كيف يمكن ان يكون نقل عدوى فيروس كورونا سببًا من أسباب المنع من الميراث ؟

 بقلم الأستاذ نادر الخماسي محامي وباحث في القانون-

تقوم القاعدة القانونية على مبدأ فلسفي هام جدا و هو " الافتراض”  فجل التشريعات عند صياغتها لنصوص قانونية , تنطلق من افتراض وجود إشكال أو حدث واقعي معين لتبني فيما بعد حل قانوني يستبق حصوله فإذا كان هناك شيء يمكن أن يحدث فمن المنطقي أن يكون للقانون قولٌ في ذلك وهذا ما ناد به رواد نظرية " كمال القانون" اللذين يعتبرون أن المنظومة القانونية يجب أن تكون شاملة وجامعة لكل الأحداث الواقعية التي من الممكن أن تحصل غير أنه في كثير من الأحيان يكون العقل البشري قاصرا على التنبؤ بما يمكن أن يحصل من أحداث تستحق التقنين لذلك نجد أن الواقع غالبا ما يفرز فراغا تشريعي و على أساس ذلك الفراغ تنشأ القاعدة القانونية .
ومن هذا المنطلق و إعمالا لتقنية الافتراض القانوني قررت أن أفترض حصول حدث واقعي معين و من ثم أقوم بالبحث داخل المنظومة القانونية التونسية لأجد إما إجابة أو فراغ قانوني يستوجب التقنين.
الفرضية الأولى:
لنفترض أنه ومع إنتشار فيروس كورونا وطنيا و عالميا وتسببه في الكثير من حالات الوفيات قام شخص بإعداد مخطط إجرامي للانتقام من ( والده، والدته، زوجته أو زوجها .. أو اي شخص اخر تربطه به علاقة توريث )
و ذلك بتعمده نقل عدوى فيروس كورونا مع علمه أن ذلك الشخص مصاب مثلا بمرض فقدان المناعة أو أمراض أخرى يغلب فيها إحتمال الموت و تسبب ذلك في وفاته
الفرضية الثانية:
نفس الشخص قام بنقل العدوى لـ ( والده، والدته، زوجته أو زوجها ..أو اي شخص اخر تربطه به علاقة توريث ) وذلك دون قصد و تسبب ذلك في وفاته 
للجواب عن الحل القانوني المستوجب أمام هاتين الفرضيتين لابد من التعرض لجانبين :
الجانب الأول يتمثل في ما مدى إمكانية إعتبار نقل عدوى فيروس كورونا جريمة يتحمل مرتكبها المسؤولية الجنائية ؟
أما الجانب الثاني فيتعين في تأثير هاته المسؤولية الجزائية على الحق في الميراث ؟
الجانب الأول هل يمكن إعتبار نقل عدوى فيروس كورونا جريمة يتحمل مرتكبها المسؤولية الجنائية ؟
في البداية تشكل المسؤولية الجزائية الركن الأساسي في النظام الجنائي العقابي، فالملاحقة ترمي إلى إقامة المسؤولية على عاتق مرتكب الجرم بغرض إنزال الجزاء عليه بشرط أن يكون قد ارتكب خطأ جنائيا وان يكون أهلاً لتحمل نتيجة هذا الخطأ وذلك بشرط أن تتوفر في الجريمة أركانها الثلاثة وهي الركن الشرعي بمعنى وجود نص قانوني سابق الوضع يجرم الفعل المرتكب، الركن المادي  وهو عبارة عن  النشاط الإجرامي سواء كان فعلا إيجابي أو سلبي ( كجريمة الامتناع عن الإنجاد القانوني مثلا ) و الركن المعنوي بمعنى إتجاه إرادة الجاني إلى القيام بالفعل المجرم عن وعي وإدراك.
وعموما جاء بالفصل 201 من المجلة الجزائية التونسية أنه  يعاقب بالإعدام كل من يرتكب عمدا مع سابقية القصد قتل نفس بأي وسيلة كانت.
والوسيلة هي كل أداة يستعان بها لإحداث النتيجة المطلوبة سواء كانت هذه الوسائل قاتلة أم غير قاتلة، ولكنها تودي إلى النتيجة نفسها وهي ازهاق الروح البشرية و لم يسعى القانون التونسي كغيره من القوانين الأخرى إلى تعداد الوسائل التي يمكن إستخدامها للقتل و ذلك لكونها تتطور بمرور الزمن فأصبحنا الآن نتحدث عن القتل العصري او القتل البيولوجي و ذلك بإستخدام الفيروسات المتطورة والقاتلة وعلى هذا الأساس يمكن ان نعتبر فيروس كورونا ورغم جهلنا بمصدره أنه من بين الوسائل التي يمكن إستخدامها لقتل نفس بشرية.
كما جاء بالفصل 217 من المجلة الجزائية أنه يعاقب بالسجن مدة عامين وبخطية قدرها سبعمائة وعشرون دينارا مرتكب القتل عن غير قصد الواقع أو المتسبب عن قصور أو عدم احتياط أو إهمال أو عدم تنبّه أو عدم مراعاة القوانين.
كما جاء بالفصل 312 أنه يعاقب بالسجن مدة ستة أشهر وبخطية قدرها مائة وعشرون دينارا كل من يخالف التحجيرات وتدابير الوقاية والمراقبة المأمور بها حال وجود مرض وبائي.
وعلى هذا الأساس فإن نقل عدوى فيروس كورونا هي جريمة يعاقب القانون مرتكبها و يكون العقاب بحسب شدة خطورة الفعل المرتكب فإذا كان نقل العدوى بصفة قصدية و نجم عن ذلك وفاة الضحية كانت الفعلة من قبيل جرائم القتل المتعمد طبقا لأحكام الفصل 201 من المجلة الجزائية .
أما إذا كان نقل العدوى بصفة غير قصدية و نجم عن ذلك وفاة الضحية كانت الفعلة من قبيل جرائم القتل غير العمدي طبقا لأحكام الفصل 217 من المجلة الجزائية
 و قد سبق للنيابة العمومية بالمحكمة الإبتدائية بالمهدية في 8 جويلية 2020 أن أحالت شخص من أجل تسببه في نقل عدوى الفيروس إلى شخصين آخرين.
لكن في الحقيقة تمثل مسألة الإثبات عائق هام أمام الفصل في إسناد هذا الفعل المجرم لصاحبه بمعنى أنه من الناحية الطبية و العلمية لا يمكن أن نثبت أن الفيروس قد إنتقل من القاتل إلى الضحية بصفة قطعية وذلك لأن التركيبة التحليلية لفيروس كورونا لا تحمل عند إنتقالها من شخص إلى أخر سماته الجينية وإنما تحافظ على التركيبة الجينية الخاصة بالفيروس، لكن يمكن أن نثبت هذا الفعل عن طريق جميع الوسائل الأخرى بما أن الإثبات في المادة الجنائية يحكمه مبدأ الحرية.
الجانب الثاني كيف يمكن أن تؤثر هاته المسؤولية الجزائية على الحق في الميراث ؟
جاء بالفصل 88 من مجلة الأحوال الشخصية أن القتل العمد من موانع الميراث فلا يرث القاتل سواء كان فاعلا أصليا أم شريكا أو كان شاهد زور أدت شهادته إلى الحكم بالإعدام و تنفيذه.
و معنى ذلك أن كل شخص تعمد قتل شخص أخر تربطهم علاقة توريث مثال (قتل الولد لأبيه …قتل الزوجة لزوجها …) يمنع من الميراث بصريح الفصل 88 .
وعلى هذا الأساس فكل من يتعمد نقل عدوى فيروس كورونا إلى شخص أخر تربطه به علاقة توريث و ذلك بنية قتله و إزهاق نفسه البشرية و كانت النتيجة كذلك فإن الفاعل يحرم من الميراث كجزاء له.
أما إذا كان نقل العدوى بصفة غير متعمدة فإنه يحافظ على حقه في الميراث لأن الفصل 88 كان واضحا في حصر المنع على القتل العمد لا غير.
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.