كذب أردوغان مرة وأخطأ قيس سعيد مرات

بقلم: نبيل الأحمدي

 

هدأت العاصفة وبات ملائما إستبيان ما لف زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى تونس من مغالطات وأكاذيب وأخطاء بالمنطق والحجة لا بالأهواء .

 

وبعيدا عن الجدل الذي رافق شكل زيارة أردوغان الغير معلنة، فقد كان لمضمونها نصيب من الجدل خاصة في ظل صمت مؤسسة رئاسة الجمهورية عن كشف كل تفاصيل الزيارة ومخرجاتها .
 
ولعل أكثر مكامن الجدل في هذه الزيارة هو إعلان الرئيس التركي إتفاقه مع نظيره التونسي على دعم حكومة الوفاق الوطني أمام الهجوم الذي تتعرض له العاصمة الليبية طرابلس من قبل قوات خليفة حفتر.
 
تصريح هاجت وماجت معه صفحات مواقع التواصل الاجتماعي ونخب البلاد وحتى البعض من أحزابها استنكارا للاتفاق واستهجانا لصدوره من الجانب التركي دون إفصاح ولا حتى تلميح من الجانب التونسي، غير أن المراقب لتقلب الأحداث وتسارعها سيتأكد وبلا شك بأن أردوغان كذب حين قال بأنه اتفق مع قيس سعيد على دعم حكومة السراج فيما يفهم منه اصطفاف تونسي ضد محور حفتر.
 
ولن يحتاج المرء سوى لبعض المنطق لدحض أكذوبة أردوغان التي قد توصف سياسيا بالخدعة وعسكريا بالمناورة. وأول خيوط الخدعة هو مكان وتوقيت إعلانها فهل يصدق عاقل بأن أردوغان كتم على صدره يوما كاملا على اتفاق بهذ الحجم والخطورة، طار لأجله بمستشاريه وكبار وزرائه إلى تونس ليعلنه كنصر مبين بعد 24 ساعة في تركيا؟ ألم يكن بإمكان أردوغان الإعلان عن هذا الاتفاق في مؤتمره الصحفي المشترك مع نظيره التونسي في قصر قرطاج إذا كان الاتفاق قد حصل بالفعل؟ هو وحده الخوف ما يبرر ما فعله أردوغان، الخوف من أن ينكر مضيفه هذا الاتفاق أمام أعين الصحفيين والكاميرا فتكون الصدمة والاحراج والخذلان.
 
لنأتي بعد المكان إلى الزمان، فزيارة أردوغان إلى تونس تأتي في ظل إحتدام المعارك في العاصمة طرابلس و تباين موازين القوى الدولية والإقليمية الداعمة لطرفي الحرب حيث بات من الواضح أن دائرة الدعم بدأت تضيق على حكومة السراج، فلا داعم لها اليوم سوى أنقرة و الدوحة مقابل تضخم قوة المحور الداعم لحفتر الذي يضم فرنسا ومصر والامارات والسعودية وروسيا وبدرجة أقل الولايات المتحدة واليونان وقبرص. 
 
التباين الكبير في موازين القوى و فقدان حكومة الوفاق السيطرة على بعض أحياء العاصمة طرابلس كان يتطلب مناورة سياسية لتعديل كفة الحرب من خلال الإيهام بإنضمام دول جديدة إلى المحور الداعم لحكومة السراج وهي المهمة التي طار لأجلها أردوغان إلى تونس دون سابق إعلام أو إنذار، وحاول الرئيس التركي من أجل تحقيقها إقحام تونس والجزائر في حلف السراج تحت ستار مؤتمر برلين.
 
مناورة أردوغان لقلب موازين القوى في معركة طرابلس أكدها بعد 24 ساعة، وزير الداخلية الليبي فتحي باشاغا ومن تونس أيضا حيث تعمد حشر تونس والجزائر في نفس السلة مع حكومة السراج حين شدد على أن مصير حكومة الوفاق وتونس والجزائر واحد أمام هجوم حفتر.
 
مناورة "الاتفاق المزعوم" أكدها الموقف الجزائري من تصريحات أردوغان ومن مجريات الحرب في ليبيا حيث دعا الرئيس الجزائري المنتخب حديثا عبد المجيد تبون الليبيين إلى تجاوز خلافاتهم ونبذ التدخلات الأجنبية في البلاد .
 
أما فيما يتعلق بالجانب التونسي الذي نفى هذا الاتفاق فلن يكون منطقيا قبول الرئيس التونسي الاصفاف وراء تركيا وحكومة الوفاق وما سيترتب عن ذلك من نتائج قد تكون كارثية على أمن البلاد ومستقبل علاقاتها مع ليبيا، مقابل التعهد ببناء مستشفى وتوريد كميات من الزيت والتمور حتى لو افترضنا أن لا خبرة لسعيد في التفاوض السياسي . 
 
الجميع يعلم موقف الرئيس التونسي من الملف الليبي حتى قبل صعوده للحكم والأحمق فقط سيصدق بأن سعيد الذي استضاف قبل يوم من زيارة الرئيس التركي قادة وزعماء القبائل الليبية لبحث مبادرة وساطة وسلام تونسية لاحلال السلام في هذا البلد قد قرر بعد ساعات من الجلوس مع أردوغان أن يدعم شقا وصفا ليبيا على حساب آخر حتى لو كان معترف به من الامم المتحدة.
 
الرئيس التونسي قيس سعيد وإن كان بريئا من خدعة أردوغان فيبدو بأنه دخل مرحلة الهوس بالمؤمرات الداخلية والغرف المظلمة ما دفعه لمهاجمة وسائل الإعلام المحلية بطريقة غير مباشرة متهما إياها بإختلاق قصص واتفاقيات غير موجودة بغاية تشويهه متناسيا بأن ضيفه التركي هو من أعلن صراحة بأنه اتفق معه على دعم حكومة السراج.
 
هجوم سعيد على وسائل الإعلام المحلية وإن كان ردة فعل على الضغط الذي سلط عليه حول ملابسات الزيارة لم يكن موفقا، ففي الوقت الذي كان فيه صحفيو تونس ينتظرون من رئيسهم اعتذارا على الأسلوب النوفمبري الذي تعاملت به مصالح الإعلام في مؤسسة الرئاسة معهم في إعلامهم بالزيارة والمفاضلة بين المؤسسات الاعلامية في تغطيتها ، صوب الرئيس سهام نقده واتهاماته الجارحة والغير مفهومة لمن تعهد بضمان حرية وصولهم للمعلومة كجزء من حرية التعبير التي لطالما تشدق بها.
 
سيدي الرئيس أخطأت في إختيار كلماتك كما أخطأت في اختيار الهدف وحتى لو افترضنا أن تجنبك تكذيب ضيفك التركي صراحة هو محاولة للحفاظ على وعوده الاستثمارية في تونس فلتعلم سيادة الرئيس أن زيارة أردوغان إلى تونس كانت أول إختبار فشلتم فيه بالطول والعرض ولو كان ما نقوله إستهدافا لكم لعددنا أخطاءكم التي لا تعد ولا تحصر وقد يطول الحديث عنها.
 
أملنا أن تتدبروا لتجنب هذا الفشل مستقبلا وأن لا تتخذو من الإعلام عدوا لكم لمصلحتكم ومصلحة البلاد ولكم في الرئيس السابق المنصف المرزوقي والرئيس الأمريكي دونالد ترامب خير عبرة وخير مثال.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.