كتابة وغناء.. هيكل الحزقي وسامية الحامي يقتفيان أثر إسماعيل الحطاب

 يسرى الشيخاوي-

"بين الوديان" و"دزيتيلي هاني جيتك"، والخمسة اللي لحقوا بالجرة" أغان وجدت طريقها إلى الذاكرة التونسية وافتكت مكانها في الخانات التي يطالها النسيان لتظل شاهدة على فرادة الصوت الذي صدح بها، الفنان اسماعيل الحطاب.

اسماعيل الحطاب الذي تقتحم بحة صوته داخلك دون إيذان وتتسرب تفاصيل حضوره في ثنايا وجدانك، صاحب مسيرة مغرية بالنبش في تفاصيلها وهو الآتي من الهامش ليرسخ ذكراه في زوايا المركز  وأركانه.

هذا الفنان الذي ما مر من مكان إلا وخلف بصمته، يحمل في طي مسيرته حكايات تحمل المعاناة والجمالية اللتان توشحان أغانيه، ولكن رغم ثقل إرثه الفني وعمق تجربته إلا أن عديد الأسئلة بخصوص حياته ظلت بلا أجوبة.

من هنا تشكلت ملامح مقال للكاتب الصحفي المختص في المجال الموسيقي هيكل الحزقي، مقال منشور بمجلة "معازف" يروي فيه خفايا مسيرة الفنان اسماعيل حطاب متخذا له عنوان " إسمع يلي تحب تغني/ عن مسيرة إسماعيل حطاب وارثه".

بعيدا عن أسلوبه الذي يراوح بين الجانب الأكاديمي العلمي المستند إلى المراجع وروح السرد الممتع، يقدم الحزقي أجوبة موسيقية وتاريخية تخص مسيرة هذا الرجل الذي كان ومازال مصدر إعجاب والهام.

متحديا شح المصادر والمراجع في علاقة بإرث ممتد في الزمان، يخوض مغامرته حتى النهاية مستأنسا  ببعض التسجيلات الإذاعية والتلفزيونية والروايات الشفوية ليرسم تفاصيل ملمح يشدك إليه من فاتحته إلى خاتمته.

من ولادته في قرية الخمامرة وارتباط تفاصيل من مسيرته بتاريخ المثاليث، وصولا إلى الانتقال عائلته إلى العاصمة، ينثر الحزقي حلقات من تاريخ فنان لن يتكرر ويقتفي أثره في الشهادات.

على إيقاع أنفاس والده "الحطاب" المتناثرة في القصبة وصور مواسم الحصاد وجمع الزيتون التي تتبدى بين السطور، تتقاطع روايات أهالي جبنيانة مع الشهادات عند نبوغ إسماعيل الحطاب في الحفظ والأداء.

الانتقال إلى العاصمة يمثل مرحلة فارقة في مسيرة اسماعيل حطاب، وفق ما يظهر في نص المقال، ومن لقائه مع عائشة ومامية إلى وصوله إلى الإذاعة والاحتفاء به مغنيا لا يتخلى عن طابعه البدوي، يرص اللبنة تلو الاخرى في مسيرته.

عن اختلاف اسماعيل خطاب وعن كل الخصائص التي صنعت منه رقما صعبا في اللون البدوي، تحدث المقال أيضا وغاص في طابعه الخاص وتميزه في أداء الربوع التونسية وتشبثه بالصالحي وبذاكرة المثاليث القادم منها.

مقال هيكل الحزقي حفر، تقريبا، في كل العناصر التي جعلت اسماعيل الحطاب صاحب إرث ثوري مجدد وهو الذي تمكن من المقامات الشرقية وتنقل بين تيمات مختلفة رواحت بين الغزل والملاحم  والوجع، وخلق ألحانه بنفسه واستأنس بالزكرة في مسيرته الموسيقية.

في المقال المنشور بجريدة معارف بتاريخ الحادي عشر من مارس الجاري، تطرق الكاتب هيكل الحزقي إلى أغنية "بين الوديان" التي اعتبر أنها عرّفت جمهورا واسعا من خارج الشعبي على إسماعيل الحطاب.

" يرتق إسماعيل ثوب السردية الشعبية الممزقة بين رواياتٍ عدة في بين الوديان، ويلبسه صوت الصالحي المنقوع في الألم والتلوّع"، هكذا تحدث الحزقي عن الأغنية التي أعادت غناءها الفنانة الشابة سامية الحامي.

سامية الحامي، صحفية لم تفرط في حبها للغناء، الفن والصحافة في حياتها يمضيان بالتوازي ولا ترجح كفة أحدهما على الآخر، وإلى جانب حرصها على أداء مهمتها الصحفية تحاول في كل مرة أن تصدر أغنية تشبهها.

هذه المرة، فاجأت متابعيها باستعادة أغنية "بين الوديان" للفنان اسماعيل الحطاب بأسلوب يحمل بين ثناياه الكثير من روحها المتشبثة بالأصول والمجددة في الآن ذاته.

عشقها للموسيقى يعود إلى سن الطفولة، وهي اليوم تحمل في قلبها هذا العشق وتسقيه بحرصها على عدم الوقوع في فخ الابتذال والهرولة وراء الشهرة المفرغة من أي معنى.

ليس من السهل على سامية الحامي التي تخط مسيرتها الفنية بتأن أن تقتحم عالم إسماعيل حطاب وتغني أغنية "بين الوديان" على طريقتها، في الوقت الذي صار فبه الاستسهال عنوان الاستعادات وسط حديث عن تشويه التراث.

لكنها اتخذت هذه الخطوة الذكية وتحدت الاحكام المسبقة وتحدت نفسها وكسبت التحدي عند صدور الأغنية المصورة رسميا يوم الثالث عشر مارس الجاري وصدحت كلمات أغنية بين الوديان بصوتها الناعم المحمل بفيض من الأحاسيس.

إلى جانب صوت سامية الحامي الذي أضفى روحا أخرى لكلمات الأغنية، يبدو توزيعها لافتا ومنسجما مع طاقتها الصوتية ومع الإخراج الذي يتسم بالبساطة، بساطة تسري على تفاصيل هذا العمل الفني من ديكور وملابس وكوريغرافيا.

"بين الوديان"، هذه الأغنية التي رسمت لها سامية الحامي والفريق المصاحب لها ملامح جديدة، توزيعا وكوريغرافيا وغناء وإخراجا، دليل على أن البساطة إذا ما اقترنت باختيار ذكي تضفي على العمل الفني بعدا عميقا وتصنفه في مرتبة بعيدة عن الإثارة والابتذال.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.