لا خبز ولا ماء.. من يحتكر حق الشعب في الحياة؟

"خبز وماء وبن علي لا".. بعد حوالي اثنا عشرة سنة على اطلاق هذا الشعار تغير مفهومه ولم يعد ناجعا،  فلم يبقى لا بن علي ولا الخبز والماء، وتونس تكاد تكون اليوم جدول لا ماء فيه.. يوجد هنا فقط نضال شعبي غريزي من أجل الحياة والبقاء.

الأزمة الاقتصادية استفحلت في البلاد ولم تستثن شيء والشعب محكوم بالإعدام التدريجي ومدعوّ في نفس الوقت إلى التسلح بالصبر الدائم في دولة يحكمها هوّاة وتديرها أيادي مرتعشة لا تقدر على تحمل المسؤولية كاملة.

هنا … تكاد تكون مقومات الحياة منعدمة في بلادنا اليوم، وبعد فقدان الماء والكهرباء، جاء الدور على الخبز وظل شعب تونس يناضل من أجل الحياة الكريمة والحق في العيش وشبح الفقر والجوع يراوده من كل حدب وصوب، فوضع بلاده شبيه بوضع بلاد تعيش على وقع حرب عسكرية طاحنة، أو ربما الوضع في أوكرانيا أو سوريا أفضل من حال تونس.

الصورة تبدو قاتمة، هي فعلا قاتمة وسوداء فالضرر وصل حد الخبز والمؤونة، ولم يعد التونسي يطالب بالرفاه أو الثراء كما

لم تعد  أثمان الخبز تهم الشعب بقدر تخوفه من فقدانه كليا، وهذه المادة الضرورية دخلت السوق السوداء ولم تعد أسعارها محددة ومضبوطة وانتفت عنها صبغة الدعم من الدولة، وأضحت أسعارها وكأنها ترتبط بالبورصة تنخفض يوما وترتفع أياما.

 وبات التزوّد بالخبز مشقّة يومية يعاني منها التونسي إذ يضطر إلى الوقوف في صفوف طويلة حتى يظفر بحاجته من هذه المادة الأساسية، إن توفرت, وهنا أصبحت أسعار الخبز تحكتم إلى أهواء الخبازة وإلى غرائز أصحاب محلات المواد الغذائية، حتى أنك تجد أسعارها في نفس المدينة تختلف من محل إلى آخر بتزكية من الدولة التي غابت وفرطت في دورها الرقابي التعديلي.

 من المسؤول عن الأزمة.. المخابز أم الدولة؟ فالمستهلك لا يجد في بلاده خبزه اليومي ويُجبر على شراء خبز رفيع فضلا عن معاناته في التلاعب بالوزن المحدد للقطعة الواحدة منه.. الدولة تتهم الصناعي بتحصله على الفارينة المدعمة بالكامل، ومقابل بيعها "كمادة رفيعة" بأسعار حرة، والصناعي يرى أن الدولة مقصرة في توفير واستيراد المواد الأساسية لصناعة الخبز.

الرئيس قيس سعيد اكتفى بالقول إن الأزمة تقف وراءها لوبيات معارضة تسعى لإثارة الفتنة من ورائها، ومنعت وزارة التجارة بعد ذلك 1500 مخبز من الحصول على الدقيق المدعم، وهو ما اضطر أصحاب المخابز الى الاجتحاج واتهام الدولة بمصادرة حقهم في الفارينة.

ويوجد في تونس 3737 مخبزا "مصنفا"، يحصلون على الدقيق المدعوم من قبل الحكومة، و1443 مخبزا "غير مصنف" يستفيدون من نفس الدقيق لكن بكميات أقل من المخابز الأخرى.

هي فعلا فوضى كبرى يتحمل وزرها أبناء هذا الوطن، فوضى السياسة وعدم القدرة على الحكم، فوضى التنازع على السلطة والمناصب ..ونحن إزاء دولة تفتقد لمنهجيات عمل ولسياسات عامة في ظل تقلبات دولية متسارعة وتحالفات اقتصادية جديدة.

وبدلا من البحث عن الأسباب الحقيقية للأزمات المتلاحقة التي تواجه اقتصاد تونس، يطنب رئيس الدولة في إحالة كل مشاكل تونس إلى المؤامرات التي تُحاك في "الغُرف المظلمة"، وإلى القوى الشريرة التي تتربّصُ بمشروعه الإصلاحي، ويكتفي بتقييم الوضع كونه نتاجا للاحتكار والمضاربة.

وحري بالسلطة وقائدها أن يعلموا أن أزمة الخبز هي في الحقيقة نتيجة لإهمال حكومي متراكم لقطاع الفلاحة والزراعة وكذلك عدم استعداد الدولة للتعامل مع سيناريو الجفاف.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.