في اختتام السنة التكوينية في الأكاديمية العسكرية: تتغير التعبيرات وتظلّ تونس العنوان

يسرى الشيخاوي-

في يوم قائظ، ألقت فيه الشمس تعويذات ساخنة على الأجساد فغرقت في عرقها، اصطف عسكريون في محيط الأكاديمية العسكرية في فندق الجديد لتأمينه.

يغالبون الرمضاء، ويستجيرون منها بابتسامة يرسمونها على وجوههم وهم يستقلبون أهالي الضباط التلامذة والتلامذة الضباط الذين قدموا للاحتفاء بابنائهم في اختتام السنة التكوينية.

“الحياة عقيدة وجهاد”

قبل ان تبلغ مدخل الأكاديمية، تسير في طريق تتناثر على جنباته الأشجار الخضراء، طريق أشبه بدرب الحياة، الحياة بما هي عقيدة وجهاد، ذلك الشعار الذي كتب عند الباب الرئيسي.

“الحياة عقيدة وجهاد” ميثاق ينبني عليه منهاج الأكاديمية العسكرية حيث حب الوطن عقيدة يتشربّها العسكريون.

تنبري نحو الفضاء الذي سيقام فيه الاحتفال، وأنت تدندن بيت الشعر” قف دون رأيك في الحياة مجاهدا.. إنّ الحياة عقيدة وجهاد”.
في يوم قائظ: النشيد الوطني برد وسلام.

وما أجمل أن تحاصرك راية تونس من كل صوب، والاجمل أنّ النسمات التي كتمت أنفاسها، أفرجت عنها لترفرف الراية يمنة ويسرة وتغريك هيبة اللحظة بالبكاء اعتزازا وفخرا.

الشمس في كبد السماء تختبر صبر التشكيلات المشاركة في حفل اختتام السنة التكوينية، لكنّ من نهل من ميثاق ” الحياة عقيدة وجهاد”، لن ترهبه حرارة الشمس ولن يتوانى عن الوقوف تحتها لساعات.

يتأفف البعض من الحر، ولكنّ تظل عناصر التشكيلات صامدة مرابطة، وتنزل أصواتها وهي تؤدي النشيد الوطني بردا وسلاما على الحضور.

ولك ان تتخيّل أصوات عشرات العسكريّين متماهية في صوت واحد تردّد “حماة الحمى يا حماة هلموا هلموا لمجد الزمان”، ويزداد خفقان الأعلام على وقع أنفاسهم المتجانسة ويختلط صوتهم بأصوات الحضور.

في الأكاديمية العسكرية، وقف الجميع لتحية العلم، فبدت تونس حالمة واعدة، والأثير يردّد نشيدها الوطني بأصوات العسكريين وعائلاتهم والمسؤولين الذي حضروا حفل اختتام السنة التكوينية بالأكاديمية العسكرية، والتقى الجميع عند إعلاء راية تونس.

الأكاديمية العسكرية مدرسة قيم

والأكاديمية التي بُعثت رسميا بموجب الأمر عدد 66/529 بتاريخ 24 ديسمبر1966، تعد من بين المدارس العسكرية المشهود لها بجودة التكوين وقد بلغت فيها نسبة النجاح حوالي 96 بالمائة، وفق ما أفاد به آمرها.

وهذه المدرسة العسكرية تعنى أساسا بتكوين الضباط لفائدة جيش البرّ وبقية الجيوش والإدارات والمصالح المشتركة بوزارة الدفاع الوطني.
وتساهم في تكوين الضباط لفائدة وزارات أخرى على غرار وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة المالية.

وتسند للضباط المتخرجين الشهادة الوطنية لمهندس وشهادة الماجستير معادلة لمؤسسات التعليم العالي، وتخرج منها إلى حد السنة التكوينية 2017/2018 ثمانية واربعون دورة.

وتشمل مجالات التكوين في الأكاديمية جوانب عسكرية وجوانب أكاديمية وأخرى بدنية، إلى جانب القيم العسكرية من قبيل الواجب والشرف والوفاء وخدمة الوطن وتحمل المسؤولية.

وفي إطار التعاون الدولي تعمل الأكاديمية العسكرية مع عدد من الدول الأجنبية والعربية من خلال تبادل الزيارات والخبرات والتكوين ومشاريع ختم الدروس، وتستقبل تلاميذ من دول صديقة وشقيقة النيجر والتشاد.

الوطن.. البوصلة الوحيدة

بعد أن سلّم وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي الذي أشرف على حفل اختتام السنة الدراسية 2017/2018 وتخرّج دورة أحمد باي، الجوائز للمتفوقين، سلّمت دورة أحمد راية الأكاديمية العسكرية إلى دورة العقيد حميدة الفرشيشي.

“حياتنا عقيدة حياتنا جهاد.. جنّدنا للنصر عشقنا البلاد، درّبنا علّمنا لجلب الأمجاد.. عشنا ومتنا لترقى العباد”، طفقت مختلف التشكيلات المشاركة في الحفل تغنّي نشيد الأكاديمية العسكرية.

وكلمات النشيد تلخّص حياة مدادها دروس وتدريبات وقيم عسكرية وعمليات ميدانية، كلمات تعني أن الوطن هو البوصلة الوحيدة.

لن ننسى شهداءنا

ولسان حال الجميع يقول ” لن ننسى شهدائنا”، كان الشهيد الرائد فوزي الزياتي حاضرا في الاحتفال من خلاله عائلته التي حظيت بالتكريم في حفل تخرّج دورة جديدة في المدرسة العسكرية.

وللتكريم في هذه المناسبة رمزية عميقة ربّما تلخّصها كلمات نشيد الأكاديمية ” أين المفرّ يا عاشق الظلام.. فالنور يشعّ فينا على الدوام”.

وفي تسليم الشارات والرتب، سالت أنهار العرق من وجوه التلامذة الضباط والضباط التلامذة، لكنهم حافظوا على ذلك الانضباط وخطت الشمس على وجوههم ” حياتنا عقيدة وجهاد”.

بالروح بالدم نفديك يا علم

“بالروح بالدم نفديك يا علم”، بهذه الكلمات التي تقشعر لها الأبدان ويزداد على وقعها خفقان الأعلام انطلق عرض فنيات التدخّل عن قرب.

وعلى إيقاع زغاريد الأمهات اللاتي نثرن الفرح في المكان، أدى التلاميذ حركات باليد دون أن يستعملوا السلاح، حركات تقوم على قاعدة مهاجمة العدو في المناطق الأكثر هشاشة في جسمه.

هجوم ودفاع، وضعيتين ينتقل بينهما العسكري بسرعة ليعدم فرص العدو في تجميع قواه ويصبح قادرا على مجابهة أكثر من خصم في آن واحد.

خطوات العسكرين تدوي في أرجاء الأكاديمية، تمتزج بصرخاتهم المتواترة وزغاريد الأمهات وعزف الفرقة العسكرية فتتولد عنها سمفونية بنكهة الفخر.

وفي المؤسسة العسكرية بمختلف أسلاكها الرجال والنساء سواسية إذ تألق العنصر النسائي في عرض فنيات التدخل العملياتي عن قرب، ولن تميز إحدى تلميذات الأكاديمية العسكرية وهي تؤدي الحركات التي يقوم بها زملاؤها إلا بشعرها الطويل المرفوع إلى الأعلى، كانت تقفز وتناور كفراشة حالمة.

برج بشري ورمزية

في المشهد الختامي شكّل العارضون بأجسادهم برجا بشريا يحيل إلى التماسك بين عناصر المجموعة وتناسقها ناهيك عن سعة الصبر لديها، ولك أن تتخيل راية تونس مرتفعة فوق هذا البرج.

عالية خفاقة بدت الراية في قلب ساحة المهرجان وهي تعلو أجساد ضباط تلامذة، وكان البرج البشري تعبيرة من تعبيرات تونس، تونس الصامدة.

مشاريع تخرّج تلبيّ حاجيات المؤسّسة العسكري

في اختتام السنة التكوينية، عرض التلامذة الضباط مشاريع تخرّجهم أمام وزير الدفاع الوطني عبد الكريم الزبيدي الذي أكّد ضرورة ملاءمة مشاريع ختم الدروس مع حاجيات المؤسسة العسكرية.

وقال الزبيدي إنّه تمّ وضع برنامج جديد لمسار العلوم العسكرية، معربا عن أمله في ان يساهم في الرفع من القدرات الأكاديمية والتكتيكية للتلميذ الضابط حتى يكون قادرا على أداء مهامه على الوجه الأفضل.

وفي مجال البنية الأساسية، ستنطلق قريبا أشغال إنجاز المبنى الجديد للتعليم الجامعي الذي دعمته ألمانيا بقيمة 10 مليون يورو، وفق ما أفاد به الزبيدي.

وأشار إلى أنّ الأكاديمية العسكرية ساهمت في تكوين ما يقارب الـ 90 % من الضباط الذين أدوا مهاما في وزارة الدفاع الوطني.
وأضاف في كلمة ألقاها خلال الاحتفال ” تم رصد اعتمادات استثنائية في مجال البنية الأساسية لتشييد 3 بناءات جديدة وتهيئة البناءات القديمة وذلك بهدف الرفع من مستوى العيش والخدمات والتدريب”.

وأكّد ضرورة انفتاح مؤسسات التعليم العالي العسكري على الجامعات الوطنية والاجنبية والاستفادة من تجاربها والتفاعل مع المحيط الاقتصادي والاجتماعي لضمان اشعاعها وتطورها وتقدمها في مجالي التكوين والبحث.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.