام في ساحة الأرض في سيدي بوزيد، وأده أحد أعضا هيئة التنظيم حينما نقل لمخرجه رضا التليلي نبأ إلغائه وكانت الحماية الأمنية شماعته والحال أن الأمر معلن مسبقا، والأدهى والأمرّ أن هذا النبأ بلغ الممثلين والتقنيين وهم في طريقهم إلى سيدي بوزيد محمّلين بالمعدات اللازمة من ديكور وملابس وإضاءة وصوت، وفق ما ورد في تدوينة لرضا التليلي.

 بعيدا عن العذر "الواهي" الذي تقدّمت به هيئة المهرجان ساعات قبل انطلاق عرض كان سيقدّم لأوّل مرة في سيدي بوزيد، فإن المسألة تبدو أعمق بكثير فلو كان الأمر يتعلّق فعلا بحماية أمنيا لكان من الأجدى أن يعلنوا ذلك قبل مدّة أو ليس هناك تنسيق بين إدارة المهرجان والجهات الأمنية.

هنا لا يتوقّف الأمر عند إلغاء عرض دون إلقاء بال لتعب الممثلين والتقنيين والمخرج بل يتجاوزه إلى علّة مهنية وأخلاقية أصابت القائمين على بعض التظاهرات الثقافية حتّى أنّهم لا يتوانون عن توليد أعذار خيالية ليتنصلوا من مسؤولياتهم.

وفي توضيح بخصوص  إلغاء عرض "لامصير" من طرف مهرجان 17 ديسمبر، يقول المخرج رضا التليلي "اليوم كنت في طريقي إلى سيدي بوزيد لإنجاز العرض الحي" لامصير"، المبرمج ضمن فعاليات مهرجان 17 ديسمبر، رفقة الممثلين والتقنيين وكل المعدات اللازمة من ديكور وملابس وإضاءة وصوت. كان من المفروض أن يقام العرض في ساحة عامة كما هو معلن عنه . اتصل بي أحد أعضاء هيئة التنظيم وأعلمني بكل بساطة أن أعود من حيث أتيت لأن العرض قد ألغي، والسبب: عدم توفر الحماية الأمنية. هكذا بكل بساطة."

وإلغاء العرض قد خلّف لدى التليلي وجعا وشعورا بالإهانة تعكسه التدوينة التي نشرها على صفحته بالفايسبوك وجاء فيها أيضا "احتراما للجميع لن أعلق على هذه الإساءة، لأني مللت اختباء المنظمين خلف الحجة الأمنية في كل مرة يقررون فيها إلغاء التزاماتهم المهنية والأخلاقية تجاه المبدعين. وكما لا يخفى على أحد: أنا أحد حقراء هذا الوطن الذين لايزالون يؤمنون أن العيش في دولة ديمقراطية حرة تكون فيها فرص متكافئة للجميع لايزال أمرا ممكن، رغم بداية تغلغل الديكتاتورية الناعمة في كل شيء.لكن يبدو أن الأيام السيئة بدأت تعلن عن نفسها بقوة، حيث نعود من جديد إلى المزيد من الإهانة للإبداع والمبدعين."

وليس أشدّ ألما من أن تسير أشواطا في سبيل أن يرى عملك الفني النور لكنك تصطدم بواقع تلفه السوداوية وهو ما عبّر عنه رضا التليلي بكلمات ترشح وجعا وقهرا " أنا لا أستطيع تجاهل شعور الإهانة الذي لحقني، لقد ألغوا عرضا فنيا قبل ساعات من بدأه بتعلة عدم توفر الحماية الأمنية اللازمة، ولم يفكروا للحظة في أشهر التعب والعمل. تنام متأخرا وتستيقظ باكرا، تعمل عشر ساعات يوميا، بدون دعم مادي من أي جهة كانت. يتجند العشرات من النساء والرجال ويعملون بلا كلل من أجل لحظة يتواصلون فيها مع الناس عبر الفن.

اليوم بعد أن ضاع العمر في الصراع لانتزاع الحق في التعبير بشكل فني بعيدا عن الصراخ، أستطيع أن أسأل نفسي هذا السؤال: ما فائدة التظاهرات الثقافية إذا كان من يشرف عليها لا يحترم الإبداع والمبدعين. هل علينا القبول بهذا الاحتقار وأن نصمت ؟".

رضا التليلي لم يجب عن التساؤل الذي ختم به تدوينته، ولكن الإجابة يجب أن تكون قطعا لن نقبل بهذا الاحتقار ولن نصمت عنه ففي ذلك تطبيع مع الرداءة التي باتت تسكن في ثنايا هذا الواقع الذي تتغلغل فيه السوداوية لتسدّ كل منافذ الأمل. 

و"لامصير" هو عنوان العرض الحي الذي كان من المفترض أن يُعرض لأول مرة في سيدي بوزيد، وهو من تمثيل غسان الغضاب، وإلياس الغربي، ونادية تليش، ومحمد قيراط، وزينب البوشامي
ملخص العمل.
وفي حديثه عن "لامصير" ، يقول رضا التليلي إنه تجسيد لتجربة الإنسان الهشة في مواجهة الوحشية والتعسف. إنه رفض لتحويل الفرد إلى بضاعة.."لامصير" تجسيد للبقاء: البقاء في كل الظروف، والقبول بلعب الدور الذي يوزع أو يفرض على الفرد لأنه الفرصة الوحيدة للبقاء. ولكن ذلك مدمر لشخصيته بشكل كامل..شيئا فشيئا يعزل الفرد عن حياته الداخلية بمساعدة جرعات الخوف وتعويض اللغة الشخصية بلغة القهر.. لو كان هناك مصير فالحرية غير ممكنة.. لو كانت هناك حرية فلا يوجد مصير.. لأننا نحن أنفسنا المصير ذاته.."
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.