فيلم “سلوى” لإيناس بن عثمان.. ماذا لو فكرت بائعة الهوى في خلق ليلة حب؟

 يسرى الشيخاوي-

لا أحد بإمكانه أن يتخيل أحاسيس بائعة الهوى وهي تؤوي داخلها رغبات عابرة وأنفاسا وآهات مبعثرة، وتستبطن ألوانا من العنف تمتد من المادي إلى الرمزي، وتختزن دموعا وصرخات مكتومة.

لا أحد بإمكانه، أن يتكهن مايدور بخاطر إمرأة استباحوا جسدها بلا معارضة منها وبتزكية من الدولة وصارت تمتهن الدعارة، ولا إيقاع نبضها وهي ترتطم بوجوه مختلفة تأتي إليها للسبب ذاته.

أية مشاعر تنتاب عاملة الجنس التي حملتها الأقدار إلى الماخور غصبا عن أحلامها وأمالها، وجسدها يغدو ممرا للباحثين عن لحظات من المتعة في الأزقة المثقلة بصمت نساء كُسرت الفرشاة في أيديهن قبل ان يلون حيواتهن كما يردن.

الوجع الصامت، والعينان اللتان تفيضان بوحا وشكوى، والجسد الصامت رغم سريان الدم في شرايينه، والانفاس الثائرة في سكون وكأنها تأبى أن تعانق أنفاس ذلك الغريب، هذه الملحمة التي تعيشها يوميا بائعة الهوى التي رُمي بها في الأتون غصبا عن رغبتها صورتها المخرجة إيناس بن عثمان في فيلمها "سلوى".

"سلوى" فيلم روائي قصير مقتبس من قصة "وهم ليلة حب" للكاتب لسعد بن حسين، عرض في المعهد الفرنسي ضمن فعاليات المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان ليطرح موضوع بائعات الهوى من منظور إنساني.

في الفيلم، مشاركات لعديد الممثلين الذين أجادت المخرجة إيناس بن عثمان اختيارهم ليتقمصوا أدوارهم بعفوية وبساطة لتبدو المشاهد خاصة تلك التي صورت في الازقة التي تداعت حيطانها وتآكلت أبواب منازلها وتأهبت أسقفها للانهيار أشبه بمقتطفات من فيلم تسجيلي.

كتابة الفيلم وأسلوب إخراجه وأداء الممثلين على وجه الخصوص، الممثلة ريم البنا، محملون بالكثير من المشاعر والاحاسيس الظاهرة والكامنة التي تحملك إلى زاوية إنسانية تجعلك تتفكر في واقع بائعات الهوى.

ودور "سلوى" بائعة الهوى الذي تؤديه الممثلة ريم البنا، يغلب عليه الأداء غير اللفظي وفيه أظهرت قدرة على تطوير تقاسيم وجهها في التعبير وتحدثت نظراتها وبلغت ما يختلج صدرها دون الحاجة إلى كلمات كثيرة.

وهذه الشخصية تعيش بين عالمين عالم واقعي مفروض عليها وعالم متخيل تسعى إلى خلقه وهي تحاول أن تكسر الأصفاد التي طالت روحها قبل جسدها، حتى صارت متكسرة تسعى إلى رأبها كلما غادرت ذلك الزقاق المتهاوي.

بوجه شاحب لا يزينه سوى الوجع والانكسار، تستقبل الذكور تباعا، ولا يلامس أحمر الشفاه فمها إلا حينما تحل العطلة وتنامي الذكريات تباعا على إيقاع رحلة تبحث فيها عن حب صادق لا ينتهي جسدها ولا يدوس على أنوثتها.

تاركة وراءها عالم الدعارة وتفاصيلها الخفية الموجعة، تلاحق سراب الحرية والتحرر لتصطدم بواقع لا أحلام فيه لبائعات الهوى، فتلك الأجساد في مرمى الوصم دائما وأبدا، وتلك العيون المنكسرة لن تعانق نظرة سوية، هي فقط نظرات الازدراء والتحقير تطاردهن.

وليس أشد قسوة على المرء من تلك اللحظة التي يسعى فيها إلى تحقيق حلمه الذي رآه صورا في ذاكرته وانتشى به ولكنه يفتح عينيه على حقيقة تتبعثر عندها كل الرغبات والأمنيات، حقيقة أيقنت معها "سلوى" أنها ميتة على قيد الحياة.

من سجن إلى سجن آخر، تحلق روحها المتعبة  وهي تستجير بصور طفولتها من كابوس الحاضر الذي شكلته الظروف حولها وتتلو حكايتها على مسامع جلاد من بين آلاف الجلادين الذين أصدروا حكمهم المسبق على بائعات الهوى.

وفي نهاية الفيلم تأتي الإجابة عن سؤال " ماذا لو فكرت بائعة الهوى في خلق ليلة حب؟، إجابة تختزل علل المجتمع الذي ينكر على الفرد فرصته للتغيير، فرصته ليحرر نفسه من أغلال فرضت عليه.

وإذا ما فكرت بائعة الهوى في أن تثأر لنفسها من لحظات استباحتها دون قدرة منها على الرفض، تجد نفسها في مهب سجن آخر، في فصل آخر من فصول العذابات يمكن أن تستظرف بعضا منه في عين ريم البنة وهي تواجه مصيرا محتوما بعد لحظات عذبة من الحلم.

وفي فيلم "سلوى" راوحت المخرجة بين الجمالي  والجرأة في رسم ملامح زاوية أخرى لموضوع بائعات الهوى بأسلوب يأخذك بعيدا عن الأحكام المسبقة والتقييمات الأخلاقية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.