في حضرة “الحضرة”: أطلقوا العنان لأرواحكم.. ولا تهتموا لضجيج الآلات “الدخيلة”

حطّت الحضرة رحالها بمسرح قرطاج الأثري، أين كان عشاقها في الموعد، إذ غصّت المدارج بمحبي هذا الفن الصوفي الذي يخترق الروح ويسبر أغوارها.

إنها الحضرة 3 للفاضل الجزيري، التي زينت المسرح بمنشديها الذين تربعوا على أرضيته بلباسهم التقليدي التونسي الأصيل، ومؤديي الرقص الذين توشحوا بالأبيض النقي كنقاء العالم الروحي الذي تخترقه أناشيد الحضرة وأذكارها، والعازفين على "البندير"الذين لا تكتمل الصورة إلا بهم فهم من أسس الحضرة.

وعلى غرار الحضرة 2، مزج الجزيري الالات الايقاعية والوترية العصرية كـ"الباتري" و"الساكسوفون" و"البيانو" و"القيتارة" بالالات التقليدية التونسية وهي "البندير" و"الزكرة" و"الناي"، وهو ما يدلّ على أن صاحب الحضرة ماض في الثورة التي أحدثها من خلال إضفاء طابع عصري صاخب على عالم الروح والتصوف والتخمّر.

وتفاعل الجمهور مع الأناشيد والأذكار التي تعودوا بها والتي أدتها أصوات قوية جهورية، على غرار "ياخوتي" و"جارت الاشواق" و"نادوا لبابكم" ورايس الأبحار" و"على بني مريم" و"يالطيف الصنع" و"يامحمد يا جدّ الحسنين" ويا بلحسن يا شاذلي" و"فارس بغداد" و"ياشيخ محرز" و"الليل زاهي" و"مولاي صلي وسلم".

وحلّق جمهور الحضرة وعشاقها مع هذه الباقة من الأناشيد الصوفية في فضاء المدائح والأذكار، وولج إلى عالم التصوف والروح، فتخمّرت النساء والرجال في تفاعل مع رقص الفتيات والفتيان على المسرح وتعالت الزغاريد وتمايلت الرؤوس، وخيم على الفضاء جو من البهجة والتخمر كأن هناك مناديا انصاع له الجميع ينادي "أطلقوا العنان لأرواحكم إنكم في حضرة الحضرة".

لكن ولئن نجح الجزيري في إلهاب المسرح وإرواء عطش الجمهور لـ"الجو" التونسي الصوفي، إلا أنه أخفق عندما ظنّ أنه سيُضفي طابعا عصريا على الحضرة بالزجّ بالآلات الايقاعية فيها، والتي طغى صوتها على صوت البندير فأفقدت الحضرة خصوصيتها وطابعها الذي اعتاده التونسيون. وليس تجنيّا على الجزيري القول إنه أزعج في بعض الأحيان عشاق الحضرة بصخب وضجيج الآلات الايقاعية العصرية. ربما أراد الاجتهاد والتجديد لكنه اجتهاد غير محمود، ورغم ذلك نجح في إمتاع الجمهور ولو لحين.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.