في الذكرى الـ70 لتأسيس اتحاد الشغل: حسين العباسي بين انجازات الماضي وتطلّعات المستقبل

ذكر الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل حسين العباسي، من خلال بيان الذكرى السبعين لتأسيس الاتحاد، بنضالات المنظمة الشغيلة وتاريخها العريق في الدفاع عن حقوق العمال من خلال الوجوه النضالية التاريخية على غرار محمد علي الحامي وفرحات حشاد وبلقاسم القناوي.

وعدّد العباسي انجازات الاتحاد العام التونسي للشغل على مدى 70 سنة، وصولا إلى المكتسبات التي حققها في السنوات الاخيرة، معبرا عن تطلع النقابيين إلى تحقيق الأهداف التي قامت من أجلها الثورة في تونس، إضافة إلى استقرار أوضاع الشعب العربي في ليبيا وسوريا، واليمن والعراق وفلسطين.

وفي ما يلي نص البيان كما ورد على الصفحة الرسمية للاتحاد:

"عرفت الطبقة العاملة التونسية بتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل في 20 جانفي 1946 الانتقال من حالة التشرذم والتشتت التنظيمي مستفيدة من التجارب السابقة لبناء حركة نقابية تونسية مستقلة تطالب بالمساواة في الأجور مع العمال الأوروبيين وترفع راية النضال ضد الاستغلال والهيمنة معبرة بذلك عن الشخصية الوطنية والبعد الوطني.

لقد كرس هذا التوجه المناضل محمد علي الحامي ورفاقه بتأسيسه للجامعة العامة لعموم العملة التونسية الأولى سنة 1924 ثم بتأسيس الموظفين سنة 1936 للجامعة العامة للموظفين التونسيين، فتأسيس الجامعة العامة لعموم العملة التونسية على يد بلقاسم القناوي ورفاقه سنة 1936.

إنّه الرصيد التاريخي الذي اعتمده حشاد ورفاقه مستلهمين منه الدروس حيث سعوا إلى تأسيس النقابات المستقلة للجنوب سنة 1944 ثم تأسيس اتحاد النقابات المستقلة بالشمال سنة 1945 لينعقد المؤتمر التأسيسي للاتحاد العام التونسي للشغل الذي نحتفل اليوم بمضي سبعين سنة على تأسيسه، لم يفتّ في ساعده مضيّ السنين ولم تنل منه التقلبات السياسية التي عاشتها البلاد ولا المؤامرات والأزمات التي حاول مناوئوه زجّه فيها.

أيها النقابيون، أيتها النقابيات،

لقد مثل الجانب المطلبي محورا هاما من محاور نضالات الاتحاد والعمال مباشرة بعد استكمال بنائه الذاتي حيث خاض سلسلة من الإضرابات القطاعية لمجابهة اهتراء القدرة الشرائية ثم إضرابا عاما يومي 4 و5 أوت 1947 قدم خلاله شهداء ولكنه حقق بمقتضى ذلك مكاسب بزيادة 17% في الأجر الأدنى الفلاحي واعتراف السلط به كطرف في التفاوض الاجتماعي.

وقد كانت المطالب الاجتماعية والوطنية منذ تأسيسه تتقدمان بصفة متوازية حيث نقرأ لفرحات حشاد يومئذ مقالات حبّرها سنة 1946 جاء فيها:

"هل يكون للعمل النقابي معنى بدون الضمانات الأساسية للحريات التي يطمح إليها كل رجال العالم، وهل يمكن تحقيق الإنجازات الاجتماعية والاقتصادية لدى شعب لا ينعم بخيرات الديمقراطية؟ وكيف يمكن للحركة النقابية أن تتطور في بلد لا يوجد فيه ضمان للحريات الفردية والطبيعية؟"

وبناء على هذا التوجه أضحى النضال الوطني قيمة ثابتة في تاريخ الحركة النقابية التونسية حيث تم إنجاز برنامج اقتصادي واجتماعي وسياسي متكامل منذ سنة 1951 يمكّن البلاد من النهوض اقتصاديا واجتماعيا بأوضاع الشعب وكذلك من خلال تنظيم الإضراب العام إلى جانب القوى الحية في البلاد احتجاجا على مذكرة 15 ديسمبر 1951 الرافضة الاعتراف بحق الشعب التونسي في الاستقلال والدعاية للقضية الوطنية في المحافل النقابية الدولية (السيزل) واستغلال منبر النقابات الأمريكية للتعريف بالقضية التونسية والمرور بمساندتها إلى تقديم الوثائق اللازمة إلى المنتظم الأممي لتدعيم حق شعبنا في الاستقلال وتتويج كل ذلك بتزعم حشاد حركة التحرر الوطني اثر اعتقال بورقيبة وبقية قادة الحزب في مطلع سنة 1952 مما دفع بالسلط الاستعمارية إلى اغتياله، فكان الإصرار على مقاومة المستعمر لا في تونس وحدها، بل امتد هذا النفس التحرري إلى بلدان شمال افريقيا وإلى العديد من بلدان العالم نتيجة للإشعاع الدولي الذي عرفته الحركة النقابية التونسية.

أيها المناضلون، أيتها المناضلات،

إن انصهار الطبقة العاملة التونسية في روح المقاومة الجماعية للمستعمر أهّلها للإسهام في بناء الدولة التونسية الحديثة تحت لواء الاتحاد العام التونسي للشغل ووفق برنامج اقتصادي واجتماعي يهدف إلى مجتمع مستقر يحقق لها العدالة الاجتماعية ويرتقي بأوضاعها ويضمن مناخا تحترم فيه الحريات النقابية واستقلالية منظمتهم.

إلاّ أن نوايا الهيمنة على المنظمة واعتبارها طرفا تابعا لا شريكا في تصور البرامج وتنفيذها وتقييمها وتحميل الأجراء وحدهم انعكاسات الأزمات الاقتصادية التي عرفها العالم ومسّت تداعياتها بلادنا وانتهاج سياسات قائمة على خيارات اقتصادية لا شعبية كلها عوامل أفرزت مناخا من التوتر الاجتماعي أكثر من مرة وأكدت أنه لا استقرار اجتماعي دون منظمة نقابية مستقلة تضمن التوازنات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وأن إرساء الحوار الاجتماعي المسؤول والهادف إلى تحقيق الاستقرار هو الكفيل بضمان التنمية المتوازنة القائمة على تقاسم التضحيات والمكاسب.

إنّ دفاع الاتحاد المستميت عن استقلاليته كان إحدى الثوابت الهامة لهذه المنظمة منذ التأسيس وإلى اليوم، وقد دفع النقابيون وفي مقدّمتهم الزعيم الحبيب عاشور في سبيل ذلك الثمن غاليا إبّان الأزمات التي عرفها الاتحاد وبالأخص أزمة 26 جانفي 1978 حيث تمّ إخضاعهم إلى ظروف الاعتقال الأكثر إهانة وكانت التهم الموجهة إليهم تقود إلى الحكم بالإعدام.

إلى جانب ذلك كانت المسألة الديمقراطية في صميم انشغالات منظمتكم، ألم تكن الرسالة التي أرسلها المناضل النقابي والوطني أحمد التليلي إلى الرئيس بورقيبة سنة 1966 والتي أكّد فيها على واجب توفير الديمقراطية للشعب سببا في قضاء بقية حياته خارج المنفى؟ إنها الرسالة التي بقيت مرجعا هاما حول الحكم وحول الهنات التي ينبغي أن يخلّص منها الرئيس بورقيبة طريقته في الحكم إن رام المحافظة على المصداقية التي اكتسبها إبان نضاله الوطني، وهي الرسالة التي كانت منطلقا لحقبة جديدة من النضال من أجل إرساء الديمقراطية واحترام الحريات وحقوق الإنسان.

وإنّ سرّ قوة الاتحاد يكمن في الانحياز دوما إلى جماهير الشعب ومساندة طموحاتها المشروعة في الحرية والديمقراطية وفي تحسين أوضاعها، وفي هذا الإطار تجلّى الدور الوطني إبان ثورة 17 ديسمبر- 14 جانفي حيث كان الحاضن لكل التحركات والاحتجاجات والحاسم في إسقاط رأس النظام عبر الإضرابات الجهوية والمسيرات ثم المساهمة النشيطة والفاعلة في تحقيق انتقال ديمقراطي سلس مما أهّل بلادنا لنيل جائزة نوبل للسلام يوم 10 ديسمبر 2015 حيث كانت في هذا اليوم محطّ أنظار شعوب العالم تقديرا لشعبها ولمنظمات مجتمعها المدني التي رعت حوارا وطنيا جنّبها منزلقات تردّت فيها اليوم أقطار شقيقة.

أيّها الإخوة، والأخوات،

إنّ منظمتكم التي حرصت على تتويج المفاوضات الاجتماعية بزيادات تغطي جزءا من اهتراء القدرة الشرائية للعمال في القطاعين العام والخاص تنكبّ حاليا على الارتقاء بأدائها طبقا لقرارات مؤتمر طبرقة الأخير ومجلسها الوطني الملتئم أيام 4 و5 و6 ماي 2015 وذلك بتطوير التشريعات الداخلية للمنظمة من أجل الموازنة بين التطلعات النقابية الصنفية والسلكية للأجراء واتخاذ القرارات الكفيلة بتمكين المرأة العاملة والشباب العامل من الحضور الفاعل ضمن هياكل القرار والتسيير، وهي قرارات تمليها رغبة منظمتكم المتواصلة منذ التأسيس وإلى اليوم في تحقيق التحديث المرجو فضلا عن إعادة هيكلة المنظمة طبقا لمقتضيات الاستحقاق الاجتماعي والتحولات المتسارعة التي ما فتئ يشهدها عالم العمل.

أبناء وبنات الاتحاد،

إنّ من أهمّ الانجازات التي تم إدراكها ونحن نحيي الذكرى السبعين لتأسيس الاتحاد هي توصّل أطراف الإنتاج الثلاثة إلى توقيع عقد اجتماعي في 14 جانفي 2013 تحت قبة المجلس الوطني التأسيسي يرمي إلى:

– تعزيز الحوار الاجتماعي في بلادنا على المستوى الوطني والإقليمي والقطاعي

– تحسين إدارة سوق العمل من خلال مراجعة تشريعات الشغل وبناء قدرات المؤسسة المتدخلة في سوق العمل

– تعزيز قدرات أطراف الإنتاج الثلاثة وتقديم الدعم الضروري لها بغاية تنفيذ كل بنوده سواء ما تعلق ببناء اقتصاد قوي قادر على مواجهة التحديات الراهنة.

إنها مأسسة الحوار الاجتماعي التي ترمي إلى حفظ كرامة العامل وتطوير أداء المؤسسة والتي نرجو أن يتم عبرها تكريس هذا المطلب الذي ما فتئت ترفعه المنظمة حتى لا يبقى هذا الحوار ظرفيا أو موسميا أو بيد السلطة التنفيذية تفتحه أو تعطّله طبقا لمشيئتها كما كان ذلك في عهود سابقة.

أيّها العمال، والعاملات،

إننا نحيي هذه الذكرى وكلنا تطلع إلى إدراك الأهداف التي لخّصتها شعارات ثورة شعبنا: شغل، حرية كرامة وطنية عبر انخراط كامل القوى الحية إلى جانب أجهزة القرار والتسيير في العمل الدؤوب من أجل تجاوز ما راكمه الاستبداد من فساد مسّ كل جوانب الحياة وما رافق ثورتنا من عدم استقرار للأوضاع، لقد أصبح بطء الإصلاحات نذير إحباط لجانب هام من شرائح شعبنا، ممّا يحملنا جميعا سلطة وأحزابا ومجتمعا مدنيا العمل على تجاوز الوضع القائم وتحقيق أهداف الثورة يحدونا نفس الإصرار، الذي حمّلنا مسؤولية إنجاز المراحل الأولى للانتقال الديمقراطي.

إننا نحيي هذه الذكرى وكلنا تطلع إلى استقرار أوضاع شعبنا العربي في ليبيا وسوريا، في اليمن والعراق، مع وقوفنا اللامشروط إلى جانب كل النضالات الوطنية والشعبية ضد مشاريع التقسيم والتجزئة والطائفية التي تسعى قوى الهيمنة لفرضها على أمتنا بتواطؤ مفضوح مع القوى الصهيونية والرجعية. كما أننا نقف، كما كنا دائما، مع شعبنا الأبيّ المقاوم في فلسطين ذاك الجدير بكل تحية في نضاله البطولي ضدّ الاحتلال الصهيوني، ومناهضتنا لكلّ أشكال التطبيع معه ونجدّد عهدنا بالوقوف مع شعبنا الفلسطيني في حقّ تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.