كفّوا آذاكم عن الصحفيّين…

 يسرى الشيخاوي-

تتواتر في الآونة الأخيرة الاعتداءات على الصحفيين في تجلّيات مختلفة طالت الصحفيين المحلّيين ومراسلي الإعلام الأجنبي على حدّ سواء في مشهدية تنذر بانتكاس واقع الصحافة في تونس.

 بعيدا عن الاعتداءات التي تطال الصحافيين أثناء تغطيتهم للإضرابات والمسيرات والتي صارت مألوفة ومتوقّعة في أحيان كثيرة، اقترنت الاعتداءات اليوم بالطبقة السياسية وإن كانت متعلّقة ببعض التصريحات إلا أنّها مصدر تهديد للسلامة الجسدية للصحفيين.

ومن نوائب الدهر أن يحرّض نوّاب على صحفيين لكونهم مراسلين لقنوات لا يستسيغون خطّها التحريري وتوجهها حتّى ان الأمر بلغ حد التهكم عليهم في مؤتمر لكتلتي ائتلاف الكرامة وقلب تونس.

"مرحبا بكل وسائل الإعلام المحلية والدولية بما في ذلك القنوات الغائبة عن المؤتمر الصحافي، وأخص بالذكر قنوات العربية والحدث"، كلمات استهلّ بها رئيس كتلة ائتلاف الكرامة سيف الدين مخلوف حديثه ليثير ضحك زملائه في القاعة دون ان يكلّف أحدهم نفسه عناء لفت انتباهه إلى ما في قوله من خطورة.

وبغض النظر عمّا أتاه مخلوف فإنّ فعله كان فرصة لتبيان تضامن الصحفيين فيما بينهم إذ انسحبوا من المؤتمر الصحفي ليجد مخلوف نفسه يتحدّث قبالة كراسي فارغة ويجني ثمار " نكتة" بائسة كحال الوضع السياسي في تونس.

هي ليست الكرّة الأولى التي يستبيح فيها مخلوف الصحفيين بتصريحات ترشح تحريضا وتهجّما، ويبدو عذره أقبح من ذنبه إذ ينفي تحريضه على الصحفيين ولكنه في المقابل ينتقد حضور قنوات العربية والحدث وسكاي نيوز والغد  في تحركات من وصفهم بالانقلابيين وغيابهم في تغطية جلسة عامة، أو ليس هذا من باب التحريض والتحامل؟

ويظهر أن نوّاب ائتلاف الكرامة لن يكفّوا اذاهم عن الصحفيين، فلم يتردّد النائب يسري الدالي في كتابة تدوينة جاء فيها "سنضيف إلى النظام الداخلي في مجلس نواب الشعب تمنع وسائل الإعلام من دخول المجلس في حال ثبوت اختلاق الإشاعات أو الافتراء على النوّاب". 

أوليس فيما كتبه الدالي محاولة لقمع حرّية الصحافة، ثم ماهي المعايير التي يتحدّد بناء عليها إذا كان الأمر إشاعة أو افتراء أم لا، ألا يمكن ان يكون الامر مجرّد محاولة لضرب حرّية الصحافة تحت مسمّى محاربة الإشاعة والافتراء.

من جهته لا يفوّت سيف الدين مخلوف الفرصة بتوجيه سهامه إلى الإعلام ولم يتردّد في نشر صور لجرائد تونسية وإرفاقها بتعليق" انقلاب على مؤسسات الدولة المنتخبة .. ومنع انعقاد جلسات البرلمان ومنع انتخاب المحكمة الدستورية بالقوة .. ولا جريدة من جرايد تونس اكترثت للموضوع ..". 

ألا يتضمن تعيلقه تحريضا على الصحافيين وكأن الصحافيين منحازون لجهة على حساب أخرى ولا يكترثون لما يجري في مجلس نواب الشعب وكأنه الوطني الوحيد الذي تحرّكه الغيرة على تونس.

ولا تسل عن كمّ الحقد الذي يوشّح تعليقات متابعي هذا النوع من التدوينات وكم السباب والشتم الذي يطال الصحفيين، وهو ما يستدعي ضرورة تحرّك الهياكل المهنية لوضع حد لهذا الانفلات خاصة وأن في الأمر تهديد لسلامة الصحفيين.

وبالتزامن مع تدوينات تحشر الصحافة في خانة التخوين والانحياز، تمنع الصحفية بإذاعة شمس أف ام خولة السليتي من دخول البرلمان لمواكبة تطورات اعتصام كتلة الدستوري الحر.

ويأتي هذا المنع في ظل  طلب من رئيس البرلمان من وزير الداخلية للتدخل الأمني لفض الاعتصام الذي يُعطل أشغال البرلمان، ولو باستعمال القوة، ولكن ذلك ليس مبرّرا لمنع صحفي من نقل الأخبار إلى الرأي العام.

وفيما أبلغ الأمن الرئاسي خولة السليتي أنّ  لديه تعليمات بعدم إدخال أي شخص إلى مجلس النواب بما في ذلك الصحفيين وأنه من الأفضل التنسيق مع مصالح الإعلام في المجلس، تصدر الإدارة العامة للإعلام والاتصال بمجلس نواب الشعب بيانا توضيحيا تنفي فيه قرار منع الصحفيين من العمل في رحاب المجلس.

في البيان ذاته، ورد أن مواكبة أنشطة المجلس مسموح بها للمسجّلين بالقائمات المعتمدة بالمركز الإعلامي بالمجلس، والحال أنه تم منع الصحفية من الدخول دون التثبت من وجود اسمها في السجل من عدمه، علما وأنها مسجلة وليست المرة الأولى التي تزور فيها المجلس.

والصحفية خولة السليتي ليست الوحيدة التي تم منعها من دخول البرلمان إذ تم في وقت سابق منع زميل آخر بتعلات واهية، والأمر لا يمكن أن يكون من باب الصدفة وإنما هي محاولات ممنهجة لضرب الصحافة في مقتل.

"كفوا آذاكم عن الصحافيين" ليت البعض يستوعبون هذه الكلمات لأن الصحفي دائما ما يكون في رواية احدهم منحازا إذا ما نقل الحقيقة كماهي ولم يبيض الصور القاتمة ولم يطبّع مع الفساد. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.