في ندوة حول الإعلام والتراث: أي مستقبل لتاريخنا!

محمد علي الصغير-

كيف يمكننا اليوم الذود عن تاريخنا وتراثنا في ظل الحملات الممنهجة لطمس معالمنا وهويتنا؟ كيف يمكن للإعلام أن يساهم في الدفاع عن معالمنا الحضارية ورموز هويتنا وأصالتنا؟ اي مستقبل لهذه المقومات الحضارية التي تساهم في بقاء الشعوب وديمومتها ؟ أسئلة وغيرها من الطروحات والمباحث التي تبادلها المشاركون في المائدة المستديرة بعنوان "دور الإعلام العربي في المحافظة على التراث" التي انتظمت صباح اليوم بدار الثقافة بالقلعة الكبرى  ببادرة من جمعية إشراق للثقافة والفنون بالقلعة الكبرى برئاسة عبد الحكيم بلعيد.

التراث في مهب رياح الطامعين
 
خلص المشاركون في هذه الندوة الفكرية التي أدارها الإعلامي المصري أبو العباس محمد، رئيس تحرير بوابة الحضارات بمؤسسة الأهرام، إلى ضرورة تكاثف كل الجهود من إعلام ومجتمع مدني وسلطة سياسية وكذلك الأسرة حتى يتم تنشئة الاجيال القادمة على التمسك بموروثها الثقافي والحضاري ومجابهة كل المحاولات التي تستهدف تشتيت  التراث والمعالم الحضارية في دولنا العربية ونهبها. 
 
لم يخف ابو العباس محمد وهو خريج جامعة اسيوط ومؤسس ومدير مركز الزيتونة  للابداع والتراث تشاؤمه من الاوضاع التي آلت اليها مجمل المعالم الحضارية في البلاد العربية التي تمثل عنصرا مهما حسب رأيه في "تطوير معدلات التنمية وتعزيز الاقتصاد واستمرارية المجتمعات وازدياد سموها ورفعتها".
 
وندّدالمحاضر بتعرض التراث الى العديد من التهديدات التي تساهم في اضمحلاله في ظل صمت غريب ومريب للإعلام الذي نأى بنفسه عن مثل هذه المواضيع وغيّبها بشكل يكاد يكون مطلقا عدا استثناءات قليلة في بعض الدول العربية.
 
كما اعتبر الإعلامي المصري أن المعالم التاريخية اليوم والآثار العربية بمختلف أنواعها تعرضت الى اعتداءات جمّة ومازالت في مرمى حملات" تاتارية" تهدف الى تدميرها وتخريبها ونهبها من طرف الغرب الذي أثّث معظم متاحفه بقطع أثرية وتحف متأتية في معظمها من دول عربية مثل العراق وسوريا واليمن.
 
ولم يخف ابو العباس محمد حنقه من بعض الأطراف والمافيات التي تتخفى وراء شركات بترولية  تعمل على إشعال نيران الحروب في المنطقة العربية واستغلال حالات الفوضى وغياب الدولة والسلطة للقيام بسرقة الآثار وتهريبها كما حدث مع جزء هام من الآثار العراقية الثمينة التي تعرض اليوم في متاحف عالمية شهيرة.
 
 
تجربة الاهرام الرائدة
 
لعل انتماء المحاضر الى بلد الفراعنة الذي يزخر بمعالم أثرية باعتباره مهدا لحضارات خالدة في التاريخ الانساني يجعل من التجربة المصرية في التعامل مع هذا الموضوع تحديدا أكثر خصوصية وثراء. إذ سَرد الإعلامي  في هذا المجال  تجربة مؤسسته التي ادركت ان القوى الظلامية التي اكتسحت المجتمع المصري في السنوات الاخيرة التي عقبت الثورة المصرية تحاول هدم واخفاء المعالم التاريخية والحضارية في هذا البلد الذي يضم اكثر من 6000 مبنى اثريا على حد قول ابو السعود محمد. 
 
وكشف الصحفي المصري ان مؤسسته اطلقت حملة للتنديد بالجرائم الممنهجة التي تهدف الى طمس المعالم الاثرية في اليمن ونهبها بعد ان اكمل مرتكبوها من المرتزقة وتجار التاريخ الاجهاز على نظيراتها في سوريا. كما انخرطت الاهرام في القيام بحملات توعيوية وتحسيسية في بعض الدول العربية لمجابهة هذه الحملات التي تستهدف طمس المعالم الاثرية او نهبها.
 
كما تطرّق المحاضر الى تجربة مؤسسة الاهرام التي قامت باصدار مجلد اسمه "قرن من الفن المعاصر"  تضمن وثائق نادرة وثمينة تخلد ذكرى مؤسسي ورجالات  جريدة الأهرام، هذا الصرح الاعلامي الذي انجب الصحفي الفذ محمد حسنين هيكل وحبَّر صفحاتها الاديب طح حسين واحسان عبد القدوس وادوارد سعيد وزكي نجيب محمود وغيرهم. 
 
حرص المشرفون على  هذا المجلد على ان يذكروا كل الأجيال المتعاقبة على هذه الصحيفة على امتداد قرن كامل وخصوصا المؤسسين الاوائل الاخوين بشير وسليم تقلا اصيلي مدينة بعلبك اللبنانية، المؤسسين الحقيقيين لهذه الصحيفة وهي معلومة تاريخية يجهلها الكثيرون اذ يعتقد معظم الناس ان مؤسس الأهرام هو مصري الجنسية.
 
وتعد هذه العملية تجربة رائدة في حفظ الذاكرة الجماعية وعملية تصحيحية في مسار طويل لتخليد تاريخ إحدى المؤسسات الاعلامية العريقة التي ذاع صيتها على امتداد زمن طويل في الوطن العربي مازالت الى اليوم مرجعا اعلاميا كبيرا.
 
الإعلام في قفص الاتهام
 
النقاش التي تلا هذه المداخلة كان ثريا وبلغ درجة عالية من الحماس أحيانا والبعض من المتدخلين الذين كانوا في معظمهم مثقفين واعلاميين وسياسيين حملوا الإعلام الوطني  قسطا كبيرا من المسؤولية في عزوف المواطنين عن زيارة المواقع الاثرية والاطلاع على تاريخ بلاده ومكونات ارثه الحضاري والثقافي.
 
وعاب عدد اخر من الحضور في هذه الجلسة التي ترأستها راضية التواتي مديرة دار الثقافة، على الإعلام انصرافه عن هذه المسائل المهمة والمصيرية والمتعلقة بكينونة المواطن التونسي ومستقبله والتفرغ لمسائل جانبية وهامشية لا تزيد أبناء الوطن الواحد الا تفرقة وانقساما في الوقت الذي هم في أمس الحاجة الى الوحدة والالتفاف حول وطن تترصده كل المخاطر ليس أقلّها خطر طمس الهوية والتلاعب بتاريخ هذه الأمة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.