فيلم ” بابا هادي”.. وجه آخر للهادي الجويني

يسرى الشيخاوي-
 
ابتسامة امام المكروفون، إبداع فني لا يعترف بالحدود، خامة صوتية متفرّدة، وإرث موسيقي عظيم، هذا ما تركه الفنان الهادي الجويني في الذاكرة العامة للتونسيّين، ولكن ظلت حياته وراء الكواليس وخلف الميكروفون بعيدة عن الأضواء، إلى أن سمعت حفيدته كلير بن حسين إحدى أغانيه صدفة في سيارة أجرة في باريس، هذه الصدفة كشفت أبعادا مخفية من حياة الفنان الذي طبع مسيرة الفن التونسي بأسلوبه المميز، اسلوب راوح فيه بين الأغاني الوطنية وأغاني الحب والاوبريت، ومزج فيه بين الطابع الاندلسي والمحلي النوتات الشرقية والإيقاعات الغربية فكانت أعماله متفردة.
 
حوالي ثلاثة عقود تمر على وفاة الفنان الذي لا شبيه له، نبشت كلير بن حسين في تاريخ جدها المكنى بالهادي الجويني، وروت عطش الجمهور الجوانب المخفية من حياة الفنان البسّام على المسرح.
 
"بابا الهادي: رجل خلف الميكروفون"
 
ان تكتشف كلير بن حسين صدفة ان جدها والد أبيها فنان، جعلها تقرر العودة إلى تونس بعد قطيعة دامت سنوات مع موطن والدها، عادت لتعرف السر من وراء عدم علمها بأن جدها يغني وبأن شهرته جاوزت حدود تونس.
 
"بابا الهادي: رجل خلف الميكروفون"، فيلم وثائقي هو نتاج البحث عن أجوبة لسؤال كلير ضمنت فيه وجها آخر للهادي الجويني بعيدا عن أضواء المسارح، وثقت فيه جوانب من حياته بعيون عائلته وبعض من الوسط الفني.
 
وان يكون عنوان الفيلم "بابا الهادي" ليس بالأمر الاعتباطي، فعند الحديث عن الرجل الذي قدم للساحة الفنية سيلا لا ينضب من الإبداع، تتردد كلمة "بابا الهادي" حتى باتت ملازمة له في الذاكرة الشعبية.
 
رحلة الفن بعيدا عن المسارح
 
في الفيلم عادت كلير بن حسين بالجمهور إلى سنوات خلت، إلى الفترة التي سبقت الاستقلال والحرب العالمية الثانية وتونس بعد الاستقلال، تحدثت عن طفولة جدّها الذي ولد عام 1909، عن عشقه موسيقى الإسبان، وعن عوده الذي كسره والده، وأمه التي تمرّدت على الأعراف والتقاليد وعن جدّته التي كانت سندا له في تحقيق حلمه.
 
والفيلم طرح جوانب مخفية من حياة فنان تونسي سابق لعصره، فنّان ذو رؤية موسيقية حديثة رفض أن يكون سجين الموسيقى الكلاسيكية وادخل إيقاعات أخرى على موسيقاه التي أسرت كوكب الشرق خلال رحلته إلى مصر، ولكن هذا الإعجاب لم يأت أكله، فالقدر لم يشأ أن تغنّي أمّ كلثوم من ألحان الهادي الجويني.
 
الفنان المبتسم دوما امام الميكروفون انضم  إلى الرشيدية ثم جماعة تحت السور التونسية التي تضمّ مثقفين وشعراء ومطربين تونسيّين حتّى بات رقما صعبا في الساحة الفنية التونسية وأحد اعمدة الذاكرة الشعبية في تونس، فهو الفنان الذي احتفت اعماله بالهوية التونسية المنفتحة على العالم.
 
الهادي جويني وسّمه الرئيس التونسي الراحل  الحبيب بورقيبة مرتين  الأولى سنة 1966 والثانية سنة 1982، وذلك لإسهاماته في تطوير المشهد الثقافي التونسي، ولكنه تألّم كثيرا لعدم اختيار لحنه للشيد الوطني التونسي بعد الاستقلال.
 
ليست الأنثى كالذكر 
 
الهادي الجويني، الفنان  المبدع الذي سابق الزمن في مجاله، ساهمت إمرأتين في سطوع نجمه هما أمّه التي لم تكن مطيعة ولا خاضعة لتقاليد المجتمع  ونمّت فيه هذه السمة، وجدّته التي شدّت على يده حتّى اشتد عود حلمه في أن يصبح فنّانا ولكن هذا لم يشفع لزوجته "نانيت" اليهودية وابنتيه " سامية" و"عفيفة" اللاتي حرمهن من دخول المجال الموسيقي.
 
"نينات" الجميلة اليهودية ذات الصوت العذب، عرفها الجويني مغنّية تصغره بـ22 سنة، أحبّها وأحبّته وتحدّيا المجتمع آنذاك وعاشا تحت سقف واحد وباتت "نينات" التي قاطعها أهلها وغادروا إلى اسرائيل وحاولت الالتحاق بهما مرّتين بعد ان أعيتها خيانات الجويني لكنّها لم تفلح فرضيت بالأمر الواقع.
 
"وداد" ارتبطت بالهادي الجويني فنّيا قبل ان ترتبط به عاطفيا، ولكنّه منعها من ولوج عالم الفن بعد ارتباطهما وهي التي شاركته الغناء في فيلم " اليوم السابع" المغربي، الأمر الذي جعلها محطّ أنظار مخرج الفيلم الذي عرض عليها دورا في فيلم آخر لكن الجويني رفض.
 
والجويني الذي سمح لابنيه "فريد" و"نوفل" بولوج عالم الموسيقى، قطع  السبيل إليه عن ابنتيه " سامية" و"عفيفة" مثلما وثقته شهادتيهما في فيلم " بابا الهادي: رجل خلف الميكروفون".
 
حينما يجمع فيلم شتات العائلة 
 
والفيلم وإن كان مناسبة لإحياء ذاكرة فنيّة لم ينصفها الحاضر، فإنّه  كان عنوانا لجمع شتات عائلة الجويني التي فرّقتها الظروف وجمّعهم تصوير الفيلم، ووضع حدّا للخلاف الذي نشب بين "فريد " الابن الأكبر للهادي الجويني  وشقيقه " نوفل" من أجل أرشيفه الموسيقي.
 
هذا الخلاف تسبب في قطيعة " فريد" لأمه لأن تنازلها عن الأرشيف الموسيقي لفائدة " نانو" كما تناديه العائلة لم يعجبه فقاطعه لمدّة 15 سنة ولم يزر أمّه التي لم تنفك تسأل عنه وفق شهادة شقيقته "عفيفة" في الفيلم.
 
وانتهى الفيلم  على صوت أبناء الهادي الجويني " عادل" و"فريد" و"عفيفة" يغنون "تحت الياسمينة في الليل"، تعقبها صور للفنان المبتسم في أيدي محبّيه.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.