يسرى الشيخاوي-
ممتدّة هي تلك الطريق المؤدية الى مدرسة الطيران ببرج العامري، تغوص عينيك في الحقول المتناثرة على جوانب الطريق وتنغمس في حوار وجودي مع بقايا السنابل التي أينعت وكان حصادها.
ينتفي مفهوم الزمان والمكان وقد يتجلى أمامك حلم الطفولة ويصرخ في داخلك صوت طفولي أنك حلمت يوما بقيادة طائرة ويخبو ذلك الصوت شيئا فشيئا وتلوح لي مدرسة الطيران ببرج العامري ساكنة هادئة، يحرسها عسكريون على امتداد محيطها.
المدرسة العسكرية الواقعة على بعد حوالي 30 كم عن العاصمة، فتحت بابها لعائلات التلامذة ليشاركوا ابناءهم نشوة التخرج، تمضي نحو ساحة الاحتفال وأنت تطالع الفرح في أعين الآباء والأمهات، ولا تمضي بعض الدقائق حتى يدوّي صدى عزف الفرقة العسكرية لمدرسة الطيران في الأرجاء، وعلى وقعه قام وزير الدفاع بتقليد يسمى التفتيش وهو أشبه بجولة تفقد لأفراد مدرسة الطيران.
إلى العلا..كلمة السر
إذا كنت تبحث عن كلمة السر في مدرسة الطيران ببرج العامري فأنت قطعا لن تجد غير “إلى العلا”، ذلك الشعار الذي كتب على لوحة في باب إدارة المدرسة، لوحة تصوّر جنديا يطبق قبضتيه على سلاحه وتغيب ملامح وجهه في تجلّ تام لنكران الذات، لوحة تشبه أخرى علقت ببهو وزارة الدفاع الوطني.
والمدرسة العسكرية التي يرنو طالبوا العلم فيها إلى العلا، تمكّنت من تحقيق نتائج قيمة خلال السنة الدراسية 2017/2018 ودأبت على ترسيخ مبادئ حب الوطن ونكران الذات كما أولت أهمية بالغة لجودة التكوين، وفق ما أفاد به آمر المدرسة العميد فريد عمر.
وقال عمر إن عدد التلاميذ بلغ 287 من بينهم 21 تلميذا من سلك الحرس الوطني و4 من الديوانة و27 من بلدان صديقة وشقيقة، مشيرا إلى أن نسبة النجاح لهذه السنة بلغت 97 بالمائة
وأكّد أن مدرسة الطيران فاعلة في البحث العلمي وأن هناك شراكة وتعاون في البحث العلمي بين بلدان شقيقة وصديقة على غرار بوركينا فاسو والكامرون وإفريقيا الوسطى والتشاد، لافتا إلى أن 4 ضباط أنجزوا مشاريع تخرجهم في الخارج.
زغاريد ورسائل
في مراسم تسليم الراية رفرف علم تونس وصفّق له النسيم فتحرّك كأجنحة حمائم السلام، وبلغ صوت التلامذة عنان السماء وهم يردّدون شعار مدرسة الطيران “إلى العلا”.
لا ينقطع صوت الموسيقى العسكرية ولا تتوقف الراية عن الخفقان، في رسالة صارخة أن تونس منيعة أبية أبد الدهر.
ووزير الدفاع يعلّق شارات الرتب للتلامذة ضباط، علت زغاريد الأهالي محمّلة برسائل من قبيل حب الوطن والذود عنه، وهي رسائل يتضمّنها أيضا القسم الذي أدّاه التلامذة.
والطلبة المتفوقون، ومن بينهم طالبة أجنبية، تحصّلوا على جوائز تسلموها من وزير الدفاع، وسط تصفيق أهاليهم.
عرض تقنيات تدخل سريع واستعراض جوي أرضي
ينسحب الجميع من ساحة المهرجان، وتتقدّم مجموعة من الضباط التلاميذ بتقديم عرض يتعلّق بتقنيات التدخّل السريع عن قرب، وفي العرض الذي انتهى برفع الراية الوطنية، لن تميّز تلميذتين وهما تؤدّيان كل الحركات التي يقوم بها زملاؤها.
يترك التلاميذ الساحة، وتحلّق في الأثناء طائرات في استعراض جوي يليه استعراض آخر أرضي عمّت معه أصوات الطائرات المحلّقة المكان.
مشاريع تخرّج التلاميذ نواة للتصنيع العسكري في مجال الطيران
وقد عرض الضباط التلاميذ مشاريع تخرّجهم أمام وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي الذي اعتبر أنّ هذه المشاريع هامة جدّا من ناحية ملاءمتها لحاجيات المؤسسة العسكرية في مجال الاستطلاع والاستكشاف.
وقال الزبيدي في تصريح لحقائق أون لاين: “نتمنىّ أن تفضي هذه المشاريع إلى نتائج ملموسة وتكون لها انعكاسات ايجابية مباشرة على التصنيع العسكري في ميدان الطيران”.
وأشار إلى أنّ مدرسة الطيران تعتمد على مناهج، علمية تستجيب للمعايير والمواصفات الدولية في مجال التكوين كما تتفاعل مع المنظومة الوطنية للبحث العلمي وتواكب المستجدّات العلمية المتطوّرة في المجال.
التعاون الدولي
وأضاف “ضمن برنامج الشراكة مع منظّمة حلف الشمال الأطلسي في مجال تطوير برامج ومناهج التعليم بالمدارس العسكرية بمختلف مستوياتها، فإن مدرسة برج العامري مدعوة إلى المشاركة في هذا البرنامج بعد وضع الآليات وضبط مجالات اهتمامها خصوصا بعد أن أثبتت جدواها مع المدرسة الحربية العليا.”
وعن التعاون الدولي، قال الزبيدي إنّ مدرسة الطيران ببرج العامري التي تكون التلاميذ في مجال الطيران والهندسة الميكانيكية منفتحة على عديد الدول.
وبيّن أن حوالي 10 في المائة من التلامذة الضباط الموجودين في مدرسة برج العامري من دول شقيقة وصديقة، مشيرا إلى أنّ هناك مطالب كثيرة لالحاق تلاميذ من الخارج بالمدرسة.