كلمة المرزوقي بمناسبة عيد الجمهورية

انتظمت اليوم الجمعة 25 جويلية 2014 جلسة عامة ممتازة بالمجلس الوطني التأسيسي احتفالا بالذكرى الـ57 لاعلان الجمهورية، وذلك بحضور الرؤساء الثلاثة .

تطرق رئيس المجلس الوطني التأسيسي مصطفى بن جعفر إلى الوضع الأمني وشدد على ضرورة إنشاء صندوق وطني لمكافحة الإرهاب، داعيا التونسيين لإنجاح الإنتخابات المقبلة.

فيما عدّد رئيس الجمهورية المؤقت منصف المرزوقي الإنجازات التي تحققت بعد الثورة وخاصة الدستور الجديد والمحافظة على الحريات، كما أثنى على مجهودات المجتمع المدني خلال المرحلة الإنتقالية. ودعا التونسين إلى الإلتفاف حول المؤسسة العسكرية والأمنية لمكافحة الإرهاب. 

وفي ما يلي نصّ كلمة المرزوقي كاملة وفقا للصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على الفايسبوك:

"السيد رئيس المجلس التأسيسي 
السيد رئيس الحكومة 
السادة والسيدات النواب 
السيدات والسادة ممثلي الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات المدنية والعسكرية 
السيدات والسادة ممثلي الدول الشقيقة والصديقة 
الضيوف الكرام 
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

ونحن نحتفل بالذكرى السابعة والخمسين لعيد الجمهورية لنتذكّر ولنترحّم على كل الشهداء الذين سقت دماؤهم شجرة الحرية . لنتذكر شهداء المقاومة البارحة… وشهداء الثورة والجيش والأمن اليوم … لنتذكّر فرحات حشاد والحبيب بورقيبة وصالح بين يوسف والهادي شاكر وكل الأبطال المغمورين الذين صنعت تضحياتهم الدولة والجمهورية… .لنتذكّر زميلنا الذي سقط تحت رصاص الغدر السنة الماضية في مثل هذا اليوم الشهيد محمد البراهمي تغمّده الله بواسع رحمته .
تتذكرون دون شك أنني توجّهت ذلك اليوم إليكم بخطاب مفعم بالأمل وبالثقة في نهاية قريبة وسعيدة وسريعة للمسار الانتقالي.
ذلك الصباح كنا جميعا على وفاق تام حول أمهات القضايا وكنا على ثقة تامة بأن الجمهورية التي أتينا للاحتفال بذكراها لم تعد شعارا وحلما وإنما أصبحت واقعا معيشا و أن عودها يصلب يوما بعد يوم …أنها تحقق يوما بعد يوم أهداف ثورة 17 ديسمبر المجيدة.
لكن ….تجري الرياح بما لا تشتهي السفن .
نزل علينا نزول الصاعقة حوالي منتصف النهار خبر الجريمة النكراء وكانت الضربة الثانية للانتقال السلمي بعد اغتيال الشهيد شكري بلعيد يوم 6 فيفري 2013. منذ تلك اللحظة دخلنا في نفق مظلم كاد أن يؤدّي بالمؤسسات الشرعية إلى الهاوية وأن يفتح الباب على مصراعيه للمجهول المرعب.
سنة صعبة مريرة مرّت علينا ونحن نواجه أيضا مسلسل أزمات آخرها كلفتنا كما غير مسبوق من الجرحى والشهداء وآخرها فاجعة 17 جويلية في جبل الشعانمبي التي كلفتنا 15شهيدا .
نعم تجري الرياح بما لا تشتهي السفن لكن هناك بقية لهذه الحكمة وهو أن الرياح تجري أيضا بما تشتهي السفن وإلا لما وجدت السفن والموانئ التي تتوجّه إليها. 
كم من إنجازات حققناها هذه السنة العصيبة -ربما أصعب سنة في تاريخنا المعاصر. كنا على قاب قوسين أو أدنى من السقوط في الفوضى أوالعودة للاستبداد. لا عدنا للاستبداد ولا حصلت الفوضى. بل بالعكس
– حافظنا على كل الحريات الفردية والجماعية وأساسا حرية الرأي وحرية التظاهر فلم يسجن صحافي واحد ولم يحاكم مواطن واحد على موقف سياسي ولم يقتل متظاهر واحد .
-أنهينا صياغة دستور توافقي ولا أذكّر منظرا أثلج صدري وزاد من إيماني بشعبي وبوطني قدر ذلك المنظر الفريد لخصمين سياسيين لدودين فرّقت بينهما الأفكار وجمعهما حبّ تونس ووجدا الطريق تلك الليلة المشهودة كل لأحضان الآخر. 
– بنينا المؤسسات المستقلة للإعلام، للقضاء العدلي، للانتخابات، للعدالة الانتقالية …هذه المؤسسات التي يجب علينا في السلطة والمجتمع دعمها وتسهيل مهمتها واحترام صلاحياتها.
-توافقنا على حكومة تكمل المرحلة الانتقالية هي الأخرى يجب دعمها حتى نصل المرحلة الانتخابية في أحسن الظروف.
-حدّدنا تاريخ الانتخابات التشريعية والرئاسية وفقا لأحكام الدستور .
-بدأنا الاصلاحات لتكون الآلة الاقتصادية جاهزة للانطلاق حالما تنتهي المرحلة الانتقالية.
-قاومنا ولا نزال العصابات الارهابية ولو بالثمن الباهظ والتضحيات القصوى لشهداء الجيش واسلاك الأمن – تغمّدهم الله بواسع رحمته- وبثمن آلام الجرحى – شفاهم الله- وبثمن معاناة عائلاتهم –أعانهم الله على تحمّل أكبر مصيبة.
-وقفنا دون خوف أو حسابات مع شعوب امتنا وسنواصل دعم أهلنا في فلسطين وفي غزّة بكل ما نقدر عليه . كيف لا وهم على خطّ النار لا يقاومون فقط غطرسة الاستيطان والحصار وإنما يقاومون من أجل القيم التي تأسّس عليها الربيع العربي.
كل هذه الانتصارات كانت انتصاراتنا جميعا بمختلف مشاربنا الفكرية ، بمختلف مؤسساتنا السياسية والمجتمعية والعسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية…انتصارات أجمل ما فيها أنها كانت أيضا وربما قبل كل شيء انتصارات على أنفسنا .
أيها الاخوة والأخوات
كم من مرّة سئلت عن سبب ما يمكن تسميته الاستثناء التونسي.
أربعة اسباب هيكلية هي نتاج تاريخنا الطويل .
1-طبيعة شعبنا بقيمه المعروفة من اعتدال ووسطية والذي أحييّ فيه صبره وذكاءه.
2-طبيعة جيشنا المتميّز بالمهنية والوطنية والتمسّك بالشرعية وأمننا الذي تصرّف في أصعب الظروف كأمن جمهوري واللذين أحييّ فيهما روح البذل والعطاء وأدعو الشعب للالتفاف حولهما أكثر من أي وقت مضى. 
3-قوّة وحضور المجتمع المدني الذي لعب الدور المشرّف والهائل الذي تعرفون في حلّ الأزمة الأخيرة والذي أحييّ فيه حسّ المبادرة وروح المسؤولية وأريد أن أخصّ بالشكر الرباعي وأيضا آلاف الجمعيات التي تعمل في كل الميادين وفي صمت.
-أخيرا لا آخرا طبيعة نخبنا السياسية .إن الحرب خلافا لمقولة كلاوسفيتز الشهيرة ليست مواصلة السياسة بوسائل أخرى وإنما هي توقف السياسة وفشلها في تحقيق مهمتها الأولى. أن السياسة هي فنّ حلّ المشاكل العديدة والمعقدة التي لا يخلو منها مجتمع إنساني بالتحاور والتفاوض والتنازل بغية تخفيض الاحتقان داخل المجتمع والدولة ومنع تحوله إلى عنف دموي مدمّر للجميع . 
لقد أظهرت طبقتنا السياسية قدرة بارعة على التفاوض والتنازل المتبادل فوفّرت على بلادنا ويلات العنف ومن ثمّ يمكن القول أنها حقّقت مهمّة السياسية الأولى وأحيّيها على كل ما قدّمت وما ستقدّم . 
أيها الاخوة والأخوات 
إن نجاحنا في قطع بقية الشوط مرتبط أولا وقبل كل شيء بتدعيم الوحدة الوطنية وجعلها حصننا الحصين فلا نأخذ بخناق بعضنا البعض بعد كل حادثة أليمة لأن هذا ما يريده بالضبط أعداء وطننا.فالعصابات الارهابية أوّل من يعلم أنه لا مجال لها لإحراز نصر عسكري ولا أن تشكّل تهديدا جديا للدولة. كل ما تسعى إليه بثّ الفرقة في الطبقة السياسية والبلبلة في المجتمع وخاصة ضرب الروح المعنوية. إن إفشال مخطط الإرهاب يمرّ أولا برفض التخويف والتهديد ومواصلة العيش أيا كانت الضربات المقبلة بروح معنوية عالية لأننا دخلنا حربا طويلة المدى لن نربحها إلا بالنفس الطويل والاستعداد الهادئ والتعلم السريع من الأخطاء.
علينا أيضا الالتحام بمؤسستينا العسكرية والأمنية ودعمهما معنويا وماديا وأريد هنا أن أجدّد شكري وثقتي في المؤسستين وفي قيادتهما ويقيني أنهما لن تدخّرا جهدا في التطور الكمي والنوعي لمواجهة تحديات حرب لم يمكننا الاستبداد بالاستعداد لها ومن ثمة ضرورة تدارك كل الوقت الضائع عدّة وعديدا وتدريبا لنهزم الارهاب.
إلا أن عليّ التذكير بأن التحدّي الحقيقي أمامنا ليس كسر شوكة هذا الإرهاب بالقوة العسكرية والأمنية فقط إنما كسره في إطار التمسّك بحقوق الانسان وأساسا بحرية الضمير والعبادة والرأي واللباس والتظاهر وبالرفض التام للتعذيب أو لأي نوع من التمييز بين المواطنين.
الحرب ضدّ الإرهاب حقّا صراع ضدّ العنف وأهم محدّداته أي الفقر والجهل والتعصّب ولكنها صراع أخلاقي قبل كلّ شيء ومن يلتزم بتعاليم الإسلام الحقيقية وثوابت حقوق الإنسان هو المنتصر النهائي.
الشرط الثاني للنجاح هو حشد كل قوانا لإنجاح الانتخابات التشريعية والرئاسية.
إننا نعرف جميعا الصعوبات المادية الكبيرة التي يتخبط فيها معظم التونسيين ونعرف أن الاستثمار الداخلي والخارجي الذي هو محرك النمو يشترط نهاية المرحلة الانتقالية وبالتالي فإن وضع المصلحة الجماعية فوق كل اعتبار يحتّم علينا أن تقع الانتخابات التشريعية – أيا كانت العراقيل التي ستوضع في وجهنا وأيا كانت المصاعب -يوم 26 أكتوبر والدورة الأولى للرئاسيات يوم 23 نوفمبر والجولة الثانية يوم 28 ديسمبر 2014. إنني أسجّل ببالغ الارتياح حصول وفاق واسع من كل الأطراف على أن تقام هذه الانتخابات في موعدها وهو ما يؤكّد مرّة أخرى غلبة حسّ المسؤولية والمصلحة العامة على كل ما عداها من اعتبارات . 
هنا أودّ إعلامكم أنني أمضيت البارحة القرار الجمهوري لدعوة الناخبين في التواريخ المحددة.
الشرط الثالث للنجاح الجوّ السليم للانتخابات 
علينا ان نبارك مجهودات المجتمع المدني في بلورة عقد الشرف بين المتنافسين في الانتخابات المقبلة وخاصة إمضاء أغلب القوى السياسية عليه . يبقى الآن الالتزام به حتى تكون الحملات الانتخابية مقارعة الفكرة بالفكرة والبرنامج بالبرنامج وألا تسقط أبدا في الهجومات الشخصية المجانية والظالمة .
أن قدرنا جميعا في ظل المنظومة الديمقراطية التي ارتأيناها والنظام الانتخابي الذي اخترناه أن تحكم تونس بالشراكة حيث لم يعد بقدرة شخص أو حزب أو طبقة أو جهة أو ايدولوجية أن تستفرد بالسلطة وأن الوفاق الذي منعنا به الانجراف نحو الفوضى والعنف هو نفس الوفاق الذي يجب على التونسيين والتونسيات أن يتمسكوا به غدا للمشي في نفس الطريق . مما يعني أن علينا ألا نسيء للمستقبل بالإساءة للحاضر 
الشرط الرابع والأخير المشاركة الشعبية الواسعة 
إن تونس لم تعرف على مرّ تاريخها المعاصر تقاطع طريق بمثل الخطورة الذي ستشكله أشهر اكتوبر ونوفمبر وديسمبر 2014 حيث سيتقرر مصير التونسيين لا للخمس سنوات المقبلة فقط وإنما ربما لعقود. هنا أتوجّه مجدّدا لكل المواطنين والمواطنات بما سبق أن ردّدته وهو أنهم إذا لم يختاروا من يمثلهم ومن سيحكمهم الخمس السنوات المقبلة أي من سيقررون مصيرهم ومصير عائلاتهم فإنهم يتركون هذه القوة الهائلة بيدي غيرهم ومن ثمة ندائي لهم كونوا من صناع التاريخ لا من ضحاياه .
أيها الاخوة والأخوات 
مهما كان الشخص الذي سيتوجه السنة المقبلة في هذا المكان وفي هذه اليوم إلى الأشخاص الذين سيكونون مكانكم فإنني آمل ويجب أن نفعل كل ما بوسعنا ليقول :
رغم كل المصاعب، حشرنا الارهاب في الزاوية وفوتنا عليه مخططاته الجهنمية بالحفاظ على الروح المعنوية الثابتة والوحدة الوطنية ….حققنا قفزة نوعية في تقوية جيشنا وأمننا الوطني ….نظمنا انتخابات ابهرت العالم مرّة أخرى بنزاهتها وشفافيتها …واصلنا بناء أسس الدولة الديمقراطية ونظمنا في أحسن الظروف الانتخابات البلدية التي أعادت النظافة والحيوية لمدننا وقرانا بل ونجحنا في تنظيم انتخابات الأقاليم التي ستعطي لهذه الأخيرة سلطة واسعة ومرونة كبرى لتنمية الجهات…حافظنا على كل الحقوق والحريات ورسّخناها يوما بعد يوم …مكنّنا الآلة الاقتصادية من كل ظروف العمل وها هي تنطلق بسرعة لم نتوقعها وها هي بوادر التنمية تظهر في كل مكان .
نعم هذا ما آمل أن يقوله الرئيس المقبل للبرلمان المقبل يوم 25 جويلية 2015 ومسؤوليتنا جميعا أن نوحّد جهودنا لكي لا يكذّبنا ويسفّهنا التاريخ ولكي لا يسخر من آمالنا الساخرون ويتشمت في وطننا الشامتون.
أيها الاخوة والأخوات
قدرنا أن نمرّ من صعوبة إلى صعوبة. عرفنا صعوبات التخلص من الدكتاتورية ونعرف مصاعب إدارة المرحلة الانتقالية وغدا سنعرف مصاعب تثبيت الديمقراطية والتنمية العادلة والمستديمة وكم صدق الفيلسوف الدانماركي كيركقارد عنما قال الطريق ليس صعبا، الصعب هو الطريق . أمر طبيعي. متى كانت جلائل الأعمال كالتي نسعى إليها سهلة ؟
قال تعالى ''وقل اعملوا فسيرى الله عملكم '' 
المجد والخلود لشهدائنا الأبرار –
تحيا الثورة –
تحيا الديمقراطية-
تحيا الجمهورية 
تحيا الديمقراطية- تحيا الجمهورية – نموت، نموت ويحيا الوطن."

آخر الأخبار

الأكثر قراءة

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.