قيس العربي: اللاجؤون السوريون في ليبيا تعرضوا لكل أنواع الانتهاكات.. الجميع تنكروا لهم.. وفشلنا أو نجاحنا ستحدده الأجيال القادمة

 حاوره مراد بن جمعة –

كانت ليبيا منذ اندلاع الثورة السورية كغيرها من الدول العربية والغربية وجهة للسوريين الفارين من جحيم الحرب، إذ استقبلت وفق احصاءات رسمية ما يزيد عن 350 الف مهاجر سوري منهم من بقي ومنهم من اختار طريق الهجرة غير النظامية نحو البلدان الأوروبية ما جعل كثيرا منهم في عداد الموتى.

وكان لرابطة الجالية السورية في ليبيا دور كبير في تقليص نسبة الهجرة غير النظامية لهؤلاء اللاجئين إما من خلال تامين ظروف عيش كريمة لهم في ليبيا او المساهمة في عودتهم إلى بلدهم أو حتى تسهيل سفرهم إلى بلدان أوروبية بطرق قانونية عن طريق الامم المتحدة.

حقائق أون لاين كان لها حوار مطول مع رئيس الرابطة قيس العربي الذي تحدث عن انتهاكات بشعة مورست في حق اللاجئين السوريين في ليبيا وانتقد تملص الحكومات الليبية والمنظمات الدولية وحتى سفارة طرابلس بتونس من مسؤولياتها تجاه لاجئي بلده الذين عانوا الكثير من الاستغلال ماديا ومعنويا وتعرضوا للتعذيب والخطف والاغتصاب وحتى البيع والشراء والقتل.

– لو توضح لنا الظروف التي مر بها اللاجؤون السوريون في ليبيا مقارنة بباقي الدول العربية؟

بداية أوجه شكري وتقديري إلى صحيفة حقائق أون لاين لتسليطها الضوء على حقيقة معاناة اللاجئين السوريين في ليبيا في ظل ما عاشته من نزاعات وصراعات وحروب على مدى اكثر من ثمانية اعوام كما اخص بشكري الاستاذ مراد بن جمعة على هذه الاضاءة المهمة. اما عن الظروف التي مر بها اللاجؤون السوريون في ليبيا فهي نتاج أمرين أساسين أولهما ضعف مؤسسات الدولة وثم غيابها عن اغلب المناطق الليبية من جهة، والامر الثاني هو حجم التناقضات الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تعيشها مجتمعاتنا العربية التي جعلت سلوكها العام يرتكز وينطلق من وعي ضعيف وسطحي يعود لثقافة جمعية فيها كثير من الظلم للإنسان بغض النظر عن ظروفه ومعاناته. وهذا ما ضاعف معاناة الاخوة اللاجئين حيث تركت الأمور الى وعي الشارع او المكان الذي يحيط بتلك الاسرة اللاجئة..

– كيف كانت البدايات مع رابطة الجالية السورية في ليبيا في بلد يعيش بدوره عدم الاستقرار و"يرفض" الاعتراف باللاجئين فوق ترابه؟

نعم لم يكن الأمر سهلا وجود جسم أو منظمة عربية أو أجنبية مستقلة ترعى أمور اللاجئين اجتماعيا وإنسانيا ولذلك كان وجود الرابطة السورية ثمرة جهود كبيرة لفرقاء رواد بالمجتمع المدني السوري والليبي لحماية ودعم حقوق اللاجئين رغم معارضة جميع الحكومات الليبية لهذه الصفة أو التسمية لاعتبارات سياسية كانوا يتخوفون منها، إلا أننا كنا مصرين عليها لما تؤمن لنا من حماية وضمانة لكثير من حقوقنا التي اقرها ميثاق الأمم المتحدة لحقوق اللاجئين والذي دعت إليه جميع الديانات والشرائع السماوية لأنه حق قانوني وإنساني لكل من أدرك أن حياته بخطر وفر يبحث عن الأمان، ولذلك تأسست الرابطة ولأهداف كثيرة أخرى منها المحافظة على الهوية السورية إلى جانب عملها الثقافي والإنساني تجاه اللاجئين..

– كيف تعاملت الحكومات الليبية المختلفة مع ملف اللاجئين السوريين منذ وصولهم الى ليبيا وكيف تقبل المجتمع الليبي هذا الواقع الجديد؟

جميع الحكومات الليبية لم تتعامل بجدية مع حالة اللجوء التي أصبحت أمرا واقعا فوق ترابها ولم تأبه إلى تلك الأعداد التي وصلت إلى 380 ألف سوري منهم أكثر من 300 ألف شخص كانت تنطبق عليهم حالة اللجوء وقوانينها، إذ تركت الأمور إلى أهواء ورغبات وقناعات أغلب المسؤولين في تلك الحكومات ولم تستند إلى قانون أو تشريع وهذا ما جعلنا نطرق جميع الأبواب سعيا لتحقيق أو انتزاع بعض من حقوقنا، إذ تفاوتت معنا اللقاءات من حيث الجدية أو الاهتمام أو حتى المصداقية لأننا كنا نسمع وعودا كثيرة بلا أي تنفيذ عملي لها وهذا ما أحبط أغلب أبناء جاليتنا بما فيهم اللاجئين وجعلهم عرضة للابتزاز أحيانا أو التفكير في خيارات أخرى بديلة مثل ركوب زوارق الموت والهجرة إلى أوروبا بحثا عن الأمان والحياة المستقرة والأفضل ..اما عن المجتمع الليبي فهو حتى الان لم يتقبل حقيقة وفكرة أن يكون في بلاده لاجئين كونه كذلك يتخوف من عمليات توطين قد تحدث في بلد مضطرب ومنقسم على نفسه بخلافات وصراعات قبلية ومناطقيّة وسياسية، ولذلك هو مجتمع تعامل مع الأمر بأشكال وطرق مختلفة، إذ هناك فئات قدمت مساعدات كبيرة وكثيرة للاجئين وفئة قليلة وجدت في اللاجئين وسيلة للارتزاق من خلال الادعاء أنها تعمل وتقدم إليها ما يفيد إنسانيا، كما وجدت فئة أفرزتها الفوضى والحرب وقد استغلت اللاجئين وتاجرت بهم عبر تهريبهم عبر البحر أو عبر تأمين دخولهم عبر ليبيا إلى أوروبا.. وبالتالي لا يمكن التعميم من حيث درجة ومستوى ما تلقاه اللاجؤون من معاملة سواء كانت انسانية أو غير انسانية..

– لعب الدكتور طارق متري، مبعوث الأمم المتحدة لدى ليبيا، دورا في دعم حقوق اللاجئين السوريين عبر تثبيت مفوضية اللاجئين في ليبيا.. تقييمكم لهذا الدور؟ 

نعم كان للدكتور طارق متري المبعوث الأممي السابق في ليبيا دور مهم وأساسي بالتعاون معنا لتثبيت عمل مفوضية شؤون اللاجئين في ليبيا التي لم يكن مرخصا لها بالعمل في السابق حيث هذا كان انجازا وخطوة جدية وحقيقية لإطلاق تسمية وصفة لاجئ في ليبيا لأول مرة، وإنني اذكر ما قاله لي خلال اجتماعنا معه في 27 – 12 – 2012 انني أريد منك السعي والعمل معي في الضغط على رئيس الحكومة الليبية علي زيدان من أجل تثبيت عمل المفوضية بشكل رسمي حيث فيه ضمانة وحماية كبيرة لكم، كما أنه اهتم بملف اللاجئين وأحضر بقية منظمات وممثلي مكاتب الأمم المتحدة مثل منظمة الصحة العالمية و"اليونيسيف"، إضافة إلى عناصر مكتب حقوق الانسان الذين فتحوا مكاتبهم أمامنا بغية تأسيس أعمال تكون مشتركة فيها خدمة للاجئين..

هذا إضافة إلى ربط أغلب أعمالنا بشكل مباشر مع مفوضية اللاجئين في حينها والتي أنجزت الكثير من الأمور المهمة بما فيها تقديم رواتب لكثير من الأسر السورية من خلال مبلغ مالي كنت من طالب شركة" تشفازني" الايطالية بتحويله إلى صندوق المفوضية بعد أن عرض المبلغ على مكتبنا كتبرع من قبل تلك الشركة حيث هذه الخطوة كانت من أهم الخطوات لتثبيث عمل المفوضية وإطلاق عملها في ليبيا بشكل علني.. حيث كانت قيمة المبلغ مليون دولار اي مليون وثلاث مائة وخمسين ألف دينار ليبي في حينها وهذا ما أغضب عددا من المقربين السوريين مني وتحملت كثيرا الانتقادات والشتائم في بعض الاحيان كوني ابعدت ذلك المبلغ عن ايديهم خوفا على سمعة وشفافية العمل في مكتب الرابطة الذي كنت انا رئيسها طيلة الاعوام السابقة.

– كيف تقيم الدور الذي لعبته المفوضية تجاه الاجئين السوريين في ليبيا؟

مفوضية شؤون اللاجئين عملت في ليبيا في ظروف غير مستقرة ولذلك كان يتوقف عملها في كثير من الاحيان بسبب فقدان حالة الامان ومع ذلك عملت وفق قوانينها وامكانياتها في تنظيم وثائق اللاجئين وتقديم بعض المساعدات الإنسانية ومنها رواتب شهرية لكثير من الاسر اللاجئة قبل ان يسيطر عليها الفساد نتيجة لحالة الفوضى ومنحها العطاءات والتعهدات في العمل الانساني الى هيئات دولية اخرى مثل الهيئة الطبية الدولية او الاعتماد على بعض الجمعيات الليبية نتيجة علاقات شخصية مشبوهة.. هذا كله جاء نتيجة فرار عناصر وافراد المفوضية الى تونس ومتابعة وادارة اعمال المفوضية من تونس عبر وكلاء اخرين عبثوا بكل شيء ونسفوا جميع الخطوات او القواعد الاساسية التي قمنا بوضعها لعمل المفوضية في ليبيا على أساس قانوني ومهني صحيح ولذلك كان هؤلاء الوكلاء يرون فيّ عدوا لهم لأنني كنت دائما انتقد عمليات الفساد والسرقات التي كانت تجري من خلال ايجاد عدد من السماسرة السوريين والليبيين الذين أوجدتهم مصالح مشتركة بينهم ولذلك غابت العدالة في كل شيء وتوقفت اغلب المساعدات بما فيها الخدمات الصحية او الأنشطة الاجتماعية والثقافية.

– أدى تدهور الوضع الأمني في ليبيا الى الدفع باللاجئين السوريين الى الهجرة غير النظامية بحرا الى اوروبا.. هل مثلت قوارب الهجرة حلا فعالا لهؤلاء اللاجئين؟ وكيف توقفت فجأة؟

نعم تدهور الأوضاع الأمنية في ليبيا وتوقف العجلة الاقتصادية أوجدت حالة من الاختناق سواء لدى الليبيين أو السوريين، إلا أن معاناة اللاجئين كانت مضاعفة وأصعب بكثير، ولذلك نشطت الهجرة عبر البحر نحو أوروبا بعد منتصف عام 2013 للبحث عن الأمان والاستقرار رغم خطورة ركوب الزوارق حيث سجلت حالة غرق في شهر 10 ومنهم الطفلين الشقيقين أحمد ومحمد من مدينة القنيطرة السورية، إذ يمكن أن نقول إنها كانت بداية الهجرة السورية من ليبيا إلى أوروبا بعد خيبة أمل اللاجئين السوريين في الحياة الأفضل في ليبيا ولذلك تضاعفت أعداد المهاجرين كما ارتفعت نسبة الغرق في عرض البحر خلال عام 2014 حيث بلغت اعداد المهاجرين ما يقارب الـ60 الف والغرقى اكثر من 5 آلاف وحجم الأموال التي دفعها السوريون المهاجرون "لتجار البشر والرقيق" فاقت النصف مليار دولار وهذا ما شجع على انتشار هذه الجريمة على طول السواحل الليبية إذ اصبحت "عصابات تجار البشر" أكثر تنظيما و إمكانيات فنية ولوجيستية، كما تخطت علاقاتهم حدود ليبيا وهي حالة تم استغلالها والانخراط فيها من قبل جنسيات اخرى مختلفة كما شجعت الضعفاء والمضطهدين العرب والأفارقة على الهجرة ومرافقة السوريين في قوارب واحدة، واستمرت الامور هكذا لغاية الاشهر الاولى من عام 2017 دون اي حل ناجع، إذ فشلت جميع الإجراءات التي وضعتها الحكومة الليبية من جهة وعمليات الردع التي اتبعتها ايطاليا من جهة اخرى، وحتى المراكز التي دعمها الاتحاد الاوروبي في ليبيا لمكافحة الهجرة والتي سرعان ما تحولت الى شركات خاصة تديرها ميليشيات وعصابات اكثر تنظيما.. جميع هذه الامور جعلتنا نفكر في حل تحت تهديد الأسر السورية لنا..

فلم يعد بمقدور هذه الأسر التحمل والصبر اكثر في ليبيا، خاصة والمجرم المدعو "شاريخان" وهو زعيم إحدى الميليشيات لم يسلم منه أحد في أطراف العاصمة طرابلس الا واختطفه من اجل الحصول على المال، ولذلك قمنا بجدولة اسماء السوريين الراغبين في الهجرة والخروج من ليبيا عبر فتح ملفات لهم ومن ثم ارسالها الى الامم المتحدة لإيجاد حل لهم غير الهجرة عبر البحر الى اوروبا وعدم الاستسلام الى "تجار البشر" في ليبيا، إذ كانت تلك الخطوة الوحيدة الصائبة لوقف تدفق المهاجرين عبر البحر الى اوروبا والتي نتج عنها انخفاض كبير وملموس في اعداد المهاجرين غير النظاميين خلال ذلك العام والذي سجل فيه 96 حالة غرق فقط بينما كانت حالات الغرق في عام 2013 اكثر من 3336 حالة غرق في البحر، وفي عام 2015 كانت حالات  الغرق مرتفعة اكثر حيث تخطت الـ5 الاف حالة ولذلك شعرنا اننا قد نجحنا في وقف الهجرة وغن كان بشكل غير نهائي، من خلال انخفاض اعداد المهاجرين السوريين الذين اصبحت نسبتهم لا تتجاوز تسعة بالمئة من ضمن العدد الكلي للمهاجرين غير النظاميين.

يرى البعض أن المجتمع الدولي تهرب من مسؤولياته والتزاماته تجاه حقوق اللاجئين السوريين في ليبيا.. تعليقكم؟

الهجرة غير النظامية عبر البحر ومعاناة اللاجئين السوريين في ليبيا هما نتيجة طبيعية لتهرب المجتمع الدولي في تقديم واجباته تجاه هؤلاء الاشخاص من جهة، اضافة الى تملص الحكومات الليبية من واجباتها تجاهنا من جهة اخرى، إذ هي مجموعة عوامل وضعتنا في مهب الريح والعيش بأصعب الظروف وعرضة للابتزاز والسمسرة وكذلك الاختطاف الذي تعرض اليه كثير من اللاجئين كما الليبيين، حيث وقع اختطافهم من اجل الحصول على المال، في المقابل المجتمع الدولي لم يقدم لنا اي مساعدات مالية او غير مالية اسوة ببقية الدول التي فيها لاجؤون رغم أننا كنا اكثر من ثلاثة مئة الف لاجئ و بحالات مختلفة المستوى المادي والانساني، إذ كانت هناك الكثير من الاسر بلا معيل لها كما كان هناك اطفال بلا اسر، إذ  تم ارسالهم من قبل اهاليهم فقط كي يبقوا على قيد الحياة.. كانت هناك حالات انسانية صعبة ومعقدة وكانت تتطلب منا الحكمة والصبر والتحمل والبحث عن حلول بشكل دائم لان وزارة الشؤون الاجتماعية في ليبيا لم تنجح في فرض الموضوع على رئاسة الحكومة الليبية عام 2015 لأجل ايجاد حل لتلك الاسر كما الاتحاد الاوربي ادار ظهره واغلق اذنيه ولم يفعل شيئا ابدا رغم جميع المناشدات من قبلنا.. ولذلك نقول نعم لقد تخلى الجميع عنا بما فيه صندوق الزكاة الذي استبعد ملفات السوريين من اعماله وتبرعاته وهو الشيء الذي دفعني ان الومهم و انتقدهم بشكل مباشر عبر وسائل الاعلام مما دفعهم الى العودة والعمل مع بعض الاسر السورية لامور انسانية.

لو توضح لنا كيفية تعامل دمشق مع موضوع حق العودة؟

أزمة ومشكلة النظام السوري انه نظام لا يعترف بشيء اسمه الاخر ولذلك كان ومازال يعادي جميع من هو خارج منظومته العقائدية والامنية، ولذلك خلال سنوات الحرب والتهجير كنا نسمع كثيرا من التصريحات مفادها انه لا عودة لمن خرج وغادر البلد على اعتبارهم خونة بالمنظور البعثي السوري، وكانت الردود في شكل وعيد وتهديد لنا ان فكرنا بالعودة الى سوريا و ذلك نتيجة لأعمالنا في ايجاد حل للاجئين السوريين في ليبيا بعد ان تقطعت بهم السبل ولم يعد امامهم من حل سوى ركوب زوارق الموت والهجرة بحرا الى اماكن اخرى بحثا عن الامان..

وخطواتنا كانت تقوم على التواصل مع الامم المتحدة وتقديم طلبات الراغبين بالخروج من ليبيا من جهة وجدولة اسماء الراغبين والمضطرين للعودة الى ارض الوطن من جهة اخرى تحت الرعاية والحماية الدولية، وكان ذلك في منتصف عام 2017 وهذا ما دفع النظام السوري ليطلق تهديداته ووعيده لنا عبر الجنرال "السفاح" عصام زهر الدين الذي توعدنا بالفرم والتقطيع ان فكرنا بالعودة، الا ان الخارجية الروسية ضغطت على نظام الاسد في حينها وعاد الجنرال نفسه واعتذر في شريط مسجل بعد عدة ايام فقط على تصريحه الاول، كما اعتذرت الخارجية السورية بشكل غير رسمي عن ذلك التهديد واعتبرته لا يمثل سياسة النظام في دمشق لانهم وقعوا في تناقض كبير مع رؤية وتوجه موسكو التي تبنت الفكرة واخذت تعمل عليها بشكل علني داعية المجتمع الدولي الى مساعدة اللاجئين في العودة الى سوريا وهو هدف سياسي كانت تعمل عليه روسيا مع نظام الاسد الذي تم اخضاعه من قبلها لقبول فكرة عودة اللاجئين لأهداف سياسية بعيدا عن اي جانب انساني، ولذلك تمسك المجتمع الدولي بموقفه وخاصة اوروبا المطالبة بايجاد حل سياسي قبل عودة اللاجئين …

– تعرضتم، بوصفكم رئيس رابطة الجالية السورية في ليبيا، الى الاختطاف أكثر من مرة.. لماذا تم استهدافكم ومن كان وراء هذه العمليات؟ 

نعم لقد وقع اختطاف كثير من السوريين في ليبيا على مدى الاعوام الثمانية الماضية وانا نفسي تعرضت لاربع عمليات اختطاف في طرابلس كان اولها في نهاية عام 2012 واخرها في نهاية شهر افريل عام 2019 وجميع عمليات الاختطاف كانت وراءها اطراف سورية وليبية تربطهم علاقات ومصالح ايديولوجية دينية وسياسية، إذ تعتبر نفسها في خندق واحد ضد اي توجه يدعو للديمقراطية التي تتعارض مع اهدافهم السياسية ولذلك مورست عليّ كثير من الضغوطات والتهديد كي انسحب واترك الساحة لهم في ليبيا من أجل ممارسة استغلال وابتزاز اللاجئين السوريين من جهة او تجنيد البعض منهم للقتال على الجبهات في سوريا أو في ليبيا من جهة اخرى..

واستطاعت هذه الأطراف عرقلة وافشال كثير من اعمالنا الثقافية والانسانية في ليبيا بحكم تأثيرها الكبير على كثير من المسؤولين الذين هم من نفس البيئة والثقافة او من خلال استغلالها لحالة الفساد العامة في ليبيا واعتمادها عليها في الوصول والتنسيق مع كثير من المكاتب في وزارات الدولة ولذلك وزير العدل والنائب العام في ليبيا لم يكن بوسعهما فعل شيء لأجلي عندما شكوت لهما عما وقع علي من اختطاف وما اتعرض له من تهديد من قبل تلك العصابات في طرابلس ولم يكونا على قدر من الوعي لمساعدتي ودعمي في الوقوف في وجه هؤلاء حيث اعتبرا الامر مرده مشاكل شخصية علما وان أول طلب طلبوه مني هؤلاء المجرمين هو ان اترك الملف السوري في ليبيا لهم كونهم يريدونها فوضى كما ذكروا لي.

– هل تلقيتم دعما خارجيا طوال اشرافكم على تسيير شؤون اللاجئين السوريين في طرابلس؟

الرابطة السورية في ليبيا لم تتلق اي دعم خارجي من احد لاننا رفضنا كل ما تم عرضه علينا بما فيه عرض شركة " تشازني" الايطالية الذي طلبنا تحويله إلى صندوق مفوضية اللاجئين، وعرض السفارة السعودية شكرتهم عليه وطلبت تحويله إلى أهلنا في الداخل السوري عن طريق الصليب الأحمر أو الأمم المتحدة، أما الحكومات الليبية فلم تقدم لنا قيمة قلم كي نكتب به بل كان عملنا قائما على جهدنا وعلاقاتنا المميزة مع المجتمع الليبي وخاصة بعض اصحاب راس المال الوطني وعلى رأسهم الحاج سالم قدح رحمه الله، اضافة الى بعض الخيرين والانسانيين من كتاب و اعلام وفنانين وممثلي مجتمع مدني والذين وجدوا في مكتبنا نافذة ثقافية لهم في ظروف الحرب والمعاناة من حالة التشظي التي حدثت في ليبيا ولذلك دعموا مكتبنا وعملوا من خلاله كونه اصبح مركزا ثقافيا يجمعهم بكل حيادية وانسانية كما قدم المكتب مساعدات كثيرة لكتاب وفنانين فقراء ومنهم شخصيات كبيرة ومعروفة وهذا ما اشرت له في مذكرتي الى رئيس الوزراء عام 2017، أي أن الرابطة لم تكن تعمل أو قائمة على السوريين فقط بل فيها نشطاء عرب كثر من المغرب الى العراق كما قدمت المساعدة للضعفاء العرب والافارقة معا على حد سواء.

– تعرض بعض اللاجئين السوريين الى الاستغلال المادي والمعنوي في بعض المناطق الليبية. مدى صحة ذلك؟

نعم لقد تعرض كثير من اللاجئين السوريين لعمليات استغلال وابتزاز مادي في ظل تفشي حالة الفساد خاصة الإداري، إذ تم استغلال مكاتب ومؤسسات الدولة منها المنافذ البرية والجوية والسجل المدني والقضاء والهجرة والجوازات.. وأغلب عمليات الابتزاز والاستغلال كانت تجري عبر سماسرة سوريين قدماء في ليبيا لهم كثير من العلاقات والنفوذ ويعرفون جميع نقاط الضعف للدولة والمجتمع الليبي معا، إذ هم أنفسهم كانوا  من أهم وابرز المعرقلين لعمل الرابطة السورية كونها طرحت خطة ومشروع هيكلة وتنظيم امور السوريين في ليبيا لحمايتهم من جهة ولحماية ودعم الامن القومي الليبي من جهة اخرى وهي الخطة التي حظيت باحترام وموافقة رئيس الوزراء السابق عمر الحاسي والتي تم اختطافي لاجلها لمدة سبعة عشر يوما عام 2015 كي اعدل عن تنفيذها.

نعم الفوضى كانت مصدر رزق للعصابات والفاسدين ليبيين وسوريين معا، اما عن الاستغلال المعنوي وحتى الجسدي إذ وقعت عدة جرائم خطف واغتصاب تم ابلاغنا عن عدد منها ولم تكن محصورة في منطقة معينة بل اكثرها كان يقع خارج المدن الليبية اي اثناء عمليات قدوم المهاجرين عبر المناطق والصحراء الليبية سواء من جنوب الجزائر او من شمال السودان لأنه في طرابلس اغلب الجرائم كانت تتمثل في عمليات اختطاف لأجل المال وخاصة في منطقة السواني وورشفانة وقصر بن غشير ووادي الربيع وعين زارة التي كانت تعج بالعصابات ما دفعنا الى الطلب من اخوتنا السوريين مغادرة تلك المناطق الى مناطق ومدن اكثر امانا

– لماذا تراجعت طرابلس عن مجانية الصحة والتعليم لصالح اللاجئين السوريين بعد عدم ايفاء المجتمع الدولي بالتزاماته تجاه ذلك؟

نعم لقد تراجعت طرابلس او حكومة الوفاق عن مجانية التعليم والصحة للسوريين وذلك بعد ان تعمقت الازمة العامة وخاصة الصحية والاقتصادية في ليبيا ولذلك تراجعت.. فهي ترى في ذلك ما يؤمن لها و لقطاعي الصحة والتعليم دخلا ماديا لان اغلب اللاجئين السوريين بسبب حرب المناطق اصبحوا يقيمون في طرابلس التي كانت افضل من غيرها من ناحية الامان والعمل، وهذا ما ضاعف من معاناة السوريين اكثر لان قطاع الصحة في ليبيا كان ينهار يوما بعد يوم وهو الشيء الذي دفعني كي اطلب من السفارة التونسية في طرابلس ان تساعدنا في منح تأشيرات دخول السوريين الى تونس لدواعي انسانية بغية العلاج الذي توقف في اغلب مشافي طرابلس، ولكن سفارة الجمهورية التونسية لم تفي بوعودها هي الاخرى بل قطعت فقط الوعود بلا اي عمل جدي رغم انها طالبتنا بتقديم ضمانات حول هوية وسلوك صاحب التأشيرة ولذلك بقي اللاجؤون بين المطرقة والسندان مما دفعهم لركوب زوارق الموت من جديد بعد ان اشتعلت الحرب خلال هذا العام مجددا في محيط طرابلس ليصبح اللاجؤون في مهب الريح دون اي سند او رحمة من احد

– مثلت الصحراء الليبية خط سير وعبور للسوريين انطلاقا من السودان وصولا إلى السواحل الليبية.. تعليقكم؟

في نهاية عام 2012 رفضت ليبيا دخول السوريين اليها دون تأشيرات رسمية مسبقة حيث اعطت تعليمات لسفارتها بعدم اعطاء تأشيرات الدخول الى السوريين والسبب يعود لأمور كثيرة حينها، منها مدى ارتباط القوى الدينية التي هيمنت على ليبيا مع القوى الدينية التي تصدرت وهيمنت على حراك وخروج الشارع السوري ضد نظام الاسد ولذلك نشطت عمليات تهريب على جميع الحدود الليبية لأجل ادخال المهاجرين واللاجئين السوريين الى ليبيا، إذ شكلت الحدود المصرية الليبية منفذا وطريقا للتهريب جنى من خلالها المهربون اموالا طائلة كما مورست على المهاجرين افظع وابشع انواع الممارسات من قبل عصبات مشتركة تعرف طبيعة وجغرافيا تلك المناطق كما تربطها علاقات قبلية في مصر وليبيا معا، والسودان شكل منفذا اخر بعد ان تعثرت عمليات دخول السوريين الى جمهورية مصر حيث نشطت الهجرة برا عن طريق السودان تحت رعاية وحماية حكومة البشير في حينها، إذ تخصص وانفرد ابن عم الرئيس السوداني السابق عمر البشير باستغلال عمليات الهجرة ونقل وتسليم وبيع المهاجرين السوريين الى عصابات ليبية اخرى كانت تتابع معهم عمليات الاستغلال والابتزاز عبر مراحل نقلهم من منطقة الى اخرى، ومورست عليهم عمليات النهب والسرقة والاغتصاب في مراحل هجرتهم كما تم اقتياد العديد منهم للعمل بلا اي أجر ولعدة شهور في مزارع خاصة او اعمال خاصة تعود لقيادات تلك العصابات والنهاية كانت مأساوية في اغلب الاحيان اما التصفية والقتل او نقل المهاجر وتركه ليموت جوعا وعطشا في الصحراء او بيعه لعصابات اخرى في الداخل الليبي من اجل استغلال ما بقي عنده من جهد لان الذي كان يصل منهم الى الشمال الليبي كان يتحدث و يروي ما لا يصدقه عقل او يقبله ضمير عن حجم وانواع الجرائم والممارسات التي كانوا يشاهدونا في مراحل رحلتهم التاريخية المخزية، والحال ذاته كان ينطبق على الحدود الليبية مع الجزائر

– مدى صحة تورط بعض الأطراف في الجزائر في عملية تهريب بعض السوريين إلى ليبيا؟

ان طول زمن الحرب والازمة السورية افرزت الكثير من المستثمرين فيها ومنهم الدوليين والاقليميين مستغلين نفوذهم او علاقاتهم.. ومراحل وطرق هجرة السوريين تعددت وتنوعت حيث كان هناك خط وطريق هجرة لهم من دمشق الى الجزائر وثم الاتجاه برا نحو صحرائها للدخول الى ليبيا من جنوب تونس بغية الوصول الى السواحل الليبية تمهيدا لعبور البحر نحو أوروبا.. كذلك كان لهذا الطريق انتهاكاته وقصصه وحكاياته غير الانسانية وغير الاخلاقية والتي تشير الى حجم تورط بعض جنرالات الجزائر في تأمين النشاط والحركة في هذا الطريق لأن اغلب اللاجئين او المهاجرين كانوا يدخلون الى الجزائر بترتيب مسبق من قبل عصابات في دمشق، ودخولهم الى الجزائر لا يفرض عليهم الحصول على تأشيرة دخول او وضع ختم دخول على وثائق سفرهم لان القانون الجزائري كان يفرض على السوريين الحصول على تأشيرة دخول ولذلك الفساد يصنع كل شيء و لم تسلم منه بلد الا انه يكون بشكل ونسب مختلفة.. ولذلك شهدت تلك مرحلة تدفقا كبير للمهاجرين الى ليبيا بعد عبورهم الجزائر، والذين تعرضوا كذلك لأبشع الانتهاكات وعمليات النهب والسرقة وحتى هناك من مات  اثناء عبور تلك الصحراء اضافة الى ما واجهوه في ليبيا بعد دخولهم اليها بطرق غير شرعية.

– تقييمكم لتجربة رابطة الجالية السورية في ليبيا.. وما هي الأسباب الحقيقية وراء مغادرتكم طرابلس باتجاه التراب الموريتاني؟

لقد كانت 8 اعوام من الكفاح والنضال الشاق لأجل حماية اهلنا واخوتنا السوريين واللاجئين اضافة الى ما تحملناه من مسؤولية انسانية واخلاقية تجاه المجتمع الليبي الذي لم يرتح يوم طيلة الاعوام الماضية التي شكلت النزاعات والصراعات والحروب فيها اهم و ابرز عنوانيها.. ولذلك نحن عملنا في ظروف صعبة ومعقدة نجحنا في بعض الاحيان واخفقنا في كثير من الاحيان لأسباب خارجة عن ارادتنا، أعجبهم او لم يعجبهم عملنا او مشروعنا هذا امر تحدده وتقيمه الاجيال القادمة، لأننا عملنا وفق ما أملاه علينا وعينا وثقافتنا وسلوكنا الانساني بعيدا عن الاصطفاف او التمحور او التعصب لشيء سوى الانسان وحياة السلام والتعايش السلمي.. ولذلك ضغوطهم علي وتهديداتهم لي لم تتوقف، وكان اخرها اختطافي في نهاية شهر افريل الماضي واتهامي بنشر ثقافة الكفر والالحاد في ليبيا وهو الشيء الذي دفعني لمغادرة ليبيا بعد اطلاق سراحي بساعات فقط، متوجها الى موريتانيا كونها البلد العربي الوحيد الذي ادركت وعرفت انه سيمنحني تأشيرة الدخول في المطار دون عراقيل او تحفظ تجاهي رغم انني كنت افضل الدخول الى تونس لأكون قريبا اكثر من ليبيا ومن مكاتب الهيئات الدولية التي كنا نعمل معها والتي تتخذ من تونس مقرا لها لمتابعة الاوضاع في ليبيا بعد ان انهارت الحياة الامنية والانسانية فيها…

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.