في افتتاح مهرجان أفلام حقوق الإنسان.. المرأة هي البدء والمنتهى

 يسرى الشيخاوي

في اليوم العالمي للمرأة، صدحت أصوت النساء في قاعة الاوبرا بمدينة الثقافة في افتتاح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان، أصوات مختلفة بعضها موشح بالحياة والأمل وبعضها قادم من عوالم الموت.

على الركح تواترت الفنون، الرقص والموسيقى فالسينما لتوجد تعبيرات مختلفة عن الحرية وعن الحياة والأمل ومحاولات لتخطي قساوة الواقع وقتامته وثورات على الظلم وعلى الموت بتجلياته المختلفة.

في لوحة كوريغرافية رسمت آمال العويني ملامحها تجلت المرأة بأكثر من وجه ولكنها كانت في كل مرة تقارع عدوا ما، ربما هو العائلة، او المجتمع، أو السلطة الذكورية التي رقصت لتهرب من سجنها.

على الشاشة ارتسمت صور تحاكي حركات آمال العويني، وتعكس نضالات النساء وحروبهن التي يخضنها كل يوم ليقتلعن حريتهن من مخالب مجتمع غلب عليه التكلس والتحجر ولم تجد معه التشريعات والقوانين نفعا.

بعد الكوريغرافيا، التي بدا فيها جسد العويني تعبيرة عن الرفض، عن الثورة وعن الحرية وتسللت فيها أصوات النساء من بين الموسيقى لتعلن استمرار حروبهن، تعالت نغمات الغيتارة في الأرجاء ورافقها صوت مرتضى الفتيتي.

للطفلة مها القضقاضي، غنى الفتيتي أغنية خاصة بالمهرجان، من بين كلماتها ارتسمت ملامح الطفلة التي جرفتها مياه الأمطار في فرنانة لتذكرنا أن المطر قد تفقد شاعريتها في بلد تبدع في خلق وجوه جديدة للموت..

للمرأة للحبيبة غنى وتسلل إحساسه في كل القاعة، قبل أن تعتلي النساء المكرمات في المهرجان الركح ويستحضرن بعضا من ملامح تجاربهن بعجالة، هن مصممة الأزياء ليليا الاخوة والممثلة آمال الهذيلي والممثلة درة زروق..

بعد الرقص والموسيقى، وبعد التكريمات، تحل السينما لتكون خير تعبيرة عن واقع مسكوت عنه في علاقة بحقوق النساء عبر فيلم "النهاردة.. يوم جميل" للمخرجة المصرية نفين شلبي الذي يروي حكايات عن نساء رفعن الورقة الحمراء في وجه العنف، على اختلاف ألوانه، في الدقيقة التسعين.

فيلم الافتتاح.. صرخة الحرية التي تنسج من الوجع قوة

في افتتاح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان،  كان فيلم " النهاردة.. يوم جميل"  بمثابة صرخة الحرية التي تولد من رحم الوجع ولكنها تنتهي في الأخير إلى كسر الأغلال والانتصار.

على امتداد الفيلم تحاول عبثا أن تبحث عن اليوم الجميل لكنك لا تصادف سوى الوجع بتلوينات كثيرة وأعراف تبعث على الغثيان ويجعلك تتفكر في هذا الجبل من الجليد الصلب الذي يحول بين العقليات والتغيير وتتساءل متى تتسلل إليه خيوط الشمس أو شرارات الغضب لعله يذوب.

هو الفيلم الروائي الأول للمخرجة، وفيه ترتسم ملامح أسلوب إخراجي يتسم بالصدق والحرص على التفاصيل والجرأة من خلال النبش في مواضيع مسكوت عنها من زوايا إنسانية عميقة تقحمك في عوالم الشخصيات الضحايا.

قصة الفيلم لمنتجه علاء عبد الله سليمان، والسيناريو من كتابة  نيفين شلبي ودينا السقا وهو ما يفسر  البعد النسوي الذي يكتسيه الفيلم، وهذا لا يعني موقفا راديكيليا من الرجال بقدر ما هو مساءلة للمجتمع وللسلطة الذكورية التي تبيح للرجل أن يتجاوز الخطوط الحمر غير عابئ بدماء المرأة ودموعها.

أما اختيار الممثلين والممثلات فهو من بين نقاط القوة في الفيلم، إذ اجتمع فيه هنا شيحة ونجلاء بدر وانتصار وباسم سمرة وأحمد وفيق ومحمد حكيم وغيرهم من الممثلين والممثلات الذين تمكنوا من تقمص الادوار ببساطة وسلاسة تغذيان منسوب الصدق في الفيلم.

اغتصاب زوجي، وخيانات، أكاذيب، ومجتمع يؤوّل كل النصوص لخدمة الذكورية، ورجال شعارهم في الحياة أن المرأة خلقت من ضلع الرجل، ونساء ينتظرن انفجار البركان داخلهن حتى يصنعن يومهن الجميل..

ويحل اليوم الجميل، على عتبات أكوام من الوجع، يوم رسمت المخرجة ملامح مختلفة له في ثلاث حالات لتصور مؤسسة الزواج وحكاياتها بأكثر من وجه وبين حيوات "سميحة" (هناء شيحة) وزوجها "أحمد" (أحمد وفيق)  و"سالي" (نجلاء بدر) وزوجها " هاني" (محمد حكيم) "صفاء" (انتصار) وزوجها فؤاد (باسم سمرة)، تجلت نظرة المخرجة الحقوقية التي لا تجور على الرجل بقدر محاربتها للذكورية.

في الحالة الأولى، تتحدى "سميحة" المجتمع والقانون وترفع بزوجها "أحمد" قضية في الاغتصاب الزوجي وتدخل أروقة المحكمة وهي ترسم على وجهها ابتسامة النصر رغم اصطفاف خالها مع زوجها وهو العليم بكل التفاصيل، في نهاية مفتوحة عنوانها الأمل والتحدي.

ليست "سميحة" وحدها التي تحدّت المجتمع وداست على ألمها، "سالي" أيضا تخطت حالة التعود على خيانات زوجها وتمردت عليها حتى أنها فضحت خيانته مع زوجة صديقه أمام الجميع وفي عيد ميلاده وتسلحت هي الاخرى بابتسامة رضا.

أما في الحالة الثالثة، "صفاء" و"فؤاد"، غادر "فؤاد هذا العالم والطبيب يبلغه أنه لم يعد قادرا على ممارسة الجنس، وتعانق "صفاء" بدلة الرقص التي كان يريدها أن ترتديها وتدور حول نفسها لتجعلك تتساءل هل أنها إن ارتدتها سابقا كانت ستحول دون دون ماحصل مع زوجها في ناد للرقص، وهل كانت ستمنع عينيه عن اختراق أجساد النساء.

وفي اليوم العالمي للدفاع عن حقوق النساء، ليس أفضل من فيلم "النهاردة.. يوم جميل" لنيفين شلبي بيعبر عن ملاحم النساء في العالم العربي على أمل أن يأتي ذلك اليوم الجميل في الواقع، يوم تعانق فيه كل النساء الحرية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.