يسرى الشيخاوي –
فسيفساء من الالوان تستشري على امتداد الطريق إلى المركز الثقافي للفنون والحرف بسمّامة، وتتخذ في كل مرة معنى جديدا من الحلفاء إلى النباتات الشوكية فالأشجار ولون التراب وتروي حكايات عن الرعاة وتيمهم بالحياة.
تفاصيل كثيرة، تختزنها الذاكرة عن سمّامة بثناياها ونباتاتها وصوت الريح الذي تخذ فيها عمقا يحاكي صبر أهل المنطقة على التهميش وعلى الطبيعة القاسية أحيانا، تفاصيل تقفز إليك وأنت تطلع خبرا عن معرض للفزاعات، هن الجمهور وهن الحكايات.
هو الخيال يجعلك تعيش لحظات المعرض متسلحا بما علق في زوايا الذاكرة من ألوان وأصوات ودروب، وعلى صدى أهازيج "الهطايا" وانين الرعاة وشكواهم تعانق عيناك الفزاعات التي تحملك إلى عالم عصي عن التصنيف والتوصيف.
هي الأشياء والأفعال النابعة من اعماق الذات والممزوجة بنبض القلب تأبى أن تكون حكرا على توصيف واحد أو صنف واحد، تماما كمعرض "فزاعات وحكايات لزينب الهلالي، المعرض الذي شكّلت ملامحه قبل سنة وواصلت عملية الخلق خلال الحجر الصحي.
"فزاعات وحكايات" المدعوم من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبيّ والفنّيّ وبرعاية الصندوق العربي للثقافة والفنون آفاق، عمل فني يتعانق فيه التجديد والأصالة ويتماهى فيه الإصرار بالإتقان.
في ظروف استثنائية، وحينما ترّبعت الشمس في كبد السماء تبدّت فزّاعات زينب هلالي، تبوح بالأسرار والفرح، على عكس ما تحمله تسميتها تدعوك إلى سبر عوالمها فتلبي رغبتها صاغرا.
حكايات عن التراب وعن السماء وعن المطر وعن الريح وعن القمح والتين والزيتون والجبل والحب والحياة والفن والامل، ترويها الفزاعات في معرض ليس كالمعارض، لا جمهور فيها، هو حديث الفن يعلو عند هضبة محمود درويش حتى يعانق العلياء.
هناك حيث يرفرف علما تونس وفلسطين على إيقاع الريح، تطالعك "مخلوقات" زينب هلالي بحكاياها الموغلة في ثنايا المكان والممتدة إلى ما بعد الحدود، وحيث خطّ "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، تكاد الفزاعات تنطق " إنّنا بعض من الحياة".
وفيما يرقص العلم تروي الفزاعات حكاياتها، يبوح الخشب بأسراره ويعزف الحديد ألحانه ويغازل القش النسمات ويغني البلاستيك للعصافير، خشب وحديد وبلاستيك وقش هي المواد الاوّلية التي تخلق منها زينب هلالي فزّاعاتها.
وإن حالت كورونا دون أن يتزيّن المركز الثقافي للفنون والحرف بسمّامة بأنفاس الزوار فإنّ الفزاعات عمرّته وبعثت فيه حيوات موشّحة بالامل والمحبة على امل لقاء قريب إثر تلاشي الوباء.
فزاعات فاتنة تشدّك بتفاصيلها، وتذكّر كمامتها أنّا في زمن الكورونا، كورونا التي حرمت الآنام القبلات والعناق ولكنّها لم تقتل فيهم حب الحياة، ولم تقتل في زينب هلالي حب الفن والخلق، ومن حكايات الاجداد نسجت أفكارها، وكانت الفزاعات التي يستعملونها في الحقول لحماية المحاصيل من الحيوانات والعصافير منبع إلهامها، وفق حديثها لحقائق أون لاين.
وبعيدا عن فكرة الترهيب والتخويف المرتبطة بالفزاعات والتي تولّد منها اسمها، جعلت الهلالي من الفزاعات عرائس جميلة من عوالم الفنون والتجارة، من الموسيقى إلى الغناء والبيع والحراسة والتصوير تنقلت فزاعات الهلالي داعية الكل الى الأمل والتفاؤل عبر ألوانها النابضة حياة.
أردية جميلة تراوح بين التقليدي والعصري نسجتها محدّثتنا بمحبة وزيّنت بها أجساما خلقتها من مواد كثيرة أو مهملات قد لا تلقي لها بالا إذ وجدتها على قارعة الطريق ولكنّها رأت فيها بعض من الحياة وبعثت فيها روحها وكتبت فيها حكاياتها بشغف وتوق إلى الاختلاف والتفرّد.
والرسامة العصامية، حديثة العهد بعالم الرسكلة سارت في ثناياه منذ سنة ولكن ماجادت به اناملها يحكي أنها ألفت هذا العالم منذ سنوات، هو العشق جعلها ترى كل مهمل مشروع فزّاعة وبداية حكاية، وكان صاحب المركز الثقافي للفنون والحرف بسمّامة عدنان الهلالي سندها وعضدها إلى ان رأت فكرتها النور وحصلت على دعم من صندوق التشجيع على الإبداع الأدبي الادبي والفني، وفق قولها.
ومن الرسم إلى الرسكلة، حدّدت ملامح أسلوب لا يشبه إلا إصرارها على تجسيد أفكارها واقعا، تبحث وتنقّب وتتبع شغفها دليلا وتوشّح الفزاعات بجمالية خاصة حتّى تطرد عنها صفة "المخيفة" التي ارتبطت بها، وكان ميلاد عشرات الفزاعات التي صارت عصية على العد لكثرتها.
وفي حديثها عن فكرة مشروعها الفني لا تفوّت الفرصة لتشكر الفنان والنحات محسن الجليطي الذي زارها في المركز الثقافي بسمامة ووهبها بعض الأفكار المتطوّرة التي ستعمل على تجسيدها في قادم الأيام، على أن تنظم معرضا ثانيا بحضور الجمهور بعد ررفع الحجر الصحي، ولكن تبقى هذه التجربة متفرّدة ومميزة وستحفظ الأيام حكاياتها .