في التنازع على الصلاحيات: هل أتت لحظة الخلافات؟

العمل السياسي، ليس عملا تطوعيا ولا خيريا، والخوض فيه يعني الطموح والسعي إلى كسب  السلطة والحكم والقدرة على التأثير والسيطرة، وينطبق هذا المنطق على كل الساسة وعشاق القيادة.

وانطلاقا من هذا الطرح، من المؤكد أن أعضاء مجلس نواب الشعب الحالي سيطمحون لنيل سلطات واسعة غير التي وردت في دستور سنة 2022، وأغلبهم يريد أن يكون البرلمان سلطة تشريعية وليس وظيفة تشريعية.

ولم تمر مصادقة مجلس نواب الشعب على النظام الداخلي دون أن تثير هواجس رئيس الدولة قيس سعيد بشأن إمكانية تطلع البرلمان لمنح نفسه صلاحيات واسعة غير التي وردت في الدستور الذي أصدره سعيد وهو ما ينذر ببروز أولى الخلافات بين البرلمان ورئاسة الجمهورية بشأن الصلاحيات.

وأنذر سعيد البرلمان المنتخب كونه خالف الدستور الصادر سنة 2022 ولم يحترمه، بسنّه صلاحيات له لم ترد في أحكام الدستور في النظام الداخلي الذي صاغه.

ومنح مجلس نواب الشعب  نفسه ممارسة صلاحية المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى حين إرسائه، وأثار الفصل عدد 169 من  النظام الدّاخلي للبرلمان جدلا في صفوف النواب علما وأنه ينص على أنه "يمارس مجلس نواب الشعب صلاحيات المجلس الوطني للجهات والأقاليم إلى حين إرسائه".

واستدعى قيس سعيد رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة ليذكّره بما أسمته رئاسة الجمهورية اختصاصات واسعة  خوّلها الدستور للمجلس ونبهه إلى أن البرلمان له وظيفة تشريعية وليست سلطة تشريعية.

ونبه قيس سعيد إلى أن النظام الداخلي للمجلس  ليس قانونا من قوانين الدولة بل هو نص لتنظيم عمل المجلس ولا يمكن أن يضيف أي مجلس اختصاصات جديدة لم ينص عليها الدستور، وهو أمر عرفته عديد الدول لذلك تم إخضاع الأنظمة الداخلية للمجالس النيابية للجهة المكلفة بمراقبة دستورية القوانين.

ومرد هذا الكلام هو أن مجلس نواب الشعب منح لنفسه في النظام الداخلي صلاحية لعب دور مجلس الأقاليم والجهات إلى حين تنصيبه وهو ما لم يرد في دستور 2022.

وفي ظاهره يبدو هذا الكلام مجرد محادثة، لكنه في الواقع بداية لمرحلة التنازع على الصلاحيات بين الرئاسة والبرلمان، فرئيس الدولة يريد للبرلمان أن يلعب وظيفة تشريعية فقط وفق ما ورد في الدستور الصادر عنه ويكتفي بالمصادقة على مشاريع القوانين التي ترد عليه من الرئاسة ولا يريده أن يكون سلطة تشريعية قادرة على توسيع صلاحياتها.

وفي المقابل من البديهي أن يكون لدى رئيس البرلمان وأعضائه طموحات لكسب المزيد من الصلاحيات غير التي أقرها الدستور، وما رضاؤهم بالترشح للبرلمان بالصلاحيات التي أقرها الدستور إلا مسايرة ستليها مرحلة التوق لكسب صلاحيات أوسع.

وبمرور الأيام ومع الانطلاق في سن التشريعات، حتما ستتعمق دائرة الخلافات بين الرئيس والبرلمان، وسيبقى الدستور هو الحاكم الوحيد بينهما في ظل غياب المحكمة الدستورية، فالأول يريد فقط للنظام السياسي أن يكون نظاما رئاسيا يتحوز فيه رئيس الدولة على صلاحيات أكثر، والثاني يطمح للعب دوره في المشهد السياسي والتشريعي في محاولة من النواب للدفاع عن صورتهم أمام ناخبيهم وإظهار أنفسهم كونهم فاعلين.

وعلى عكس السلطة التنفيذية (الحكومة) التي التزمت بكل ما يصدر عن الرئيس، سيتخبط برلمان بودربالة في فلك الدستور الصادر عن سعيد ويحاول التمرد عليه للاستحواذ على صلاحيات جديدة.

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.