مهدي جمعة، في كلمات قليلة هو رجل بلا ماض لافت للانتباه. إخراجه من العتمة ومن وضعية "التونسي العادي" ووضعه تحت الأنوار الساطعة وتمكينه من "مكانة سياسية" يحمل الكثير من الدلالات لمن ارادوا اختياره او حشره في الصراع السياسي الدائر في البلاد. هذا المنطق يفترض ان جمعة يتوفر على السلبية اللازمة للقيام بهذا الدور او الاستسلام الكامل لما خطط له في خريطة الطريق ما خفي منها وما بطن. بماذا نفسر ترحيب النهضة باختياره واحترازات جزء من جبهة الانقاذ؟!
هل يحمل ذلك تفسيرا تآمريا بان اختياره كان مسطرا مسبقا حتى قبل بدء الحوار الوطني من اجل اختيار خليفة لعلي العريض أم ان مصير جمعة في المشهد هو رديف للمصير الذي رسمه الكاتب اللبناني ربيع جابر لبطله حنا يعقوب في رواية دروز بلغراد ؟ وجد حنا يعقوب في المكان الخطأ في الزمان الخطأ فنقل الى مجاهل بلاد البلقان في رحلة طويلة مجهولة المخاطر لا نتمناها بالقطع للمهدي جمعة. المهدي جمعة هو المهدي غير المنتظر على تعبير أحد زملائنا الصحفيين.
ليست هناك سوابق او مواقف يمكن بها اخضاع نفسية مهدي جمعة للتحليلات. هل يكون منفذا للدور الذي سطر له مسبقا ام سيتمرد على الفئة التي اختارته؟! هل سيكون طيعا مستسلما مقودا من وراء حجاب ام انه سيرسم له طريقا ومسارا سياسيا وسيمضي باحثا عن "مجده الشخصي" على طريقة سانتياقو بطل رواية الكميائي للكاتب البرازيلي لباولو كويلو؟
نحن ازاء شخصية غير معروفة ولم يكن لها ماض سياسي، لا سلبيا ولا ايجابيا، وذلك من نقاط قوتها ومن هناتها في ذات الوقت. كونها لا تحمل ماضيا سياسيا يجعلها طامحة لان تحقق ذاتها وتكتب لها تاريخا ان شاءت ، ولو حملت من الصفات والميزات ما يؤهلها لتملأ كرسي القصبة. ما يدعم هذه الفرضية هو انها غير ملونة سياسيا، في الظاهر على الاقل. على خلاف سابقيه لا يحمل جمعة عاهة التصنيف السياسي المحسوب على طرف بعينه وهو الامر الذي سيمكنه من هامش تحرك أكبر عند تأدية مهامه القادمة. البورتريه الذي يشبهه في هذا السياق هو بالقطع بورتريه لطفي بن جدو وزير الداخلية. شخصية شبه محايدة تتمتع بهامش تحرك كبير.
النظر الى شخصية مهدي جمعة غير المعروفة والتي ليس لها ماض سياسي هو بمثابة نقيصة وهنة . ويمكن ان نستشرف ذلك من خلال قدرة الجيل القديم من دناصرة الساسة وفيلتها على التلاعب وتوظيف المحدثين واللعب بهم مثل اوراق الكوتشينة.
في هذه الحالة لن يكون مهدي جمعة الا محل تجاذب وضغوطات من قبل معسكر الاسلاميين وحلفائهم واليسار والليبراليين وما أكثرهم. سيجد جمعة نفسه ممزقا بين فريقين. فريق يدعم مهدي ( مهدي عامل) وفريق يقف للصلاة وراء جمعة (علي جمعة شيخ الازهر).
لا ندري ايا من الشخصيتين سيظهر لنا مهدي جمعة بعد حين. هل سيلعب كرة العلب الليلية التي تبرق في كل اتجاه وتمنح ضوءها لمن ينظر اليها؟ الاكيد انه في هذه الحالة سيصدر لنا شخصية التونسي، المشتتة، المنفلتة، المحافظة، التي تسبح على مختلف تقلبات أمواج البحار. لننتظر ونر. فقد يؤكد مهدي جمعة او يكذب بعد كل هذا انطباعاتنا وتساؤلاتنا.