يسرى الشيخاوي-
بدر تنعكس هالته على راية تونس التي تتوسط ركح المسرح الأثري بقرطاج وتتّحد مع الضوء الاصطناعي، فتشتدّ حمرة العلم التي تحاكي دماء شهداء قضوا دفاعا عن الوطن ويكاد لون السلام يتحوّل إلى نور.
القمر بدا وكأنّه يحتفي بتونس في الذكرى الثانية والستين لانبعاث جيشها الوطني، إذ اتسق في كبد السماء يغازل آلاف التونسيين الذين لبوا نداء تعاونية الجيش الوطني، وأقبلوا إلى الحفل الفني الذي يحييه أمير الطرب صابر الرباعي بمشاركة طاقم الموسيقى العسكرية.
في المسرح الأثري بقرطاج اختلط المدنيّون بالعسكريين، ويمّم الكل أنظارهم صوب علم تونس الذي يلخّص عقيدة الجيش الوطني ويحكي أنّ طريق تونس إلى السلم مخضّبة بالدماء.
المدارج غصّت بالحضور حتى أن البعض لم يجد بدّا من الوقوف على جنباته، والأعناق اشرأبت إلى الشاشة على ركح المسرح، حيث يعرض شريط وثائقي يروي قصّة جيش بوصلته الوطن، جيش ينكر أفراده ذواتهم ويقدّمون دروسا في التضحية والإيثار.
وعلت وتيرة انسجام الحضور مع صولات العناصر العسكرية وجولاتهم برا وبحرا وجوا حتّى يكاد دبيب النمل يسمع، واطّلعوا على المهام الأساسية للجيش الوطني المتمثّلة في حماية الحدود البرية والبحرية والمجال الجوي وتأمينها، والمهام التكميلية تنحصر في التنمية المستدامة والنجدة والإنقاذ والتدخّل في الكوارث الطبيعية.
ومع نهاية الشريط الوثائقي ينقطع حبل الصمت وتصدح بعض الحناجر “تحيا تونس” وسط موجة من التصفيق تخفت ليتردّد صدى كلمات “نشيد إلى أبطال تونس” في الأرجاء، قبل أن يعتلي طاقم الموسيقى العسكرية الركح.
في مشهد يحمل في طياته إغراءات على المتابعة، تبوأ أعضاء من الفرقة أماكنهم على الركح الرئيسي للمسرح الأثري بقرطاج، فيما صعد آخرون إلى ركح فوقي وانقسموا إلى فريقين في انضباط وانسجام تولّدت عنهما موسيقى ملتزمة يشوبها “جنون” عذب.
آلات النفخ والقرع تماهت لتنجب معزوفة للنشيد الوطني التونسي، فكانت النوتات نفحات من حب الوطن، وقف لها الجمهور ودوّت المدارج بأصوات تردّد “حماة الحمى يا حماة الحمى هلموا هلموا لمجد الزمن”.
وتواترت “نوتات” الموسيقى العسكرية التي تحلّق بك في أفق بعيد، وأغرت آلاف الحناجر بالغناء، مرورا بأوبريت الحلم العربي إلى كوكتيل أغاني تونسية ردّد الحضور كلماتها، حاملين الراية الوطنية، فأنّ التفت طالعتك النجمة والهلال.
والطاقم الموسيقي العسكري يضم عازفين فقط، ولكنّه نجح في أن يحوّل جمهور المسرح الأثري بقرطاج إلى مغنّ، ردّد كلمات أغنية “صامدون” التي انسحب على إيقاعها أعضاء الفرقة في مشهد مهيب، انسحاب مدروس بخطوات دقيقة، عقبتها هالة من التصفيق لفرقة موسيقية زاوجت بين الامتاع والالتزام.
وفي الجزء الثاني من الحفلة الفنية التي ستخصّص عائداتها لدعم موارد العمل الاجتماعي لفائدة العسكريين، خيّر أمير الطرب صابر الرباعي أن يفتتح وصلته الغنائية بـإحدى أغانيه القديمة” تمنيت” في توزيع جديد.
والرباعي الذي أعرب عن سعادته بإحياء حفل فني بمناسبة الذكرى 62 لانبعاثه، أهدى أغنية خاصة للجيش الوطني التونسي بعنوان ” تونس برجالها” وهي من ألحانه وكلمات الشاعر رضا شعير وتوزيع سامي معتوقي.
موشّحا بعلم تونس، غنى الرباعي ” تونس برجالها وبنساها وشبابها.. تونس برجالها يصونوا ترابها تونس في عينينا نفديها برواحنا”، وسط تفاعل الجمهور.
وتراوحت الأغنيات الأخرى التي قدّمها الرباعي بين الانتاجات التونسية والعربية إذ غنّى”يا عسل” و”عزة نفسي” و”يا دلولة عليك نموت” و”مزيانة” و”صيد الريم” و”حبي يتبدل يتجدّد” و”عالطاير”، وقد تفاعل الجمهور مع كل الأغنيات بل وتقاسم أداءها مع الرباعي.
وعجّت مدارج المسرح الأثري بقرطاج بأصوات الجمهور، وتراقصت الأجساد تحت ضوء البدر.